6 أفلام عربية في طريق "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي

19 أكتوبر 2015
"ذكريات منقوشة على الحجر" للكورديّ العراقي شوكت أمين كوركي
+ الخط -
منذ ما قبل 9 أكتوبر /تشرين الأوّل 2015، تبدأ "فضائح" عديدة بالظهور علناً، إزاء مسألة اختيار دول عربية أفلاماً عربية لـ "تمثيلها" في السباق إلى اللائحة الأخيرة، الخاصّة بالترشيحات الرسمية لـ "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي، الممنوحة سنوياً من قِبَل "أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية" في لوس أنجلوس. في التاريخ المذكور، تُعلن الأكاديمية مُشاركة 81 فيلماً في التصفيات الأولى. لكن، كما قبل 9 أكتوبر، كذلك بعده: "فضائح" مختلفة تُرافق سلوك وزارات ثقافية عربية أو مؤسّسات سينمائية عربية مكلَّفة، من قِبَل أكاديمية هوليوود تلك، لاختيار فيلم واحد فقط لتمثيل البلد المعنيّ في المسار الطويل المؤدّي إلى الحصول على صفة "مرشَّح"، قبل إعلان نتائج الجوائز. 

سلوك مشبوه

الفضائح العربية في المجال السينمائي كثيرةٌ، ودائمة الظهور. السلوك المعتمَد في التعاطي الرسمي، كوزارة ثقافة أو كمؤسّسات سينمائية (نقابة، مركز قومي، اتّحاد، تجمّع... إلخ.)، يكشف فداحة الفوضى والفساد والعفن، المعشِّشة كلّها في مراكز النفوذ. قبل 9 أكتوبر/ تشرين الأول بأسابيع قليلة، تُعلن لجنة مُكلَّفة من قِبَل وزارة الثقافة اللبنانية اختيار فيلم "وينن؟" ـ فيلم طالبي جماعي معروضٌ تجارياً لأسابيع قليلة من دون إيرادات تجارية كبيرة ـ لتمثيل لبنان لدى الأكاديمية الهوليوودية. الفضيحة هذه موزّعة على أكثر من صعيد: من أصل 9 أعضاء، هناك 5 لديهم ارتباط مباشر بصناعة الفيلم، أو بالجامعة التي تتولّى إنتاجه. هذا يؤدّي إلى تغييب فيلم سينمائيّ آخر بعنوان "الوادي" لغسان سلهب، يمتلك الشروط الفنية والتقنية والدرامية والجمالية كلّها، التي تؤهّله لأن يكون فيلماً سينمائياً متكاملاً، وقابلاً لنقاش نقدي متنوّع وعميق وذي فائدة. الحجّة المعتمدة في الاختيار مرتكزة على ملاحظات عديدة: معالجة "وينن؟" موضوعاً إنسانياً مهمّاً (المفقودون والمخطوفون في الحرب الأهلية اللبنانية، الذين لا يُعرف عنهم شيء إلى اليوم)، ومشاركته في مهرجانات سينمائية دولية (عند البحث عنها، يتبيّن أنها منتمية إلى الفئة العاشرة من المهرجانات العادية، أو مرتبطة بأسابيع سينمائية لبنانية)، و"نجاحه" التجاريّ في عروضه اللبنانية (علماً أن إيراداته لا تتجاوز الـ 10 آلاف بطاقة مباعة). هناك أيضاً تلك الخديعة التي لم تعد تنطلي على أحد: ضرورة تشجيع الشباب، وضرورة تشجيع "السينما اللبنانية". كأن "الوادي" لا يُعالج موضوعاً إنسانياً مهمّاً (فقدان ذاكرة فردية في مواجهة راهن معقّد، على خلفية حروب أهلية لبنانية)، ولا يُشارك في مهرجانات دولية (بعضها منتمٍ إلى الفئات الأولى الأساسية دولياً وعربياً، كتورنتو ودبي ولوكارنو وغيرها). كأن "الوادي" ليس فيلماً لبنانياً، أو كأن مخرجه طاعن في السنّ، أو كأن مقاييس الاختيار حكر على مظاهر وأشكال، على حساب الفنّ والجماليات.


فضيحة ثانية متعلّقة بغياب فيلم مصري عن لائحة الأفلام العربية الـ 6 الواردة عناوينها في لائحة الـ 81 فيلماً. يُفترض بكل بلد في العالم تقديم فيلم واحد باسمه إلى "أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية" قبل الأول من أكتوبر. نقابة المهن السينمائية المصرية تُدرك هذا. تتشكّل لجنة، قوامها نقاد ومخرجون وتقنيون. النقيب مسعد فودة لم يلتزم الموعد المحدَّد. أعضاء في اللجنة يظنّون أن الوقت لا يزال متاحاً. الصحيفة اليومية المصرية "اليوم السابع" تُعلن (10 أكتوبر) أن اللجنة تُخطر رسمياً شركة "إيمدج" للإنتاج اختيارها "بتوقيت القاهرة" لأمير رمسيس لتمثيل مصر (تنشر نسخة من الكتاب الرسمي باسم النقابة).

