5 أسباب تدحض أسطورة.. "كرة القدم تافهة"

12 اغسطس 2015
+ الخط -


يجلس شخص ما يُعرف نفسه كمثقف ويعدل من وضع نظارته قبل أن يقول: "كرة القدم مجرد تفاهة، إنها شيء طفولي للغاية".. إنه ذلك الموقف وتلك العبارة التقليدية التي طالما يسمعها محبو الساحرة المستديرة من كارهيها أو من لا يفهمونها.

هذا الانطباع بعيد كل البعد عن الحقيقة، فكرة القدم أكبر من تلك النظرة "السطحية "بكثير، فبغض النظر عن بعض مفاهيم الشغف بفريق معين والانتماء له التي ربما لا تروق للبعض ممن لا يفهمون الكرة، فإن هناك الكثير من العوامل التي تنفي عن هذه اللعبة صفة التفاهة تماما.

أداة لإيقاف الحرب
ليست هذه الصفة نسجا من الخيال بل هي واقع تاريخي، فكما كانت كرة القدم سببا في الكثير من المواجهات بين الجماهير المتعصبة، فإنها على مدار التاريخ ساهمت أكثر من مرة في وقف إراقة الدماء.

خير مثال على هذا تلك القصة الشهيرة التي بدأت في 2005 حينما تأهل منتخب كوت ديفوار للمونديال عقب الفوز على السودان بثلاثة أهداف لواحد، حيث نقلت كاميرات التليفزيون بثا مباشراً من داخل غرف الملابس، حيث دعا ديديه دروغبا لوقف الحرب الأهلية في بلاده حينما قال: "مواطنو كوت ديفوار من الشمال والجنوب والشرق والغرب، أتضرع لكم لكي يسامح كل منكم الأخر، سامحوا ثم سامحوا، بلد كبير مثل بلادنا لا يمكن أن يستسلم للفوضى، اتركوا السلاح ونظموا انتخابات حرة".

لاقت رسالة "الفيل الإيفواري" مردودا كبيرا حيث قررت الأطراف المتنازعة الاتفاق على وقف لإطلاق النيران ليكتسب دروغبا بعدا أسطوريا بعدها، ولكن لم تتوقف جهوده عند هذا الحد حيث سافر في 2006 لأحد أكثر مدن البلاد خطورة بسبب النزاع، وهي بواكيه التي جعلها المتمردون مقرا لهم وطالب بعودة السلام والوحدة.

لم يتوقف بعدها بل وتمكن من اقناع السلطات والمتمردين بإقامة مباراة ضد مدغشقر في نفس المدينة حضرها عدد من الوزراء الذين لم يسبق أن خطت أقدامهم بواكيه منذ خمس سنوات وفاز "الأفيال" بخماسية نظيفة لتكتب الصحافة المحلية بعدها "خمسة أهداف لمسح خمس سنوات من الحرب".

دعم السياحة
كرة القدم تدعم بالفعل السياحة في عدد من الدول الأوروبية والواقعة في أميركا اللاتينية، فكل الأندية الكبرى لديها ملاعبها التي تفتخر بها والمتاحف التي تقص تاريخ أمجادها والتي تعد في حد ذاتها مقصدا سياحيا رئيسيا في المدينة الوجودة فيها.

تكثر الأمثلة في هذا الصدد ولكن أبرز الأمثلة موجودة في إسبانيا وأهمها سانتياغو برنابيو معقل ريال مدريد وكامب نو ملعب برشلونة، فما الذي تقوله لغة الأرقام التي لا تكذب؟

نجح البرنابيو خلال عام 2013، وفقا للأرقام التي نشرتها صحيفة (الباييس) الإسبانية في يوليو/تموز 2014 في استقبال 700 ألف زائر لمنشآته، أي ما يمثل 15% ممن زاروا العاصمة في هذا العام، بينما تضاعف الرقم بالنسبة لمعقل النادي الكتالوني ليصل إلى مليون ونصف مليون شخص، وهو ما يوازي 20% من السائحين الذين زاروا المدينة الساحلية برشلونة في نفس العام.

