النجاح في صمت.. لاتسيو مع إنزاغي خير مثال

07 مايو 2017
لاتسيو يقدم أداء مميزا الموسم الجاري (Getty)
+ الخط -

فاز لاتسيو على روما في أكثر من مناسبة، سواء في الدوري أو الكأس، وقدم الفريق الثاني بالعاصمة مباريات ممتازة، خلال النصف الثاني من الموسم، لدرجة عدم خسارته سوى مباراة واحدة ضد نابولي منذ أواخر يناير 2017، ليستحق رجال المدرب إنزاغي درجة الامتياز خلال شهر الحسم، بعد الصعود إلى مراكز الكبار في الدوري، ووصولهم إلى نهائي كأس إيطاليا، في مفاجأة كبيرة لم يتوقعها معظم المتابعين، بعد بداية متعثرة وتخبطات قوية في الصيف الماضي على مستوى التعاقدات والطاقم التدريبي.

خطة اللعب
سيموني إنزاغي هو البطل الحقيقي لمشروع لاتسيو، المدرب والقائد والعقل المدبر ومهندس انتصارات الفريق هذا الموسم، بعد أن ضبط الكثير من الأمور بهدوئه وتنظيمه وتطوره التكتيكي. وراهن الإيطالي الشاب على خطة لعب 3-5-1-1 و3-5-2 على الطريقة المحلية، بتواجد ثلاثي دفاعي صريح أمام المرمى، رفقة ثلاثي في المنتصف وثنائي على الأطراف، بينما يهز شباك منافسيه بمهاجم صريح وآخر متحرك بين الخطوط، سواء في الاستحواذ أو الحالة الدفاعية.

يطبق نسور العاصمة أفكار مدربهم بشكل ممتاز، خصوصا ثنائية الهجوم بقيادة أندرسون وإيموبلي، ثم كيتا بالدي الذي قاد المجموعة إلى انتصارات قوية ومستحقة ضد الغريم روما. ويعتمد سيميوني على اللعب المباشر العمودي، بنقل الهجمة من خط إلى آخر بأقل عدد من اللمسات، مع الوصول إلى مرمى المنافسين بالمرتدات السريعة، لذلك أجاد لاتسيو كرة التحولات، خصوصا أمام الفرق الكبيرة التي تبادر بالهجوم، ولنا عبرة بالديربي الأخير الذي شهد استحواذا كبيرا لروما، لكن في النهاية فاز أصحاب المركز الرابع بثلاثة أهداف مقابل هدف يتيم.

لا يسجل هذا الفريق بالمرتدات فقط، بل يطبق سيموني الضغط المرتد أو "الكونتر برسينغ"، عندما يضغط المهاجم المتأخر بالتشكيلة على لاعب الارتكاز المقابل، ليتم قطع الكرة مع عدة تمريرات قصيرة، حتى دخول منطقة الجزاء وتسجيل الهدف. وتؤكد السجلات التحليلية قوة لاتسيو في الضغط داخل نصف ملعب منافسيه، وطلبه الكرة باستمرار في الأماكن الخطيرة قبل المرور إلى دائرة المنتصف، هكذا يسجل إيموبلي ورفاقه بالمباريات الأخيرة في الدوري والكأس.

وسط مرن
يفضل المدربون التركيز على اللاعبين الذين يجيدون التمركز في أكثر من رقعة داخل المستطيل الأخضر، ويجيد إنزاغي هذه اللعبة بوضوح، فالمدرب يضع كل لاعبيه في مختلف مراكز الوسط دون خوف، بداية بالأرجنتيني لوكاس بيليا الذي يبدأ معظم المباريات كارتكاز دفاعي صريح أمام ثلاثي الدفاع، ليقوم بوظيفة قاطع الكرات على الطريقة الكلاسيكية، مع معاونة مستمرة من بارولو وسافيتش يمينا ويسارا، مما يجعل لاتسيو متفوقا على أي فريق منافس بخلق حالة 3 ضد 2 حول منطقة المحور.

وفي حالة إصابة أحد لاعبي الوسط، يقوم زميلهم لوليتش بدور الارتكاز المساند، ليعود خطوات إلى الخلف ويسند بجوار بيليا، كل هذا التعاون يهدف إلى خلق الفراغات أمام انطلاقات الظهيرين على الأطراف، مع لوكاكو في الجبهة اليسرى كظهير جناح، وباستا أو أندرسون في الجهة المقابلة، أي يتواجد خمسة لاعبين دفعة واحدة بالمنتصف خلال الحالة الدفاعية، ومع الهجوم يصعد الجميع في اتجاه طولي وعرضي، مع بقاء بيليا بمفرده للتغطية في حالة فقدان الكرة.

