بابلو إسكوبار.. بارون المخدرات والكرة في كولومبيا

23 سبتمبر 2015
+ الخط -


لا يوجد اسم زعيم عصابة معروف في التاريخ الحديث أكثر من الكولومبي بابلو إسكوبار الذي شكل إمبراطورية كاملة من تجارة المخدرات كانت تمثل صداعاً في رأس الولايات المتحدة، فيما سلطته داخل البلد الكاريبي وتحديداً مدينة ميديين مسقط رأسه كانت أكبر من الحكومة ذاتها.

يعرف إسكوبار بكونه مهندس صناعة الكوكايين في أميركا اللاتينية وقاتلاً بلا رحمة لرجال الشرطة ولخصومه المنافسين، ولكنه في نفس الوقت كان محباً لعالم كرة القدم وشغوفاً به، لذا فرض عليه سطوته أيضاً، تحديداً خلال حقبة الثمانينيات.

على الرغم من أن "البارون الكولومبي" كان قاسياً وبلا رحمة مع خصومه إلا أنه داخل مدينة ميديين كان يوفر لسكانها كل ما يحتاجونه من عمل ومسكن وتسلية في معادلة غريبة جعلت له شعبية من نوع خاص، حيث كان في عيونهم أشبه بـ"ملاك شيطاني"، ولكن المهم هنا هو أن من ضمن الأمور التي دعمها إسكوبار كانت كرة القدم.

وشيد إسكوبار على حسابه عدداً كبيراً من ملاعب كرة القدم التي شهدت ولادة أسماء أصبحت لاحقاً نجوماً في عالم كرة القدم الكولومبية مثل اليكيسيس غارسيا وليونيل الفاريز، بخلاف هذا كان أخطر رجال العصر الحديث في أميركا اللاتينية لا يجد مانعاً في دعم فريقي مدينته أتلتيكو ناسيونال وإندبندينتي ميديين بالمال وكل السبل المتاحة.

كانت المبالغ التي أنفقها أسكوبار على الكرة في السر والعلانية تهدف بشكل كبير لغسيل أموال تجارة المخدرات، ولكنها ساهمت بشكل كبير في تحويلها من طابع الهواة لشكل احترافي باستقدام لاعبين وأسماء كبيرة، مما أدى في النهاية لفوز أتلتيكو ناسيونال في 1989 بكأس ليبرتادوريس، ليصبح أول نادٍ كولومبي يحقق هذا الإنجاز.

من جانبه يقول المدير الفني السابق للمنتخب الكولومبي فرانسيسكو ماتورانا في فيلم (لوس دوس إسكوبار) الوثائقي "تلك الأموال الكثيرة ساعدت على دفع رواتب أكبر للاعبين وجلب أجانب وهو الأمر الذي ساهم في رفع مستوى الكرة في البلاد".

ويكشف فيلم (لوس دوس إسكوبار) الوثائقي عن الكثير من الجوانب الأخرى في هذه القضية من ضمنها أن هذا الأسلوب الذي اخترعه "البارون" تسبب في غيرة من بعض كبار تجار المخدرات المنافسين مثل رودريغز أوريخويلا الذي نفذ مشروعاً مماثلاً مع نادي أمييكا دي كالي.

وصل الأمر لمراحل لا يمكن تخيلها فهناك في العاصمة بوغوتا كان تاجر مخدرات آخر هو رودريغز غاتشا فرض نفوذه على نادي ميوناريوس، كما يقول خايمي غابيريا ابن عم إسكوبار في نفس الفيلم الثوائقي، ولكنه كان قريباً من بارون مدينة ميديين لذا فإن الطرفين كان يجلبان نجوم الفريقين لخوض مباريات خاصة أمامهم بمراهنات على النتائج وصل بعضها إلى مليون دولار.

