ماذا بعد مونديال قطر فيفا 2022؟

11 أكتوبر 2022
قطر بنت إرثاً سيدوم لسنوات وسيخدم الأجيال المقبلة (جوسيبي كاساسي/فرانس برس)
+ الخط -

كلّ العالم يترقب بشغف مونديال قطر فيفا 2022 الذي ينطلق بعد 40 يوماً من الآن، ويتطلع لمعرفة ما يحدث فيه، من يفوز به، وكيف سيكون التنظيم والإقبال الجماهيري على أول مونديال يحتضنه بلد عربي مسلم في الشرق الأوسط، لكن ذلك لم يحجب عن المتتبعين والمحللين التطلع لمرحلة ما بعد كأس العالم وانعكاسها على قطر والشرق الأوسط والعرب والكرة العالمية، وأيضاً على النفوس والعقول والقلوب التي تشكك في قدرات قطر، أو تلك التي تعلق أمالاً كبيرة على كسر حاجز وتجاوز عقدة لازمت من يوصفون بالصغار الذين كانوا إلى اليوم يتفرجون على الكبار وهم يتقاسمون الأدوار في صناعة الحدث وتنظيم أكبر البطولات الرياضية في العالم، إلى أن تجرأت قطر سنة 2010، ورفعت كلّ التحديات فبلغت المبتغى رغم كل حملات التشويه التي لا تزال تتعرض لها إلى الآن.

في العشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل سيدرك العالم أن الحلم صار حقيقة، وأن البلد الصغير حجماً وتعداداً صار كبيراً فعلاً، وبعد الثامن عشر من ديسمبر/كانون الأول، موعد المباراة النهائية، سيتأكد الناس من أن قطر كانت في المستوى، ونظمت مونديالاً مختلفاً ومتميزاً عن سابقيه، وعندها يتحطم ذلك الانطباع السائد إلى حدّ الآن بأن العرب والمسلمين والخليجيين بالخصوص لا يقدرون على مسايرة التحولات والتطورات التي يشهدها العالم، خصوصا بعد أن صارت أول بلد منظم ينفق أكثر من 200 مليار دولار، وتشييد سبعة ملاعب جديدة وشبكة طرقات، ومترو أنفاق ومطار وميناء ومرافق مختلفة، ستبقى إرثاً مجتمعياً يستمر لعقود طويلة، تستثمر فيه الأجيال الصاعدة التي تتولى صيانة ما تم إنجازه دون التفكير في وضع حجر واحد إضافي لمدة عشرين سنة على الأقل بعدما جرى استكمال بناء البلد.

بعد المونديال تتوجّه قطر نحو فتح آفاق جديدة لمواطنيها ولكلّ منطقة الخليج في مجال التنمية المستدامة، من خلال تهيئة البيئة الملائمة لتوفير مزيد من فرص الاستثمار للأفراد والمؤسسات المحلية والإقليمية والدولية التي تجعل من قطر قبلتها الجديدة في المجالين الاقتصادي والسياحي خصوصا، من خلال استغلال كلّ المرافق والميكانيزمات التي وفرتها منذ فازت بتنظيم كأس العالم، دون إغفال الموارد البشرية القطرية التي استفادت من خبرات وتجارب كثيرة وكبيرة بفضل تعاملها مع إطارات أجنبية وشركات عالمية، مكّنتها من تجاوز كلّ العقد التي كان يشعر بها كلّ مواطن عربي في كلّ البلاد العربية، قبل أن تتحرر النفوس والقلوب والعقول وتنير الطريق للأجيال الصاعدة، التي لن تتوقف عند حدود تنظيم كأس العالم لكرة القدم.

بعد انتهاء المونديال سيدرك العالم أن الإنفاق الذي قامت به قطر لم يكن من أجل تنظيم حدث كروي يدوم شهراً، بل من أجل تحقيق حلمها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفكري، وتجاوز مرحلة الاعتماد على الغاز كمصدر للثروة، وفكرة التركيز على البنيان، إلى مرحلة بناء الإنسان الذي لا تثنيه الصعوبات والعراقيل والانتقادات، وكلّ محاولات التشكيك والتشويه التي لا تزال تتعرض لها إلى الآن من القريب والغريب على حد سواء، وهو الأمر الذي ينعكس بالايجاب على منطقة الخليج وكلّ البلاد العربية، والمسلمين في كل مكان، لأنه ينعكس بالايجاب على الجميع، ويشجع الآخرين على خوض التجربة لبناء بلدانهم، حتى ولو بعد عمر طويل.

بعد مونديال 2022، ستتفرغ قطر لمعركة رياضية أخرى بأسلحتها الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والرياضية لتخوض معركة الظفر بتنظيم أولمبياد 2032، ومنافسة ألمانيا وأستراليا والهند وإندونيسيا حتى يكتمل المشهد الذي لم يكن في الحسبان ولم يتخيله أحد قبل 2010، ليصبح حقيقة بعد بضعة أسابيع من الآن.

المساهمون