الجزائر تسعى لتطوير الكرة في البلاد بملاعب قيد الإنجاز منذ 11 عاماً!

11 ابريل 2020
ملاعب الجزائر معاناة تحتاج إلى حلول (Getty)
+ الخط -
تحرص الدول المتقدمة والسائرة في دربها على تحقيق طفرات في جميع الميادين، إذ باتت كرة القدم وسيلة مهمّة بيد السياسيين ورجال الأعمال، من أجل زيادة شعبيتهم وتحصين مكانتهم أمام شعوبهم، بحكم أنها الرياضة الأكثر شعبية في العالم.

واعتبرت هذه البلدان أن تقديم ملاعب لائقة بمعايير عالمية، سيكون واجهة لرياضة كرة القدم، ويعكس تقدّمها في هذا المجال للعالم والهيئات المشرفة على اللعبة، الأمر الذي لم تستثمر فيه الجزائر بشكل يعود عليها بالنفع حتى الآن، سواء على المستوى الرياضي أو المادي.

وتسبق الجزائر سمعتها لكونها بلداً يتنفّس شعبها كرة القدم، فكان ذلك منذ تحقيق الاستقلال، إذ عاشت مراحل مهمة في تاريخها بُغية تحقيق الإصلاح الرياضي، عبر ولوج الاحتراف قبل سنوات، غير أن المساعي فشلت بعد أن اصطدمت بعدة عوائق، كان منها سوء الملاعب، وهو أكبر عقبة في تطوير اللعبة.

وتعتمد الجزائر لغاية اللحظة على ملاعب من الطراز القديم جداً، نظراً لتاريخ تشييدها وعدم احتوائها على مرافق لائقة تساعد على تطوير رياضة كرة القدم أو حتى الرياضات الأخرى، إذ إن أغلب تلك الملاعب مكسوة بأرضية ذات عشب اصطناعي، إضافة إلى أنها لا تقدّم سبل الراحة للجماهير في المدرجات، ولا للصحافيين الذين لا يحصلون على أقل الوسائل التي تضمن سير عملهم بشكل لائق.

وأغلب تلك الملاعب شُيِّد خلال فترة الاستعمار، وهي متاحة الآن لاحتضان مباريات الدوري المحلي، وحتى المنافسات القارية والإقليمية. وعلى سبيل المثال، يأتي ملعب الشهيد أحمد زبانة في مقاطعة وهران، الذي رأى النور في 5 مايو/ أيار 1957، وكان شاهداً على مباريات تاريخية، أبرزها بين ريال مدريد ونادي استاد ريمس الفرنسي.

والغريب في الأمر، أن المنتخب الجزائري الذي تُوّج بكأس أمم أفريقيا 2019 بمصر، لا يحوز ملعباً بحجم السمعة التي اكتسبها على المستوى القاري والعالمي، ولا بالأسماء التي تدافع عن ألوانه، على غرار رياض محرز وإسماعيل بنّاصر، وذلك لاستقبال منافسيهم في ملعب الشهيد مصطفى تشاكر بمقاطعة البليدة، الذي دُشِّن في 21 مارس/ آذار 1978، وهو كذلك لا يوفّر أدنى شروط الراحة، ما عدا بعض المدرجات المغطاة التي تستفيد منها فئة قليلة من المشجعين.

وتبقى وضعية ملعب 5 يوليو في العاصمة أكثر طرحاً للتساؤل في الجزائر، بعد فشل المسؤولين عنه في ضمان جاهزيته لاحتضان المباريات لموسم واحد على الأقل. فلا تمرّ أشهر قليلة إلا ويُغلَق من جديد، بحجة إجراء ترميمات على أرضيته العشبية الطبيعية، رغم تداول شركات هولندية فرنسية من أجل ترميمه، إلا أنه بقي يعيش ذات حلقة عدم الجاهزية، وهذا من الأسباب التي جعلت منتخب "محاربي الصحراء" يبتعد عن استقبال منافسيه على هذا الملعب في آخر السنوات إلا نادراً.

ووضعت الحكومة الجزائرية حجراً أساساً لبناء بعض الملاعب الجديدة، خلال سنة 2009، على غرار ملعبي براقي والدويرة في العاصمة، إضافة إلى ملعب تيزي أوزو الجديد، حيث جاءت الخطوة بهدف إنشاء هذه المرافق لفكّ الضغط التي تعانيه بعض الأندية التي تتشارك في تنظيم مباريات دوري الدرجة الأولى على ملاعب صغيرة جداً، إلا أن الجماهير ضاقت ذرعاً وهي تنتظر تدشين هذه المشاريع منذ 11 سنة.

وأمام الوضع الراهن، سارع الرئيس الجديد عبد المجيد تبون إلى حثّ المسؤولين على القطاع الرياضي في الجزائر، لفرض متابعة يومية لسير عملية إنجاز الملاعب المذكورة، ووجّه تعليمات صارمة إلى والي ولاية الجزائر بشأن ضرورة تسليم ملعبي براقي في الآجال المحددة، مع تهديد فرض عقوبات على الشركات المشرفة على هذه المشاريع.

ويبدو أن الرئيس الجزائري الجديد مصرّ على وضع بصمته الرياضية خلال أول سنة رئاسية له، لعلمه بتعلّق الشعب الجزائري بكرة القدم خاصة، وببعض الرياضات الأخرى على العموم، إذ تجسد هذا السعي عبر المتابعات اليومية لوزير الرياضة، سيد علي خالدي، لمراقبة تطوير هذه اللعبة، إذ يعمل على إنهاء المشاريع التي ستكون باباً للجزائر من أجل العودة نحو الساحة العالمية، عبر تنظيم المنافسات الدولية والقارية.

وجاء اقتراب موعد كأس أمم أفريقيا للمحليين، الذي تستعدّ الجزائر لاحتضانه سنة 2022، لتجعل المسؤولين عن كرة القدم يدركون مدى صعوبة التحدي الذي ينتظرهم، إذ إن نجاح التنظيم في النسخة المقبلة سيحمل رسائل مهمة للاتحاد الأفريقي لكرة القدم، بأن الجزائر صارت قادرة على استقبال الأحداث الكبرى، بعد حرمانها تنظيم بطولة أمم أفريقيا 2017، التي نالت الغابون شرف تنظيمها خلال ذلك العام وسط جدل كبير.

ولا شكّ في أن الجزائر بقوتها المادية التي داهمها الفساد من كل جانب، باتت اليوم قادرة على تسوية كل النقائص من أجل النهوض بكرة القدم على المستوى المحلي، بعد أن صار المنتخب الشجرة التي تغطي غابة الإخفاقات التي تتجرعها الأندية خلال مشاركاتها القارية. وسيمنح وجود الملاعب رغبة أكبر لدى الرياضيين الشباب لتطوير قدراتهم، إذ ينتظرون فرصة صقل مواهبهم وتطويرها، وهو ما لن يجدوه إلا في المنشآت والملاعب الكبرى التي تحتوي على مراكز للتدريب في المستوى.

وبموازاة بناء الملاعب الجديدة، سيكون على الجزائر استغلال ملاعبها الكبيرة الأخرى التي تنتشر في شرقها وغربها، حيث يمكنها تجهيز ملعب الشهيد حملاوي الذي يتّسع لأربعين ألف متفرج، وملعب 19 ماي في مقاطعة عنابة الذي يمتلك قدرة استيعاب مماثلة، وهما الملعبان اللذان يمكنهما احتضان منافسات عالمية بشرط إصلاحهما وتسوية مرافقهما التي تعاني من إهمال كبير منذ سنوات عديدة.
المساهمون