متى نرتقي؟

25 ديسمبر 2021
المنتخب الجزائري حصد لقب كأس العرب (أيمن عارف/ Getty)
+ الخط -

السؤال موجّه إلى معشر الزملاء الإعلاميين والمسؤولين والمناصرين وكل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، والمقصود منه معرفة متى نرتقي بأخلاقنا وترفعنا وتواضعنا وروحنا الرياضية إلى مستوى متعة كرة القدم، ويكتفي الصحافي بممارسة واجبه المهني، والمسؤول بدوره التربوي، ويكتفي المناصر بمناصرة وتشجيع فريقه بكل روح رياضية، دون الإساءة إلى غيره، ودون التهكم على الصحافي والمذيع والمعلّق والمنافس، ويتوقف كل مسير عن التحريض والتجييش للتغطية على فشله، ويتخلّى المناصر عن تعصّبه الذي يؤدي إلى مزيد من الاحتقان، مثلما عشناه أثناء بطولة كأس العرب 2021، التي كانت قمة من النواحي التنظيمية والفنية والجماهيرية، لكنها كشفت عن ضغينة وحقد وحساسية رهيبة في الأوساط الإعلامية والجماهيرية لبعض منتخبات شمال أفريقيا بالدرجة الأولى، تنذر بعواقب وخيمة على علاقات مشدودة أصلاً لأسباب سياسية وتاريخية قديمة.

كل شيء كان جميلاً في دوري المجموعات، بما في ذلك في مباراة مصر والجزائر، التي كانت مثيرة وجميلة فوق الميدان وفي المدرجات، وحتى في وسائط التواصل الاجتماعي، رغم الحساسية والآثار السلبية التي خلفتها مواجهة أم درمان سنة 2009، وكل شيء كان عادياً وطبيعياً في ديربي الخليج بين قطر والإمارات في ربع النهائي، لكن عند مواجهات الجزائر مع المغرب في ربع النهائي، تونس مصر في نصف النهائي، والجزائر تونس في النهائي اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي حقداً وكراهية وضغينة وتراشقاً، بسبب أصحاب النوايا السيئة الذين راحوا يفسرون تعليقات وتصريحات وتصرفات على أهوائهم، بسبب عدم تقلبهم لخسارة منتخباتهم، أو بتحريض من جهات إدارية وإعلامية بشكل لم يسبق له مثيل في منافسات جهوية وقارية ودولية.

صحيح أنّ بعض الإعلاميين والمحللين والمذيعين ساهموا في إشعالها عن قصد ودون قصد، لكن ردود الفعل المبالغ فيها بدت وكأنها مقصودة أو تنم عن جهل وتخلف وانعدام الوعي، وإلا كيف نفسّر التمسّك بمجرد صورة نشرت أو كلمة قيلت أو عبارة كتبت، وإخراجها عن سياقها واعتبارها مسيئة لبلد وشعبه وتاريخه، فتقوم القيامة في وقت نسكت عن كل الإساءات والإهانات التي تتعرض لها الدول والشعوب من طرف أنظمة دكتاتورية بائسة وتعيسة ومتخلفة تستغل عواطف الناس لإلهائها عن شؤونها الأخرى، الأكثر أهمية من مجرد لعبة فيها رابح وخاسر دائماً، لكن عندنا الفائز يسكنه الغرور والخاسر يقتله الإحباط، فيتحوّل إلى لاعب مندفع، ومدرب متهور ومناصر عنيف وإعلامي فاشل، يتصرفون مثل الأطفال الصغار، عندما يحرمون من ألعابهم.

قد نتقبل ردود الفعل الغاضبة للمناصرين، ونتفهم غضب اللاعبين والمدربين، لكن لا يعقل أن يتحول الإعلاميون إلى مناصرين ومدربين ولاعبين، يجردون من أخلاقيات المهنة ويتخلون عن دورهم في الإعلام والتثقيف والترفيه وتوعية الناس.

قد نتفهم غضب المناصرين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي لخسارة أنديتهم ومنتخباتهم، لكن من غير المقبول أن يصبح الصحافي والمذيع والمعلّق شغلهم الشاغل، يصبون عليه جام غضبهم ويتهكمون ويحرضون عليه ويصفونه بكل النعوت، ويحسبون له نقاطه وفواصله وأنفاسه وتجاوبه العفوي مع المباريات، وحتى فرحته وغضبه، ليصنف ضمن خانة المحبين والكارهين والمنحازين أو المحايدين، في مهنة انفعالية تتطلب العفوية وليس الشعبوية والتهريج.

لقد صار الوضع بحاجة إلى وقفة يرتقي إثرها الجميع إلى مستوى قيمنا وأخلاقنا، ومستوى شعوبنا وبلداننا، بعدما بلغ درجة كبيرة من الاحتقان يتهرب من تحمل مسؤوليته كل طرف من أطراف المعادلة الكروية العربية التي منعتنا من استكمال فرحة عارمة صنعتها قطر باحتضانها لبطولة، نريدها أن تستمر بنفس الجمال والحب والاحترام، بعيداً عن كل تعصّب واحتقان وفرقة، كانت سبباً في إلغاء وتأجيل وغياب عديد من المنتخبات في عدد من الدورات العربية السابقة، لأسباب سياسية واجتماعية مختلفة، وتؤدي اليوم إلى مزيد من الكراهية والحقد والشقاق والنفاق.