من السقوط في كأس الأمم الأفريقية، إلى صناعة التاريخ في كأس العالم، فارقٌ زمني بين السقوط والصعود لا يزيد عن 10 أشهر، وهي فترة كانت كافية للغاية لأكبر ثورة تصحيح كروية يشهدها المنتخب المغربي، قبل لقاء القمة أمام إسبانيا في دور الـ16.
ولم يكن تأهل المنتخب المغربي لثمن نهائي كأس العالم 2022 في قطر، وتصدّره لجدول ترتيب المجموعة السادسة برصيد 7 نقاط، متوقعاً لأشد المتفائلين، رغم امتلاكه مجموعة مميزة من اللاعبين، في ظل الفوضى التي ضربت صفوف "أسود الأطلس" رغم بلوغ المونديال قبل 8 أشهر.
وتأهل المنتخب المغربي للدور ثمن النهائي نتاج طبيعي لأكبر عملية تصحيح شهدتها أروقة الفريق، قبل أسابيع من انطلاق المونديال مباشرة، عندما فاجأ فوزي لقجع، رئيس الجامعة الوطنية المغربية، الجميع باتخاذ قرار جريء، يتمثل في التعاقد مع وليد الركراكي للعمل مديراً فنياً للمنتخب المغربي، بدلاً من وحيد حاليلوزيتش، والرهان على أفضل اسم صاعد في خريطة المدربين المغاربة في السنوات القليلة الماضية.
وعانى منتخب المغرب من 3 أزمات كبرى قبل كأس العالم، الأولى حالة الغرور التي أصابت المدرب وحيد حاليلوزيتش صاحب إنجاز التأهل لكأس العالم ودخوله في دوامة خلافات كبرى مع اللاعبين، والثانية سيطرة نغمة الاعتزال الدولي على كبار النجوم، يتصدرهم حكيم زياش نجم تشلسي الإنكليزي المتهم من جانب المدرب السابق بالتمرد، والثالثة هي الانهيار الفني الذي صاحب منتخب المغرب في بطولة أمم أفريقيا الماضية في الكاميرون مطلع العام الجاري وخسارته أمام المنتخب المصري (1-2) في الدور ربع النهائي، وإخفاقه في تحقيق الحلم الكبير بالحصول على اللقب.
وتوالت الاتهامات على رأس وحيد حاليلوزيتش، الذي بات عدواً للجمهور المغربي بشكلٍ عام، بسبب الشعور بأن التأهل للمونديال لم يكن الإنجاز الحقيقي في ظل سهولة مشوار المنتخب المغربي الذي خاض مباريات المرحلة الثانية على ملعبه في المغرب من التصفيات، ثم ملاقاة منتخب الكونغو الديمقراطية، الفريق الوحيد بين العشرة الكبار في تصفيات المونديال، الذي غاب عن أمم أفريقيا 2022 في الكاميرون.
وجاءت عملية التصحيح بالتعاقد مع وليد الركراكي، الذي حقق إنجازاً تاريخياً في آخر مواسمه قبل توليه المسؤولية في المغرب "2021-2022"، وتمثل في قيادة نادي الوداد للفوز بدوري أبطال أفريقيا، بخلاف الفوز بالدوري المغربي أيضاً، وبلوغ نهائي كأس العرش.
بدأ وليد الركراكي عملية تصحيح المسار في منتخب المغرب عبر إنهاء كبرى أزمات "الأسود"، وتمثلت في إقناع حكيم زياش، أفضل لاعب مغربي حالياً، بالتراجع عن قرار الاعتزال الدولي، والعودة للعب برفقة المنتخب بطموحات كبيرة ظهرت واضحة في كأس العالم، الذي شهد تسجيله لهدف جميل وقيادته المغرب للفوز بمباراتين، وكذلك فرض العدالة المطلقة في اختيارات الجهاز الفني لقائمته التي خاض بها البطولة، وأعاد لاعبين غابوا لسنوات عن صفوف المنتخب، في مقدمتهم عبد الرزاق حمد الله مهاجم اتحاد جدة السعودي، وأفضل لاعب مغربي محترف في الخليج، كما منح الفرصة للاعبين واعدين، مثل سليم أملاح وزكرياء أبوخلال، وأعاد الهيبة من جديد إلى بطولة الدوري المغربي، واستدعى لاعبين محليين ليكسر عقدة الاعتماد فقط على اللاعبين المحترفين في أوروبا. وظهرت ملامح هذه السياسة في ضم لاعبين تألقوا بالفعل في الفترة الأخيرة، منهم يحيى جبران، محور ارتكاز الوداد ونجمه الكبير، الذي لم يكن ليحصل على فرصة الحضور في المونديال برفقة لاعبين محليين لولا قدوم الركراكي.
وجاءت خطوة أخرى كبيرة للمدير الفني، وهي اللعب بروح المجموعة، وليس الجانب الفردي، وسيطر بقوة على كبار النجوم في المنتخب، مثل سفيان أمرابط وحكيم زياش وأشرف حكيمي ويوسف النصيري وياسين بونو، وهو ما كان سبباً في التفاف الجماهير خلف اللاعبين بقوة في المونديال.
ومن أكبر بصمات وليد الركراكي انقلابه على طرق لعب وحيد حاليلوزيتش الدفاعية، والمعروف عنه التحفظ الدفاعي اللافت في مبارياته التي قاد فيها المسؤولية، ولجأ الركراكي إلى طرق هجومية، وقدم في الدور الأول لبطولة كأس العالم مباريات كبيرة، كان فيها المغرب الطرف الأفضل هجومياً، أبرزها فوزه التاريخي على بلجيكا بهدفين دون رد، وفوزه المستحق على كندا بهدفين لهدف، ليحصد 6 نقاط، بالإضافة إلى التعادل مع وصيف بطل كأس العالم (كرواتيا) بدون أهداف، ليتصدر المجموعة وتنتعش معه آمال الجماهير المغربية في الذهاب بعيداً بعد الإنجاز التاريخي في المونديال القطري 2022، والذي رفع رأس الكرة العربية، وحجز مكاناً لها بين المنتخبات الـ16 الكبرى.