توتنهام في البريميرليغ.. بطل بدون بطولة

06 ابريل 2017
توتنهام يواصل التألق محليّاً (Getty)
+ الخط -


اقترب تشلسي من لقب الدوري الإنكليزي أكثر من أي وقت مضى، بعد فوزه على مانشستر سيتي بهدفين مقابل هدف ضمن قمة هذا الأسبوع. ونجح الفريق اللندني في الابتعاد عن أقرب منافسيه بفارق سبع نقاط كاملة، مستفيدا من انطلاقته النارية خلال العام الماضي بعد التحول إلى خطة ثلاثي الخلف، خصوصا بعد تعثر الفرق الأخرى الكبيرة كمانشستر يونايتد والسيتي وليفربول وآرسنال. يستحق رفاق كونتي كل التقدير على هذا الموسم الخيالي، لكنّ هناك فريقاً آخر يعتبر الأفضل بالبريميرليغ خلال عام 2017، لدرجة أنه لم يُهزم طوال السنة إلا في مباراة واحدة: إنه توتنهام رفقة الأرجنتيني المميز ماوريسيو بوكيتينو.

المرونة التكتيكية
يقدم ماوريسيو تجربة رائعة منذ قدومه إلى إنكلترا، أولا مع ساوثهامبتون ثم حاليا أثناء قيادته للسبيرز. يحافظ التلميذ النجيب لمارسيلو بييلسا على مبادئ الضغط، واللعب بدفاع متقدم مع محاولة قطع الكرات في نصف ملعب الخصوم، لكنه صار أكثر نضجا مؤخرا، بالميل إلى التوازن الدفاعي وضبط التحولات أثناء الرجوع من الأمام إلى الخلف. وبعد ثقل خبراته في إنكلترا، انتقل هذا النضج سريعا إلى فريقه، ليجمع توتنهام نقاطاً عديدة أمام مختلف المنافسين، ويحتل المركز الثاني في سلم الترتيب بعيدا عن البقية.

يستخدم بوكيتينو أكثر من طريقة لعب، من 4-2-3-1 إلى 4-3-3 مرورا بـ 3-4-3 خلال مسيرته، ليمزج بين ثلاثية ورباعية الدفاع في قالب واحد، حسب أهمية المباراة وقدرات الخصم، كذلك يطبق مفهوم اللعب التمركزي بنجاح ملموس، عن طريق تحركات لاعبيه بذكاء في وبين الخطوط، مع الكرة ومن دونها. وخلال الموسم الحالي راهن الأرجنتيني على رسم 3-4-2-1 في معظم مبارياته، ليحصل على الأفضلية العددية والنوعية خلف خطوط ضغط المنافس، ويصنع التفوق في الثلث الهجومي الأخير، دون المساس بالجانب الدفاعي بعد ضبط الفراغات والتحكم فيها بالقرب من مرماه.

رقميا، توتنهام هو ثالث أقوى هجوم في الدوري بعد ليفربول وتشلسي، بينما يتفوق على الجميع بلا استثناء دفاعيا، من خلال استقبال شباكه 22 هدفاً فقط في 30 مباراة. وتؤكد هذه الإحصاءات مدى توازن تكتيك ماوريسيو، لأنه يعتمد على مجموعة من المواهب الشابة بلا نجم واحد عملاق، ورغم ذلك نجح في إضافة شخصية قوية لهذه المجموعة، ووضع مرونته كحجر أساسي في اللعب بثلاثي ثم رباعي ثم خماسي بالخلف وفق ظروف كل مباراة، هكذا صنع الفارق في هدوء على كافة المستويات المحلية.

بدون تخصص
يرغب أي مدرب ناجح في مجموعة تجيد اللعب في أكثر من مركز، يقول مورينيو دائما، "أريد مدافعاً يسجل الأهداف، ومهاجماً يعود إلى الخلف، ولاعباً يمكنه التألق داخل كافة أركان المستطيل"، ويطبق بوكيتينو هذه المقولة بامتياز مع توتنهام، لذلك ينتقل بحرية من 4-2-3-1 إلى 3-4-2-1 مع الحفاظ على النسق والنتيجة، بسبب وجود أكثر من لاعب يساعده على تنفيذ أفكاره. داير على سبيل المثال يمكنه اللعب كقلب دفاع صريح ومدافع ثالث ولاعب ارتكاز، وبالتالي يقدم الرقم 15 خدمة حقيقية لمدربه للتفاعل مع أي غياب أو إصابة طارئة خلال الموسم.

يعتبر الثنائي ألدرفيلد وفيرتونغين حلماً لأي فريق، نتيجة الإجادة التامة لمركزي قلب الدفاع والظهير، مما يجعل بوكيتينو يفكر باستمرار في وضعهما على حافة منطقة الجزاء وبينهما مدافع إضافي أقرب إلى دور الليبرو، حتى يتم فتح الملعب عرضيا أثناء الاستحواذ، بصعود الظهيرين إلى نصف ملعب الخصم، بعد التغطية الممتازة من ثنائي الدفاع المتحرك بالخلف، بينما في الحالة الدفاعية يعود الجميع إلى الخلف، مما يجعل هناك 5 لاعبين دفعة واحدة أمام الحارس، في الارتداد وأثناء البناء المنظم.