وبالنظر إلى عدد زائري متحف (البرادو) بالعاصمة الإسبانية مدريد، أحد أهم المتاحف الموجودة في أوروبا، في نفس الفترة فإنه كان مليونين و300 ألف سائح، أي أن كلا الملعبين حققا تقريبا نفس نسبة الزيارات في هذه المنشأة المليئة بالآثار من كل أنحاء العالم.

منبر سياسي
تعد ملاعب كرة القدم في الكثير من الأحيان بمثابة منبر سياسي للمظلومين ولفت النظر لقضايا لا يدركها العالم بأكمله، حتى ولو قوبل الأمر بفرض عقوبات والأمثلة في هذا الصدد كثيرة داخل وخارج العالم العربي.

هل كانت قضية سعي إقليم كتالوينا الانفصال عن إسبانيا معروفة في العالم بأكمله دون كرة القدم وفريق برشلونة؟ والحديث هنا عن أن كرة القدم كانت سببا في أن يعرف حتى رجل الشارع العادي هذه المسألة سواء كان متعاطفا معها أم لا.

ويتذكر الجميع ما فعله المصري محمد أبو تريكة في كأس الأمم الأفريقية في غانا، بعدما سجل في مرمى السودان ورفع قميصه ليظهر أخر عليه عبارات مكتوبة تدعي للتعاطف مع غزة أمام الحصار الإسرائيلي المفروض عليها، وذلك بالإضافة إلى الخطوة الرائعة للجزائري بعداد بونجاح الذي تضامن مؤخرا مع قضية الطفل علي الدوابشة الذي استشهد حرقا على يد مستوطنين.

الثقافة والأدب
في ذلك الجزء من العالم حيثُ تتنشر كرة القدم وملاعبها البعيدة عن محبي كرة القدم في الوطن العربي، لكنها قريبة جدا من قلوبهم العاشقة لهذه الرياضة الشعبية، فإن تلك اللعبة تمثل جزءا لا يتجزأ من جانب ثقافة هذه الدول بل إن السعي وراء امتهانها ربما يكون الهدف الأساسي لعدد كبير منهم.

تأتي الأرجنتين على سبيل المثال على رأس قائمة الدول المصدرة للاعبين والتي وفقا لأخر الأرقام التي نشرها موقع (الأرجنتينيون حول العالم) لديها ألف و657 محترفا في الخارج، 950 منهم في القارة العجوز والبقية موزعين على بقية أنحاء العالم، وهو شيء يفتخرون به كثيرا.

ووجدت الساحرة المستديرة مكانا لها في أدب أميركا اللاتينية الساحر بطبعه والذي قدم للعالم الكثير والكثير، لذا لم يكن غريبا أن يقدم الكاتب الأوروغواياني الشهير إدواردو غالياني عملا عن كرة القدم بعنوان "كرة القدم تحت الظل والشمس"، أو أن توجد مدرسة أدبية هناك تعرف باسم "الأدب الكروي".

طوق للنجاة
بالنسبة للمشجع العادي تكون كرة القدم أحيانا طوقا للنجاة من المشاكل والهموم حينما يشاهد فريقه يفوز أو لاعبه المفضل يسجل ويبدع، ولكنها أحيانا بالنسبة لمن كرسوا حياتهم لهذا السحر تكون السبب في تغيير مصيره بشكل جذري.

الأمثلة في هذا الصدد لا تنتهي، فهذا هو ليونيل ميسي الذي جعله حبه للكرة ينتصر على مرض نقص هرمونات النمو الذي يعاني منه بل وكان سببا رئيسيا في حصوله على العلاج الملائم بعد سفره لبرشلونة، وبالمثل يوجد مواطنه كارلوس تيفيز الذي لولا الكرة لربما كان مصيره قتيلا، مثلما حدث لصديقه في ذلك الحي الفقير الذي كان يعيش به ومثلما حدث مع بعض جيرانه.