تقول القاعدة إن من دون دفاع منظم في إيطاليا من المستحيل الذهاب بعيدا، لذلك يهتم سيموني كثيرا بهذا الخط، ويلعب دائما بثلاثي صريح لا يتقدم كثيرا لحماية مرماه، دون نسيان الدور التكتيكي الذي يقوم به الهولندي دي فريج، نصف مدافع ونصف ليبرو متأخر، واستفاد هذا اللاعب كثيرا من فترة تواجده بالمنتخب رفقة فان غال، وقبلها مع فينورد كومان، ليؤدي المهمة بذكاء شديد عند انتقاله إلى الكالتشيو بعد مونديال 2014، وبالتالي فإن ثبات الخط الأخير أعطى الفرصة لمرونة لاعبي الوسط كما يريد الطاقم التفني.

قراءة المباريات
يُحسب لإنزاغي تعامله الذكي مع مختلف المباريات، يدافع عندما يواجه فريقا هجوميا يضم أكثر من نجم، وينتظر المرتدة القاتلة معتمدا على انطلاقات لاعبيه على الأطراف، كذلك يهاجم من البداية أمام الفرق المتكتلة ويضغطها في نصف ملعبها، حتى يقطع الكرة قرب منطقة الجزاء ويسجل بأسرع طريقة ممكنة. ونتيجة اعتماده على كل اللاعبين المتاحين، وصل لاتسيو إلى الأمتار الأخيرة بحالة أفضل من كل منافسيه، ليضرب موعدا في نهائي الكأس ضد روما، ويحتل المركز الرابع بترتيب الدوري.

يقول سيموني عن لاعبيه، "أتابعهم في التدريبات كأنها مباريات رسمية، واللاعب الذي يقدم مستوى مميزا أضعه في التشكيلة باليوم التالي". وبالعودة إلى مباريات لاتسيو هذا الموسم، يتضح صدق المدير الفني في تصريحاته، لأنه أشرك ديوردوفيتش وإيموبلي جنبا لجنب أمام بيسكارا في بدايات الدوري، بعد تألقهما خلال التمرين الأخير قبل اللقاء، ليتحول لاتسيو فيما بعد إلى خطة 3-5-2 بتواجد ثنائي صريح بالهجوم، وثنائي آخر على الأطراف للعرضيات والتمريرات القُطرية.

أكد هذا الرسم تفوقه مع توالي المواجهات، ليتألق النسور أمام الجميع وتتوالى الانتصارات الثمينة، بعد ضبط الأمور الأخرى كالكرات الثابتة، رقميا سجل اللاعبون 15 هدفا من ضربات ثابتة غير ركلات الجزاء هذا الموسم. وشدد الجهاز الفني على أهمية التحركات في وبين الخطوط، للتحكم في أكبر قدر ممكن من الفراغات، سواء في العمق أو تجاه الخط الجانبي، وضرب سيموني المثل بلاعبه بارولو البارع في هذا الجانب، ليغطي باستمرار خلف الظهير المتقدم ويساند بيليا كلاعب محور بالوسط، إنها أبجديات التكتيك في بلاد عرفت على طول الخط بأنها منبعه وإحدى مصادر قوته.

المفاجأة
يعرف جمهور الكرة فيليبي أندرسون جيدا، لأنه لاعب جناح حقيقي واسم معروف في الدوري الإيطالي منذ سنوات، لدرجة ارتباطه بأكثر من فريق كبير كبرشلونة خلال الفترة الماضية، لكنه مؤخرا لعب كمهاجم متأخر "ديب لاينغ" خلف إيموبلي في المركز 9، ثم استخدمه إنزاغي كجناح وحيد على الخط. ومع التوهج الكبير للاعب اللاتيني، إلا أن زميله الصغير خطف الأضواء من الجميع في النصف الثاني من الموسم، ليصبح بالدي دياو "كايتا" هو الأيقونة الجديدة للعاصمة الإيطالية، بعد تسجيله هدفين أمام روما بالأسبوع الماضي.

كايتا من خريجي أكاديمية "لاماسيا" الشهيرة في برشلونة، حصل على المبادئ الأولى في كاتلونيا، قبل أن ينتقل إلى لاتسيو منذ عام 2013، ويمتاز اللاعب الشاب بالمهارة والسرعة والحسم أمام المرمى، ليجيد اللعب كمهاجم صريح ومتأخر في نفس الوقت، ويقدم أفضل نسخة ممكنة للمهاجم "التسعة ونصف" في الملاعب الإيطالية، مع لعب معظم الفرق هناك بطريقة 3-5-2، ليتم توظيفه خلف الرقم 9، من أجل الاستفادة من قوته بالقطع المباشر من الوسط الهجومي إلى قلب منطقة الجزاء.

سجل اللاعب السنغالي المولود في كتالونيا 13 هدفا في البطولة المحلية، ليصبح الهداف الثاني لفريقه بعد إيموبلي، ويتفوق على الجميع في المراوغة وهزيمة المدافعين، لدرجة تحول أندرسون إلى الجناح مرة أخرى، وتركه مركز اللعب لصالح زميله الشاب في المباريات الأخيرة. يستحق هذا اللاعب تقييم جيد جدا نظرا لما قدمه، وتبقى المباريات القادمة هي الفيصل له ولفريقه، لأن الفوز بالكأس لم يعد مجرد حلم، مع تبقي مباراة واحدة فقط ضد يوفنتوس في النهائي.
المساهمون