خروج باريس سان جيرمان، الذي كان متوقعا، من ثمن نهائي دوري الأبطال الأوروبي أمام البايرن يصنع الحدث في وسائل الإعلام الفرنسية ووسائط التواصل الاجتماعي، التي راحت تتساءل عن الأسباب والتداعيات، وموعد تتويج "بي أس جي" باللقب، في ظل الإخفاقات المتكررة رغم الإنفاق الكبير والاستقدامات النوعية التي يقوم بها النادي الفرنسي منذ أكثر من عشر سنوات، بلغ فيها نصف النهائي مرتين، وخسر فيها النهائي أمام البايرن قبل ثلاث سنوات، بمدربين مختلفين يتغيرون كل مرة، ولاعبين نجوم لم يتمكنوا من تحقيق اللقب الذي يبحث عنه، خاصة في هذا الوقت الذي يتشكل فيه هجومه من أفضل ثلاثي في العالم يفتقد للانسجام، ويصعب على مدرب مغمور مثل كريستوف غالتييه تسييره فوق الميدان، والتحكم في غرف الملابس وكرسي الاحتياط، وتحمل كل الضغوطات.
قد يقول البعض إن تكرار الفشل الأوروبي لباريس سان جيرمان هو أمر عادي وطبيعي لفريق حديث الوجود وحديث العهد مع المستوى العالي، الذي لم يكتشفه سوى منذ بضع سنوات عند مجيء الملاك القطريين، وهو نفس الأمر الذي يحدث منذ سنوات للمان سيتي رغم عراقته وأمواله ونجومه ومدربه الكبير، ما يثير علامات الاستفهام والتساؤلات في الأوساط الفنية عن الوصفة التي تسمح للسيتي و"بي أس جي" بالفوز بدوري الأبطال، مثل ما يفعل الريال كل مرة، ويفعل البايرن والبرسا مرة على مرة، لكن قوة المنافسة في الدوري الإنكليزي والمستوى العالي الذي ينشط فيه السيتي قد يسمحان له بالتتويج يوما، مقابل ضعفهما في فرنسا، ما يصعب من مأمورية الفريق الفرنسي الذي ينشط في مستوى أدنى وأقل إثارة وصعوبة من منافسيه في دوري الأبطال.
ولا يمكن لأي كان أن يحصر العوامل التي تساعد على التتويج بدوري الأبطال في معطيات دون غيرها، لكن الأكيد أن توفر المال والنجوم لا يكفي لتحقيق أغلى الألقاب، إذا لم ترافق ذلك منظومة كاملة تتحول إلى ثقافة وتقليد في أذهان الجميع، يضاف إليها مدرب ملائم يفرض الالتزام الفني على النجوم والشباب الصاعدين على حد سواء، كما أن كثرة النجوم، مثل ما هو الحال في "بي أس جي" مع الثلاثي ميسي ونيمار ومبابي، لم تساعد الفريق الباريسي على بلوغ مبتغاه، رغم توفر جيل متميز من اللاعبين الفرنسيين الذين يصنعون أمجاد العديد من الأندية الأوروبية، كان يمكن الاستثمار فيها من طرف إدارة "بي أس جي" لبلوغ المبتغى، على غرار كوندي، ساليبا، كوناتي، تشواميني، كامافينغا، كينغسلي كومان، ديمبلي، وغيرهم من خريجي المدارس الكروية الفرنسية، مع دعم نوعي بلاعبين يقودهم نجم واحد أو نجمين على أكثر تقدير.
تغيير الاستراتيجية صار حتمية ضرورية حتى لا يبقى مصير الفريق الباريسي معلقا بميسي البالغ من العمر 35 سنة، ونيمار الذي يقضي أيامه بين العيادة والمستشفى، ومبابي المدلل الذي يهدد بالرحيل كل مرة، ما ساهم في تلويث الجو داخل الفريق وساهم في تعقيد مهمة المدرب، وسط ضغوطات إدارية وجماهيرية وإعلامية كبيرة، مثل ما كان عليه الحال حتى في الريال في زمن الأربعة، زيدان ورونالدو وبيكهام ولويس فيغو، الذين لم يتوجوا بدوري الأبطال عندما كانوا يلعبون في فريق واحد، وهو نفس الأمر الذي يحدث مع "بي أس جي" بوجود ميسي، نيمار، مبابي وراموس، والذي وجد صعوبات في تحقيق المبتغى في غياب الشخصية والهوية والروح الجماعية.
تداعيات خروج "بي أس جي" أمام البايرن في ثمن نهائي دوري الأبطال هذه المرة ستكون كبيرة، بعد أن كبرت الطموحات ولم تعد الألقاب المحلية كافية لإرضاء الجماهير، حيث ستضطر إدارة الفريق للاستغناء عن نيمار والتفاوض مجددا لتجديد عقد ميسي، وبذل جهد أكبر للاحتفاظ بمبابي، والبحث في نفس الوقت عن مدير رياضي جديد ولاعبين جدد يبعثون نفساً جديداً في الفريق، وبمدرب من حجم زين الدين زيدان، الوحيد القادر على فرض احترام الإدارة والمدير الرياضي ونجوم الفريق والصحافة والجماهير على حد سواء، والوصول به إلى التتويج بدوري الأبطال، الذي يبقى هدفا أساسيا يحتاج إلى توفر عوامل وأسباب لتحقيقه في ظل منافسة قوية من أندية تملك بدورها التقاليد والمال والنجوم والشبان والمدربين الكبار، وكل مقومات النجاح.
ومع ذلك، لا يمكن أن نجزم بأن "بي أس جي" سيفوز بدوري الأبطال إذا توفرت لديه كل الشروط، لأن الأمر يبقى مرتبطاً بمعطيات أخرى موضوعية لايمكن التحكم فيها، تتعلق بقوة الأندية المنافسة التي تملك بدورها نفس المقومات، ومرتبطاً بلعبة لها خصوصياتها وأسرارها.