الأزمات الاقتصادية "تفكك" السودان

26 أكتوبر 2015
الفقر يحيط بالشعب السوداني (فرنس برس)
+ الخط -
يعيش السودانيون بين أحلام الهجرة الداخلية والخارجية، في ظل ارتفاع حجم الأزمات التي تزيد من القلق الاجتماعي وعدم الشعور بالاستقرار المعيشي في بلادهم. وتساهم البطالة وسوء السياسات الاقتصادية والتنموية إلى ارتفاع حدة التغييرات المجتمعية، مع تشتت الأسر السودانية بفعل الاغتراب، أو الانتقال من منطقة إلى أخرى بحثاً عن الحياة. 
ففي عيد الأضحى الماضي، قالت وزارة الداخلية السودانية أن أكثر من ثلاثة ملايين سوداني تركوا الخرطوم إلى ولاياتهم الأساسية، لتمضية أيام العيد. رقم أثار الكثير من التساؤلات، وسط تقارير وتصريحات تشير إلى عبء النزوح الداخلي الذي يضغط على الخدمات العامة في العاصمة. ويشير هذا العدد أيضاً، إلى تزايد عدد الهاربين من بؤس الأوضاع في مناطق بعيدة عن الخرطوم، لأسباب ترتبط بارتفاع معدلات الفقر وارتفاع حدة البطالة، وتوسع دائرة الحرب في سبع من ولايات من أصل 18 ولاية، فضلاً عن الحرب القبلية المستمرة.
ويتضافر هذا الواقع مع مأساة أخرى، ترتبط بالهجرة الخارجية للكفاءات السودانية. فقد أعلنت وزارة الداخلية السودانية منذ أشهر أن عدد تأشيرات الخروج من السودان وصل إلى 5 آلاف تأشيرة يومياً. وأشار جهاز تنظيم شؤون المغتربين في السودان، في سبتمبر/ أيلول الماضي إلى هجرة نحو 50 ألفاً من الكفاءات السودانية، من أساتذة الجامعات والأطباء والصيادلة والمهندسين والعمال المهرة، بدافع تحسين أوضاعهم المعيشية، بينهم 300 أستاذ من جامعة واحدة خلال عام 2014. وكذا، أعلن الأمين العام لجهاز شؤون السودانيين العاملين بالخارج أن عدد المهاجرين 66 ألف سوداني خلال الستة أشهر الأولى من 2013. وفي العام نفسه، أعلنت الحكومة أنها فقدت 34% من كوادر العلماء والباحثين في المركز القومي للبحوث. وأيضاً في العام 2012 كشف تقرير أصدرته وزارة العمل السودانية عن تزايد معدلات الهجرة وسط السودانيين لتصل إلى 75.631 مهاجرا.

اقرأ أيضاً:مزارعو السودان أمام معادلة السجن أو الدفع

النزوح الداخلي

من جهة أخرى، تتزايد نسب النزوح الداخلي من الأرياف إلى المدن، وخصوصاً الخرطوم بشكل مقلق. ويقول محمد (52عاماً) "إن ظروف الحرب الأهلية والقبلية في دارفور أجبرتني وأسرتي على ترك مسقط رأسنا واللجوء إلى الخرطوم، كنت أعمل في الزراعة أما الآن فأنا أبحث عن عمل".
أما داؤد (60 عاماً) فيقول إنه جاء إلى الخرطوم منذ عشر سنوات من منطقته في سنار بهدف العمل، ولكنه كان حريصا جداً ألا ينقل أسرته للعاصمة حتى لا تفقد ارتباطها بالريف. وتقول حواء (بائعة شاي)، أن "ظروف الحرب في دارفور أجبرتنا للنزوح نحو الخرطوم بحثاً عن مأوى وعمل بعدما فقدنا ذلك في منطقتنا".
ويرى المحلل الاقتصادي قرشي عوض، أن النزوح الداخلي مدمر جداً لمناطق الإنتاج، إذ يتم هجرها لصالح العمل في أعمال هامشية. ويعتبر أن إغراق السوق بالمنتجات الزراعية المستوردة من الصين وجنوب أفريقيا ودول أخرى، سبباً أساسياً في النزوح، إلى جانب المعوقات التي تواجه المنتجين من ضرائب وتمييز وتسهيلات انتقائية. ويضيف: "سبب النزوح الأساسي هو البحث عن عمل ومصدر رزق، بعدما تحول الاقتصاد السوداني إلى تجاري طفيلي، في ظل غياب الاهتمام بالإنتاج وتقديم التسهيلات له". ويلفت عوض إلى أن هذا الواقع "قاد لتدمير البنية الاقتصادية المحلية ومن ثم نزوح المنتج للبحث عن عمل ومصدر رزق".
ويحصر الخبير الاقتصادي كمال كرار السبب الرئيسي للنزوح من الريف إلى المدن في انعدام التنمية بالريف، فضلاً عن الأثر السلبي لشكل الحكم الفدرالي، الذي حول موارد الريف على قلتها، نحو الصرف على الجهاز البيروقراطي للسلطة المحلية". ويضيف "لقد ارتفع الإنفاق على السلطات التنفيذية والتشريعية بدلاً من توجيه المدفوعات نحو التنمية المستدامة".
ويشير كرار إلى أن "مواطن الريف منهك بالضرائب والرسوم خاصة في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية". ويحذر كرار من أن يقود النزوح الكبير في المدى القريب إلى مجاعة شبيهة بمجاعة العام 1988 التي ضربت البلاد لذات الأسباب".
ويشدد على ضرورة أن تعمل الدولة على وضع رؤية اقتصادية جديدة بالتركيز على الاقتصاد الكلي والتنمية المتوازنة باعتبارها الحل الأساسي للأزمة القائمة".

اقرأ أيضاً:قوارب الموت.. المأساة تلاحق اللاجئين براً وبحراً
المساهمون