لم تتوقف سطوة إسكوبار على عالم كرة القدم حتى حينما أودع سجن لاكاتيدرال حيث التقطت الكاميرات حينها أن حارس المنتخب رينيه هيغيتا توجه لزيارته ومؤازرته.. كان الظن السائد حتى عام 2010 حينما عرض فيلم (لوس دوس إسكوبار) الوثائقي لأول مرة أن صاحب "تصدي العقرب" هو الوحيد الذي أقدم على هذا الأمر، ولكن نجم "لوس كافيتيروس" السابق فاوستينو أسبريا كشف أن كل لاعبي المنتخب قاموا بهذه الزيارة.

هل هذا كل شيء؟ الإجابة ستكون بالنفي لأن هناك مفاجأة جديدة كشف عنها أسبريا وهي أن إسكوبار كان يلعب معهم بعض المباريات المصغرة داخل السجن.. نفوذ هذا الرجل كان جنونياً بشكل لا يصدق.

لم يكن إسكوبار يهتم بأي شيء يقف في طريقه أو رغباته الكروية لذا لم يجد مانعاً من إصدار حكمه باغتيال الحكم الثاني ألبارو أورتيغا بسبب قرارات خاطئة أدت لخسارة فريقه المفضل أتلتيكو ناسيونال أمام أميركا دي كالي عام 1989، وهو الأمر الذي تسبب في وجود حالة من الذعر بين الحكام في البلد اللاتيني لدرجة أن بعضهم استقال مثل خيسوس دياز وألغت بطولة الدوري.

لاقى هذا الأمر اهتماماً كبيراً من الصحافة الدولية وبالأخص في إيطاليا التي أفردت صحفها مساحة في صفحاتها للحديث عن العلاقة بين تجارة المخدرات والكرة في كولومبيا التي كانت حكومتها قد قررت البدء في عملية ضد سطوة كارتيلات المخدرات في البلاد، وبالأخص تلك التابعة لبابلو إسكوبار في مدينة ميديين.

دارت حرب بين الحكومة وعصابة إسكوبار انتهت باستسلام الأخير شريطة ألا يتم تسليمه للولايات المتحدة بل وبعد بناء السجن الذي سيستضيفه وعرف باسم "لاكاتيدرال" أو "الكاتدرائية"، ولكنه هرب منه في محاولة لاستعادة السيطرة على أعماله التي بدأت في التراجع أمام صعود سطوة عصابات في مدن أخرى، ولكن الأمر انتهى به مقتولاً في 1993 عن عمر يناهز 44 عاماً.

كان بابلو إسكوبار بالنسبة لعالم الكرة في كولومبيا مثل "الملاك" بسبب تلك الملاعب التي شيدها والنقود التي أنفقها على الأندية واللاعبين، وفي نفس الوقت شيطاناً بسبب كل حوادث القتل والاغتيال ومحاولات التلاعب بنتائج المباريات التي ارتكبها.

وأثرت وفاة إسكوبار على الكرة الكولومبية؛ لأن رؤوس الأموال المتوفرة اختفت، وهو الأمر الذي أدى لرحيل اللاعبين الأجانب وانخفاض الرواتب، ولكن إرث العنف والضغط الذي تركه ظل باقياً.

بهذه الطريقة فإن ملاحقة اللاعبين من قبل الكارتيلات والعصابات الأخرى ظلت مستمرة، مثل لويس فرناندو إيريرا الملقب بـ"شونتو" الذي تعرض نجله للاختطاف وقتل شقيق له أثناء كأس العالم 1994 بعد الهزيمة أمام رومانيا.

وكان فرانسيسكو ماتورانا قد تلقى تهديدات بعد تلك المباراة بالقتل إذا ما أشرك بارباس غوميس في اللقاء التالي، فيما أن أكثر الحوادث المعروفة بالنسبة للجميع تتمثل في مقتل أندريس إسكوبار بسبب الهدف الذاتي الذي سجله في شباكه أثناء مواجهة الولايات المتحدة.

بعد المونديال، وتحديداً في 1995، بدأت حملة التنظيف حيث سقطت عصابة أوريخويلا وحكم على رئيسها بالسجن 30 عاماً في الولايات المتحدة، بينما دخل نادي أميركا دي كالي في قائمة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب لتستمر حملة تطهير الأندية من الإرث الثقيل والسيئ الذي تركه إسكوبار حتى الآن.

المساهمون