تساؤلات

بعد أيام قليلة، يُعلن الناقد طارق الشناوي (عضو اللجنة) أن نقيب السينمائيين مسؤول عمّا يجري، لأنه لم يلتزم الموعد المحدّد (تم إرسال نسخة من الفيلم مترجمة إلى اللغة الإنجليزية في 10 أكتوبر)، وأنه يجب إخضاعه للتحقيق. يُضيف أن هذا التصرّف "إهمال جسيم لا يُغتفر". رمسيس يقول إن "إهمال النقابة سبب لرفض الفيلم"، مشيراً إلى وجود "محاولات ودية" مع الأكاديمية لقبول الفيلم.

في 9 أكتوبر، يتوجّه الناقد السينمائي اللبناني محمد رضا، عبر صفحته الخاصة بـ "فيسبوك"، بسؤال عن سبب غياب فيلم مصري: "هل لم يتفق أهل السينما على فيلم، أو لم يتمّ ترشيح فيلم في الوقت الصحيح، أو لم يكن هناك فيلم صالح أساساً"؟ الإجابة كامنة في تصرّف نقابة السينمائيين، التي يطرح الناقد السينمائي المصري مجدي الطيب، عبر صفحته الخاصّة بـ "فيسبوك" أيضاً، سؤالاً حول تشكيلها لجنة الاختيار أصلاً: بالنسبة إليه، إذا كان لا بدّ من أن تتولّى النقابة تشكيل اللجنة، فلماذا لا تسند المهمة إلى سينمائيين شباب "منفتحين على التكنولوجيا العالمية"، بدلاً من الدوران في فلك أسماء "لا تستطيع فكّ الخطّ في الكمبيوتر"؟ (هذا يطرح سؤالاً آخر متعلّقاً بالمحسوبيات والعلاقات العامة، التي تتحكّم بغالبية أنماط العمل الرسمي وغير الرسمي في العالم العربي).

اقرأ أيضًا: في أن سينمائيين عرب يكتبون نصوصًا أدبية

إلى ذلك، يروي رضا نفسه قصّة متعلقة بفيلم بحريني. يقول إن المنتج والسيناريست البحريني فريد رمضان يسأله مساعدةً لإرسال "الشجرة النائمة" لمحمد راشد بو علي إلى الأكاديمية. المساعدة تحصل، والفيلم يُرسل، بعد التزام الشروط المطلوبة من الأكاديمية الهوليوودية (ملء الاستمارة، إرسال نسخ من الفيلم مترجمة إلى الإنجليزية قبل الأول من أكتوبر... إلخ). يضيف رضا أنه لم يقرأ اسم البحرين في لائحة الـ 81. السبب غير معلوم. المعطيات المتوفرة تقول إن كل شيء يسير على الطريق الصحيحة، ضمن المهلة المحدّدة. لكن النتيجة كامنة في غياب الفيلم البحريني عن اللائحة.

حروب وذكريات

أياً يكن، فإن الأفلام العربية الـ 6 هي، بالإضافة إلى الفيلم اللبناني: "غروب الظلال" للجزائري محمد لخضر حامينا (الفائز بـ "السعفة الذهبية" في مهرجان "كانّ" السينمائي الدولي عام 1975، عن فيلمه "وقائع سنوات الجمر")، و"ذكريات منقوشة على الحجر" (العراق) للكرديّ شوكت أمين كوركي، و"عايدة" للمغربي دْرِيس مريني، و"المطلوبون الـ 18" (فلسطين) للثنائي الفلسطيني عامر شوملي والكندي بول كوان، و"ذيب" للأردني ناجي أبو نوّار.

