قصر البديع

25 اغسطس 2015
+ الخط -
ربما تجول في بال الناظر إلى قصر البديع في مراكش، قصائد عن زمن غابر، إذ إن حالته الراهنة تزيّن وضعه في قصيدة طللية.
يقال إن القصر الطللي كان مزخرفًا بالزليج والخزف. الزليج ذاك الزجاج المغربي الذي يمتلك المغاربة أسرار صنعته. هم الهابطون من الأندلس القريبة آخذين معهم مهارات العمل الفني اليدوي الرفيع.
ويحمل القصر ذكرى نصر مغربي تليد، فقد انتصر في القرن السادس عشر السلطان السعدي أحمد منصور الذهبي على جيرانه البرتغاليين، في معركة وادي المخازن، وأراد لنصره معلمًا باهرًا فأمر ببناء هذا القصر؛ وهي عملية استغرقت ستة عشر عامًا بلا انقطاع. واستدعى من أجل ذلك أمهر الصناع والحرفيين من أهل المكان ومن الأجانب، وكان من بينهم كثير من الإيطاليين.
في الأصل قبل المرحلة الطللية، كانت للقصر أسوار عالية وعشرون قبّة تمتح كلّها من امتزاج العمارة المغربية لذاك الزمان مع الإرث الأندلسي المعماري، الذي يسري كالدم في عروق المغاربة، من هنا الجص والجبس، فمن أمهر من المغاربة في التفنن فيه؟.
الباحة الداخلية سليلة العمارة المتوسطية، ستتسع في قصر البديع لتغدو هائلة الحجم، مقسّمة إلى خمسة أقسام في الوسط ما يشبه حوض الماء الفسيح. وإذ حضر الماء رقراقًا في الحوض، طاف في البال قصر الحمراء الشهير في غرناطة، أحد أهم براهين عبقرية عربية، مضت بالطبع، تتقن الري ضمن سواقٍ وأنابيب وجداول "اصطناعية" لتلطّف الجو داخل القصر طبعًا، ولتذكّر باستمرار بالآية الكريمة : "وجعلنا من الماء كلّ شيء حي".

اقرأ أيضاً: كنيسة القديس يوسف في الناصرة

عند جوانب الحوض الأربعة، تنتظم أربع "حدائق" منخفضة. سيصل المرء إليها عبر درجات قليلة، ويقال إن أمعن المرء قليلًا في الأرض هناك، لشفّ الزليج الملون والخزف المصبوغ من بين النباتات المنتقاة لتفوح روائحها العطرة في هذا المكان الساحر: ليمونٌ وزيتونٌ وورد. فالأصل أن تلك الحدائق كانت قاعات مزخرفة ممتلئة بالأعمدة الرخامية والتيجان المنحوتة، ومزدانة بأوراق الذهب.
كلّ ما هو جميلٌ وباهرٌ يشعّ في عين الحسود، يريد الحسود الاستئثار بصنيع الآخر على الدوام. وكذا كان، فقد تعرّضت زينة القصر وزخارفه وتنميقاته إلى التهديم والتلف في نهاية القرن السابع عشر، حيث نزع المولى إسماعيل الزخارف الاستثنائية من قصر البديع، ليزين عمارات "جديدة" في عاصمته مكناس.
في القصر الطللي، شاء رئيس وزراء لبنان السابق، نجيب ميقاتي، أن يزفّ ابنه منذ شهور قليلة. ووفقًا لمصادر الصحافة المغربية، انهار جزء من سور القصر بعد ذاك بمدة قليلة. ولا ترميم يقترب من قصر البديع على ما يبدو.
المساهمون