ماذا لو كان يواخيم لوف مدرباً لمنتخب عربي؟

05 ديسمبر 2020
المدير الفني للمنتخب الألماني لوف باقٍ في منصبه (Getty)
+ الخط -

قرار الاتحاد الألماني بتجديد الثقة في مدرب المنتخب الأول يواخيم لوف حتى مونديال قطر 2022، رغم الخسارة المذلة أمام إسبانيا بالستة في دوري الأمم الأوروبية منذ أسبوعين، صنع الحدث في وسائل الإعلام الألمانية والعالمية التي كانت تتوقع إقالة المدرب بعد ستة عشر عاما قضاها على رأس المانشافت، في سيناريو لا يحدث سوى في ألمانيا التي تصر على المحافظة على تقاليدها وثقافتها الكروية التي تستند إلى تشجيع الاستقرار والاستمرارية في العمل، والعقلانية في اتخاذ القرار الملائم بعيدا عن الضغوط الجماهيرية والإعلامية مهما كان حجم الخيبات، خاصة أنه يصعب إيجاد البديل في الظرف الراهن، وإن وجد لن يجد الوقت الكافي لتحضير منتخب تنافسي بعد سبعة أشهر من الآن في يورو 2021.

كل التوقعات كانت تشير إلى قرب إقالة يواكيم لوف منذ خروجه المبكر في الدور الأول لمونديال روسيا 2018، إلى إخفاقه في مسابقة دوري الأمم الأوروبية في النسخة الثانية على التوالي، لكن هذه المرة بعد خسارة تاريخية أمام إسبانيا هي الأولى من نوعها منذ سنة 1931 كان الكل في ألمانيا وخارجها يتوقع استقالة المدرب أو إقالته، ليحدث العكس وبإجماع الخمسة الكبار الذين يملكون سلطة القرار بقيادة مدير المنتخبات الوطنية الدولي السابق أوليفر بيرهوف الذي خرج لمواجهة الصحافة معلنا تجديد الثقة بيواكيم لوف، لأن نتيجة مباراة واحدة لا تكفي للحكم على مدرب يقوم بعمل كبير في سبيل التجديد، حسب تقدير الاتحاد الذي يعتبره الأفضل لقيادة المنتخب في نهائيات اليورو المقبلة المقررة شهر يونيو المقبل، إذ وقع في مجموعة صعبة تضم بطل العالم فرنسا وبطل النسخة الأولى لدوري الأمم الأوروبية البرتغال والمجر.

 الخسارة أمام إسبانيا بالستة كان وقعها كبيرا على جماهير الكرة والإعلام الرياضي في ألمانيا، حتى أن 84% من الجماهير التي شملتها استطلاعات الرأي بعد مواجهة إسبانيا طالبت برحيل المدرب، لكن الاتحاد الألماني لم يخضع للضغوط ولم يتسرع في اتخاذ القرار، بل أخذ الوقت الكافي لدراسة الوضع والتداعيات، ثم التقى بالمدرب لساعات واتخذ قراره، رغم كل الانتقادات التي تعرض لها، خاصة من طرف مدربين ولاعبين دوليين سابقين عارضوا استغناء المدرب عن الثلاثي هيوملز، بواتينغ وتوماس مولر بعد مونديال روسيا والاعتماد على لاعبين شبان لا يملكون الخبرة والتجربة التي تسمح لألمانيا بالمنافسة على الألقاب كما كانت عليه دائما وهي التي بلغت نهائي كأس العالم ثماني مرات، توجت بأربعة ألقاب، كما توجت ثلاث مرات بلقب كاس أوربا للأمم من أصل ستة نهائيات بلغتها عبر التاريخ.

موقف
التحديثات الحية

 رصيد ألمانيا التاريخي وقدراتها الحالية لم تكن تسمح بالخروج من الدور الأول في مونديال روسيا الذي شاركت فيها حاملةً للقب، ولم تكن تسمح بالسقوط أمام إسبانيا بستة مقابل صفر، كما أن كل المؤشرات كانت توحي بأن الاتحاد الألماني سيضحي بيواكيم لوف بعد 14 سنة قضاها على رأس المنتخب، ويسدل الستار على مرحلة دامت طويلا، لكن الغلبة كانت لحكمة وثقافة الألمان الذين لم يعرفوا سوى عشرة مدربين منذ أكثر من قرن من الزمن في ظاهرة فريدة من نوعها لا نجدها في أوروبا ولا في العالم، ولا نحلم بها في أفريقيا وعالمنا العربي بمنتخباته التي تضحي فيها الاتحادات المحلية بمدربيها في أول منعرج وأول تعثّر من دون أدنى اعتبار للمعطيات والمعايير والمخططات والبرامج والمشاريع، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على كل المجالات عندنا، ويؤثر بشكل كبير على النتائج والأداء ومعنويات اللاعبين والمدربين.

 صحيح أن واحدة من مشاكل مدربينا سواء كانوا من أصحاب الشهادات، أو أصحاب الخبرات والتجارب والأسماء الكروية الكبيرة يشرفون على منتخبات بلدانهم دون كفاءة ولا جدارة، من دون مشروع وأهداف واضحة، ولا يملكون ثقافة الاستقالة عند الإقصاء، اعتقادا منهم بأنهم أوصياء على الكرة، يتوارثون المنتخب الأول، وصحيح أن يواكيم لوف لم يقدم استقالته بعد الإخفاق، لكن شتان بين الحالتين لأن مدربينا لا يقرّون بالفشل ويحمّلون المسؤولية للاتحاد أو اللاعبين، ويؤمنون بنظرية المؤامرة فيتمسّكون بمناصبهم من باب الأنانية، في وقت فضّل مدرب المانشافت انتظار قرار الاتحاد الألماني وعدم الاستسلام، لأنه يملك مشروعا يؤهله للتتويج بكأس أمم أوروبا المقبلة أو كاس العالم 2022.

 لو كان يواخيم لوف مدربا لأي منتخب عربي لحكم عليه الاتحاد بالإعدام، ورمته الجماهير بالحجارة، وحمّلته الصحافة المسؤولية الكاملة حتى ولو كان ذا كفاءة ويملك مشروعا، لكن ألمانيا الحضارة والثقافة والتقاليد الكروية تملك الجرأة والرزانة والثقة المتبادلة التي تجعلها تنهض بعد كل تعثر في لعبة يعتبرها نجم إنكلترا السابق غاري لينكر سهلة يمارسها اثنان وعشرون لاعبا يركضون خلف الكرة لمدة تسعين دقيقة وفي النهاية ألمانيا هي التي تفوز.

المساهمون