اقرأ أيضًا: "المطلوبون الـ 18" ؛ التحريك يؤرشف مقاومة سلمية

بعيداً عن الفضائح ـ المعروفة وغير المعروفة ـ في "الآلية الرسمية" للاختيار، وبانتظار 14 يناير/كانون الثاني 2016، موعد الإعلان الرسمي النهائي للأفلام كلّها التي اختيرت لتكون "مرشّحة رسمياً" للمنافسة على الجوائز، يُمكن التوقف عند أبرز النقاط الأساسية في الأفلام هذه، المتمثّلة بمواضيعها وأساليب اشتغالاتها ومساراتها الفنية. فباستثناء "عايدة"، تعود الأفلام إلى حقبات مليئة بعنف الحروب والنزاعات المستمرة حول حقوق جوهرية لشعوبٍ تسعى إلى البقاء في أراضيها وبلادها. حروب ناشبة بين محتلّ وأبناء البلد، ونزاعات ناتجة من الحروب تلك، ومستمرّة في تشكيل يوميات الصراع من أجل البقاء، ومن أجل شرعية الحياة. الفيلم اللبناني يروي وجهة نظر أهالي المفقودين، الغارقين في ارتباك حياتهم وقلقهم إزاء انعدام وجود أي معلومة تؤكّد مصير الغائبين. الفيلم الجزائري يستعيد فصولاً من الحرب الطويلة بين المستعمِر والجزائريّ، من خلال شخصيات شبابية موزعة بين فرنسا والبلد الأم، تحاول إيجاد طريقها إلى خلاص ما من وطأة الخراب. الفيلم العراقي الكرديّ ينطلق ـ في قراءةِ راهنٍ أليم وموجع ـ من لحظة تأمّل في أحوال أفراد مقيمين في ذاكرة العنف والإبادة التي ينفذ صدام حسين ونظامه الإجرامي فصولاً عديدة منها بحق الأكراد، كي يروي بعضاً من معاناة أناس يبحثون عن أمل معلّق. الفيلم الفلسطيني يُمعن تفكيكاً جمالياً في بُنى العلاقة الصِدَامية بين الفلسطيني والمحتل الإسرائيلي، ويذهب بعيداً في سخريته الرائعة، مُصوِّراً جمال السلوك الفلسطيني اللاعنفيّ إزاء المحتل والغاصِب. أما الفيلم الأردني، فيعود إلى الحرب العالمية الأولى كي يرسم ملامح بيئة بدوية في ظلّ نزاعات قوى دولية، وكي يروي شيئاً من معنى اكتشاف العالم المضطرب بعينيّ مراهق يبحث عن مساره في الحياة.

من جهته، يغوص الفيلم المغربي "عايدة" في تفاصيل ذاتٍ فرديةٍ تعاني إصابة سرطانية في مرحلة متقدّمة من المرض. المرأة اليهودية المغربية عايدة (نفيسة بنشهيدة) أستاذة موسيقى في جامعة "سوربون" (باريس)، يُشكّل اكتشاف إصابتها بالمرض السرطانيّ بداية تأمّل في أحوالها وحكاياتها ومساراتها، ولحظة تحوّل جديد تدفعها إلى العودة إلى بلدها، واستعادة مناخات طفولتها ومراهقتها في بيئة تحتضنها أعواماً عديدة قبل هجرتها.

اشتغالات

ينفرد "المطلوبون الـ 18" عن الأفلام الأخرى باعتماده تقنية التحريك، المُضافة إلى نهج وثائقي في استعادة حراك مدني سلميّ تشهده بلدة "بيت ساحور" في عام 1987، في ظلّ الانتفاضة الفلسطينية الأولى. التحريك جزء من السرد الحكائيّ المتخيّل، المستلّ من واقعة قيام أهالي البلدة بشراء "18 بقرة إسرائيلية" لتأمين غذاءٍ لأهاليها المحاصرين، قبل أن تبدأ السلطات العسكرية المحتلَّة حملة عليهم بحجّة أن الأبقار "تهدّد الأمن القومي الإسرائيلي".

الفيلم اللبناني "وينن" موغل في بكائيات تضع المفقود في دائرة الندب، وتروي الحكاية من بين دموع وآهات وحسرات وارتباكات وقلق. لكنه يفقد حساسيته الإنسانية لشدّة بهتان اشتغالاته الفنية والدرامية والإنسانية، على النقيض التام من التجربة الروائية الطويلة الأولى لناجي أبو نوّار، الذي يُحوّل "ذيب" إلى بناء بصري متماسك نصّاً ومعالجة وسرداً ومناخات واشتغالات تقنية وفنية. الفيلم اللبناني، بالخلل الموجود في بنيته، يُشبه "ذكريات منقوشة على الحجر": قوّة الموضوع وإنسانيته الكبيرة تسقطان في معالجة سينمائية عادية، تبقى في الفيلم العراقيّ الكرديّ ـ على الرغم من هذا ـ متقدّمة جمالياً على بهتان "وينن؟".

الفيلمان المغربيّ والجزائريّ يسردان حكايات فردية، تنقيباً في البؤر المخبّأة داخل أحوال أناس مقيمين في اللحظة الحرجة، التي تنبثق منها مسارات أخرى في الحياة والموت.
(كاتب لبناني)
المساهمون