من الثمانينيات إلى الألفية..لماذا يلجأ المدربون لـ "الوينج باك"؟

04 يناير 2015
+ الخط -

"اعرف لاعبيك، قيم مستواهم، نقاط ضعفهم ومصادر قوتهم، ثم ضع النظام الذي يناسبك والطريقة التي تفوز بها"، انتشرت هذه الكلمات كقاعدة مهمة يتبعها العديد من المدربين في كرة القدم هذه الأيام، وتعتبر فكرة منبثقة من المقولة الشهيرة، "الغاية تبرر الوسيلة" لذلك عادت بعض الفرق من جديد إلى الثلاثي الخلفي، وأصبحنا نشاهد الأظهرة في وضع متقدم، والأجنحة للخلف كثيراً، واختلطت الكرة الحديثة بنظيرتها الكلاسيكية القديمة.


الثمانينيات
وبالعودة إلى التاريخ، يجب علينا تسليط الضوء على خطة 3-5-2، النهج الذي سمح بوضع ثلاثة مدافعين أمام حارس المرمى. في الماضي كان هناك لاعب ليبرو مع ثنائي دفاعي، وتختلف تركيبة الوسط من فريق إلى آخر، إما لاعب ارتكاز صريح وثنائي يميل إلى الأطراف، أو ثلاثي يلعب أكثر في عمق الملعب، وبالنسبة لتمركز المهاجمين، لم يعد هناك مجال لتواجد ثنائي علي خط واحد بل في الغالب مهاجم في الأمام وآخر متحرك بحرية في الخلف.

نجحت الفكرة بشكل مثالي مع المدرب الأرجنتيني بيلاردو في 1984، اللعب بثلاثة مدافعين وخماسي في الوسط وثنائي هجومي، هاجمته الصحافة وقتها لكنه أكد صحة أسلوبه قائلاً، "من الصعب أن تلاعب الأوروبيين بمهاجم واحد، ووجود لاعب إضافي في الوسط يعطي الحرية الكاملة لدييجو أرماندو مارادونا في الهجوم، 4-3-1-2 تحولت إلى 3-5-2 أو 3-5-1-1.


المونديال العالمي
لعبت منتخبات عديدة خلال المونديال بطريقة تضم ثلاثيا دفاعيا صريحا، مزيجا بين (3-5-2)، (3-4-3)، (3-3-1-3)، وتطبيق الخطة يختلف من منتخب إلى آخر، منتخب مثل تشيلي يلعب بثلاثي دفاعي أقرب إلى مدافع واحد، ثم خط وسط وثنائي أقرب إلى الأظهرة، مع تحول الأطراف إلى دور الجناح، أما منتخب مثل هولندا فلعب فان جال بثلاثة مدافعين صريحين أمام مرماهم، بينما اعتمدت كوستاريكا على تقوية الخط الخلفي بخماسي متحد.

وفي كل الأحوال، يوجد لاعب واحد فقط على الأطراف، ظهير يتحول إلى دور الجناح مثل بليند، أو جناح صريح يصبح ظهيرا كما أدى كاويت هذا الدور في بعض المباريات بكأس العالم، وبالتالي زادت فكرة ما يُسمى بالظهير الجناح Wing Back في مباريات المونديال الأخير.

راهن المدربون على الضغط العالي والرقابة الفردية في منطقة الوسط، مع الميل دائماً إلى لاعب إضافي بالدفاع، من أجل اللعب بشكل متزن ونسق منخفض آمن، لذلك وضعت معظم الأسماء ثلاثيا بالمنتصف، وثلاثيا بالخلف، ولضمان ذلك جاء القرار سريعاً بإشراك لاعب واحد فقط على الطرف، كجناح وظهير في نفس الوقت.


من اليونايتد إلى برشلونة
جاء الموسم الحالي ليضرب موعدا جديدا مع هذا النوع من لاعبي الأطراف، ولعبت فرق عديدة بهذه الإستراتيجية، وعلى رأسهم مانشستر يونايتد وبرشلونة، الثنائي الذي سيطر على أجواء الكرة العالمية كثيراً في الفترة من 2006 وحتى 2012، ليستمر المدرب لويس فان جال في طرح أفكاره المونديالية الأخيرة، ويلجأ اللوتشو إنريكي إلى نفس الطريق بسبب نقص العناصر والحاجة إلى الاستفادة القصوى من الثلاثي الهجومي.

اختار الشياطين الحمر خطة 3-5-2، ثلاثي دفاعي أمامه لاعب ارتكاز صريح وثنائي وسط خلف التايجر فالكاو والروبين هود، أما الأطراف فبعد أن تألق أشلي يونج كثيراً كلاعب جناح حقيقي في الدوري الإنجليزي، ابتعد الساعد السريع عن مستواه وأصبح رفيق دكة البدلاء، حتى أعاده الخال إلى الأجواء مرة أخرى بتحويله إلى مركز جديد نوعاً ما، الجناح الذي يسيطر على الأطراف منفرداً، في الدفاع وأثناء الهجوم.

وخلال قمة برشلونة وباريس سان جيرمان، لعب العملاق الكتالوني بخطة 3-4-3، وبسبب غياب داني ألفيش وعدم ثقة الجهاز في البرازيلي دوجلاس، كان الرهان الأساسي على اليمين هو بيدرو، الجناح الذي تألق كثيراً مع جوارديولا وفقد مكانه الأساسي خلال السنوات الأخيرة، استعاد قدرا من بريقه في مركز جديد عليه نوعاً ما، ظهير دفاعي وجناح هجومي في نفس اللعبة، فيما يعرف فنياً بالـ Wing Back.