تركز معظم الفرق الكبيرة على الضرب من الأطراف هذا الموسم، نتيجة قوة التعقيدات الدفاعية وصعوبة الاختراق من العمق، لذلك يحلم أكثر من مدرب بضم كلٍّ من والكر وروز، ظهيري الجنب في توتنهام اللندني. يمتاز والكر بالقوة الهجومية الكبيرة، بينما يعرف عن روز التوازن بين الجانبين، وبالتالي يعود سريعا بجوار دفاعه في حالة فقدان الكرة، ويعطي زميله الفريق بعدا أقوى على مستوى العرضيات والتمريرات البينية من الطرف إلى عمق منطقة الجزاء.

ثنائية المحور
وصل تشلسي إلى القمة بعد القوة الدفاعية العملاقة التي قدمها الفرنسي نغولو كانتي، اللاعب الذي يحمي الفريق بأكمله ويعطي البقية حيزا واسعا للخروج إلى الهجوم. قديما في خطة لعب 4-4-2، انقسم المحور إلى نصفين، لاعب ارتكاز مهامه دفاعية بحتة، قطع كرات وعرقلة مشروعة، ويتواجد أمامه لاعب الوسط الهجومي الذي يلعب إلى الأمام فقط. ميكاليلي في فرنسا، دونغا مع البرازيل، سيميوني بالأرجنتين، نماذج واضحة تعبر عن الوسط الدفاعي، وصناع اللعب القدامي تفرغوا للجانب الهجومي.

وفي توتنهام هذا الموسم، يركز المدرب على الشراكة المتكاملة بين وانياما وديمبلي، الأول دفاعي إلى حد كبير، يقطع الكرات ويكسر هجمات المنافس، لكنه يملك الجرأة من أجل الصعود إلى الأمام والتعاون مع لاعبي الهجوم، بينما زميله البلجيكي هو لاعب الكرة المهاري الذي يحتفظ بها تحت الضغط، ولديه المهارة الكافية للمرور من مراقبه، مما يجعله أفضل خيار ممكن للربط بين الدفاع والهجوم، وإيصال الكرة في مساحة أفضل لإريكسين وزملائه.

ومع قوة الطاقم الأساسي، يستطيع المدرب بكل سهولة الخطف القاتل في شوط المدربين، من خلال الدفع بسيسوكو أو يانسن أو نكودو، ثلاثي يعطيه الامتياز في اللعب بجناحين على الخط وصانع لعب في العمق خلف المهاجم المتقدم، للتحول إلى 4-2-3-1 عند الحاجة، أو استخدام عنصر المداورة في بعض المباريات لإراحة العناصر الرئيسية، والتغلب على عامل الإرهاق في فترة الحسم الأخيرة.

صناع اللعب
قوة أي فريق ناجح في عدد صناع لعبه، ولم يعد هناك رفاهية تكفي لتواجد صانع لعب واحد في المركز 10، بسبب سهولة مراقبته وقتل الهجوم سريعا، لذلك يستغل بعض المدربين خط الدفاع في إرسال الكرات الطولية كما يفعل بونوتشي في يوفنتوس، أو يقوم لاعب الارتكاز الدفاعي بصناعة اللعب عند الحاجة كألونسو في بايرن. وخلال منافسات الدوري الإنكليزي، يركز بوكيتينو على وضع ثنائي من صناع اللعب خلف الهجوم وأمام خط الوسط مباشرة، لصعوبة توقع تكتيكه من قبل المنافسين، والوصول إلى المرمى بأكبر قدر ممكن من التكتيكات.

إريكسين هو صانع اللعب الأول، لاعب وسط من الأساس يمكنه اللعب كارتكاز ثالث، يعود بالقرب من المحور للتمرير وتدوير الكرة، بينما ديلي آلي هو الصانع الوهمي الإضافي، لأنه يبدأ المباراة كلاعب وسط هجومي لكنه يصعد باستمرار إلى منطقة الجزاء، للقيام بدور المهاجم الإضافي أو الصريح في حالة غياب كين، وبالتالي لم يتأثر توتنهام كثيرا بعد إصابة هدافه، نتيجة تمركز يانسن أو سون في مركزه، ومع تحركهما باستمرار يمينا ويسارا، تتضاعف الفرصة أمام آلي للتقدم وتسجيل الأهداف بنفسه.

مع كل هذا التفوق الخططي، تظهر بعض العيوب التي تمنع هذا الفريق من الفوز بالألقاب، والخروج المبكر من المنافسات الأوروبية، بعضها بكل تأكيد خاص بقلة خبرة النجوم بالإضافة إلى قلة الحسم أمام الكبار مقارنة بمواجهاتهم ضد الفرق الصغيرة والمتوسطة. ويمكن لبوكيتينو معالجة هذه الهفوات في المستقبل القريب، لأن كل ما ينقص توتنهام حاليا هو التطور على مستوى روح الفريق وشخصيته خلال المباريات التي لا تجلب مجرد نقاط بقدر ما تحسم بطولات، إنها الخاصية التي يكتسبها أي بطل مع الوقت والتجربة.

المساهمون