بوح.. ذاكرة يسكنها مخيم اليرموك

03 مايو 2015
عمل فني لفريدا كويلهو(العربي الجديد)
+ الخط -
فيضان من الملابس المستعملة "البالة" غصّت بها شوارع دمشق، هل جرّبت مرة أن تقرأ الغربة والحرب على صفحات الثياب المستعملة؟
هنا في الغربة الدمشقية الجديدة لكل شيء نقيضه، لكل التفاصيل ساخرة. في شارع الحمراء، أحد أكثر أسواق دمشق ازدحاما، تختار فتاة هاربة من اليرموك قميصا أزرق. تشدني من طرف قميصي وتسألني: "خالتو شو يعني برنسس؟"، أجيبها: أميرة.
تجادل البائع لنصف ساعة من أجل خمسين ليرة، يذعن لعنادها، فتعود لركنها أميرة تباهي بنصر من "البالة" صديقي محاصر في اليرموك، جنوب دمشق، يقول قميصه في الصورة الأخيرة sky is the limit
وهنا دمشق التناقضات تحبك ثم لا تحبك، تغمرك ثم تحاصرك، تودها فتردك ثم ترميك بقبو في فرع فلسطين.
وأنا- اللاجئة الفلسطينية- سليلة ثلاثة أجيال من النساء المجنونات أتأمل ساقي مدينة، ما عادت تمشي إلا في الجنائز، أقول: دمشق، تليق بك التانغو، فيزداد إيقاع البراميل على اليرموك خمسين برميلا ورحيلا وأغنيتين.
اليرموك محاصر، تقول المذيعة ثم تكتفي، ولا يأتي في النشرة أن أطفالنا يكبرون في مراكز الإيواء "الجديدة" يكتبون على الدفاتر "أنا من هناك".
أي هناك؟ اليرموك؟ فلسطين؟ غريبة فعلا حالة العشق هذه للمخيم.
هناك يلزمك، لتكبري، أن تكوني محاربة نزقة، وأن تتجاوزي عن جدك العبوس والانقلاب السريع بين انفلات ابتسامته وتجاعيده، التي تغبها كموجة تبتلع ثلاثة لاجئين يتامى في عرض البحر.
كيف تعقل امرأة سرقوا منها شرفتين؟ مستوطن في فلسطين وقناص ممانعجي في المخيم؟
ينبغي أن تدركي أنك وريثة حزنك- بالجينات- كما ملاحة العيون. ثم عليك أن تقولي لإرثهن: لا. يوم عدت من حملة توزيع المعونات الأخيرة، أتأمل ثيابي التي حملت تراب مخيمي... تتراءى لي جدتي التي احتفظت بثوبها الفلسطيني الذي غادرت به فلسطين. أضع ثيابي في الغسالة، وكأن مسحوق الغسيل تميمتي، لأرد عن عمري ذات المصير: يالله.. أنموت غرباء جيلا بعد جيل؟
أرى المخيم أمامي مدمرا. فهنا يا درويش آخر الخيبات.
المساهمون