هكذا يفكر الخال
الدفاع يعني باختصار، ما هي المساحة التي تدافع فيها؟ إذا كنت تدافع خلال مساحة تسع حديقة، أنت الأسوأ، وإذا كنت تدافع خلال مساحة ضيقة بقدر المستطاع، أنت الأفضل، لأن كل شيء يدور حول الأمتار، الفراغات وكيفية التحكم فيها.

ومن هذه الحكمة التكتيكية يكمن السبب الرئيسي في تفضيل معظم المدربين خلال الآونة الأخيرة لفكرة الظهير الجناح، وذلك لأخذ المخاطرة على الأطراف بتواجد لاعب واحد فقط، مما يجعل المنافس يفكر جدياً في ضرب أسفل الأطراف، وهنا يأتي المد من العمق بتحول مدافع ثالث إلى الظهير قليلاً لمساندة اللاعب الوحيد على الخط، وقلب كل الخطورة على الفريق الآخر، من أجل صنع الأفضلية العددية في منطقة الوسط من الملعب.

يلعب فان جال بأشلي يونج على الطرف، ويجعل مدافعا آخر في الغالب يكون فيل جونز في وضع قريب من الجبهة اليمنى، وذلك لصنع الثنائية الدفاعية أمام لاعبي المنافس، وفي نفس الوقت يحصل كل من خوان ماتا وواين روني على مساحات أفضل للتحرك في المنتصف، لأنهما في حالة دعم كامل من كاريك الارتكاز الصريح، وثنائي هجومي في الأمام يُجبر المدافعين على العودة كثيراً للخلف أمام مرمامهم وترك كافة السيادة لنجوم مانشستر القادمين من الوسط.


فتش عن ليو
كذلك في برشلونة، يريد المدرب لويس إنريكي الاعتماد على مثلث الرعب، سواريز، نيمار، وميسي كصانع لعب صريح دون حاجة للتحول إلى اليمين، ومن أجل ذلك يصبح بيدرو هو اللاعب الحر على الطرف، يلعب كجناح صريح ويعود أثناء الدفاع لشغل الناحية الدفاعية، مع وجود مساندة صريحة من مارك بارترا، في تطبيق مباشر وحقيقي لفكرة الـ 3 مدافعين + 7 مهاجمين، بمعنى وضع ثلاثة مدافعين في الخلف، وإعطاء الحرية الكاملة للاعبي الأطراف في الزيادة العددية.

يستخدم فان جال لاعبه يونج في تحريك المياه الراكدة بمنطقة الوسط، وحينما تسيطر على هذه المنطقة فإنك في أمان معظم فترات المباراة، خصوصاً من وجهة نظر المدرب الهولندي، الرجل الذي يؤمن كثيراً بإستراتيجية التمركز الوسطي الخاص بخلق أكبر مستوى ممكن من الفراغات في عمق الملعب.

أما لوتشو فيريد بشكل أساسي حماية دفاع برشلونة من المرتدات وتوفير أكبر غطاء ممكن خلف الهجوم الناري للفريق، لذلك يلعب بيدرو كجناح من أجل حرية ميسي، ويعود نفس اللاعب لدور الظهير حتى يصنع خط دفاع خماسيا رفقة الثلاثي الأخير، واللاعب المقابل على الجبهة اليسرى، وهكذا تسير الدفة، من أجل الفراغات، ولا شيء آخر.


الرأي الآخر
جوسيه ألبرتو كورتيس، أستاذ التدريب بجامعة ساو باولو يقول حول اللعب بهذه الطريقة، "كرة القدم الآن سريعة وتعتمد أكثر على الانطلاقات والحركة، لذلك اللعب بالـ Wing Backs يسبب لهم مشاكل بدنية كبيرة طوال التسعين دقيقة. قديماً، الفرق كانت تلعب بثنائي هجومي، الآن معظم الفرق تلعب بمهاجم واحد وهناك فرق تلعب بدون مهاجم، لذلك أصبحت الحاجة إلى تواجد ثلاثة مدافعين في الخلف ولاعبين فقط على الطرف أمر غير ضروري".

يوهان كرويف، صانع أمجاد أجاكس في السبعينيات وبرشلونة في التسعينيات، يؤكد هو الآخر أن القوة في السنوات الأخيرة في صالح لاعبي الأطراف، السطوة انتقلت إلى النجوم القادرين على اللعب في مراكز الأجنحة والتحول إلى الهجوم، لذلك تقتل هذه الطريقة لاعبي الأجنحة تماماً وتسبب قليلاً من التوازن داخل تكتيك الفريق، لأن لاعب الطرف يتحول إلى مجرد عدّاء، يجري على الخط ذهاباً وإياباً.

يقول جيمي كاريجير أن الظهير هو جناح فاشل، ليرد المحلل ويلسون في مقال تكتيكي سابق، ويؤكد أن لاعب الجناح ليس في الغالب ظهيرا مميزا، على الأقل من الناحية الدفاعية، وهذا الأمر يجعل أي فريق يعتمد على الظهير الجناح في وضع خطر أثناء عملية التحولات من الهجوم إلى الدفاع، وذلك بسبب عدم تمتع الجناح بحساسية الخطوط الخلفية، مع صعوبة الربط بين المدافع ولاعب الطرف بشكل سريع. وتبقى كل فكرة لها ما لها وعليها ما عليها، والفارق يُصنع من أدق التفاصيل.

المساهمون