ليو دي جانيرو ما بين سطور مباراة الأرجنتين والبوسنة

16 يونيو 2014
صورة لميسي من مباراة الأمس (getty)
+ الخط -

في بيونس آيرس، تنطلق في أحيائها الغنية فتعتقد أنك في أرقى مناطق أوروبا وأميركا قبل أن يقودك جهلك بجغرافيا المكان إلى أزقة وطرق غير منتظمة، تدفعك في النهاية إلى حارات وأحياء أفقر من أعتى عصور الظلام في قرون الجهل السابقة. هذا التناقض الغريب يشعرك بأن الأرجنتين أمة لها طبيعتها الخاصة في الحياة، وفي كرة القدم.

إمّا أن تكون من عشاق البوكا وتقتنع بالمقولة الخالدة، حينما أموت أحرقوا جثتي وانثروا رمادها في البومبونيرا حيث الذهب والسماء، الأصفر والأزرق، وإمّا أن تكون واحداً من هؤلاء الذين يجدون في الريفر بلات وطنهم وملاذهم، حيث الأناقة الكروية والسحر القادم من المونيمونتال.

قبل أن تأخذ التاكسي لكي تذهب إلى المطار عائداً إلى بلادك، سيبادر السائق بسؤالك عن ميولك السياسية، مذاهبك الإقتصادية، فريقك المفضل في المدينة، ومع دفعك للأجرة وعزمك على النزول، سيودعك ويقول لك السؤال الأشهر على الإطلاق، "هل أنت مع فكر سيزار ميونتي أم كارلوس بيلاردو"؟

وفي رواية أخرى، هل أنت من رواد المدرسة الحالمة أم من أتباع الواقعية الكروية!؟

# 1986

ويبدو بأن سابيلا المدير الفني الأرجنتيني، قد اختار طريق كارلوس بيلاردو بطل مونديال 1986 خصوصاً مع تشكيلته الأولى خلال الشوط الأول، وقراره بأن يلعب بطريقة اللعب الأشهر خلال حقبة الثمانينيات، 3-5-2 القديمة التي تتحول في حالة الدفاع إلى 5-3-2 صريحة، وكأن الزمن قد عاد بنا سنوات إلى الوراء، هناك كان مارادونا، بينما هنا ينطلق ميسي.

ولكن لكل مقام مقال، ولكل زمن مفرداته الخاصة، في 86 كان هناك بورتشاجا في المنتصف، اللاعب القوي القادر على ضبط التحولات الهجومية داخل الملعب، كذلك كانت الأظهرة تصعد إلى الأمام كثيراً، بمناسبة وبدون، أما في 2014، فإن الظهير روخو في الأصل مدافع صريح، وبالتالي أصبحت الأرجنتين تلعب برباعي دفاعي وزاباليتا الوحيد القادر على التقدم لكنه أبعد ما يكون عن دور الجناح.

ليس هذا فقط، بل أيضاً افتقاد الوسط للاعب الارتكاز الذي يستطيع نقل الهجمة من الخلف إلى الهجوم، ماتشيرانو ارتكاز قوي وقاطع رائع للكرات، لكنه يحتاج إلى لاعب آخر بجواره يساعد في الشق الهجومي، بوسكيتس برشلونة وألونسو ليفربول. كل هذه الأمور في النهاية قادت إلى شوط أول عديم الفائدة، وفروقات شاسعة بين ثنائي الهجوم ومعهما دي ماريا وبقية أفراد الفريق، مما أدى إلى دخول الفريق في عزلة اختيارية ناتجة عن قرارات المدرب الفنية.

# عودة المهاجم الصريح

هناك مثل يقول، من فات قديمَه تاه، ورغم كل الثورات والصيحات التكتيكية الحديثة التي أوجدت أرضاً خصبة لدور المهاجم الوهمي ولاعبي الأطراف في قيادة زمام الأمور، إلا أن دور المهاجم الصريح مازال مهماً داخل أورقة اللعبة، وهذا ما لُوحظ بالنص بعد نزول هيجواين ودخول جاجو أيضاً في منطقة الوسط.

أصبحنا نشاهد فريق الأرجنتين الحقيقي، التحول من 3-5-2 إلى 4-3-3 وأخيراً نعود إلى القرن الواحد والعشرين، جاجو يضبط الوسط ويساعد ميسي ودي ماريا في إيصال الكرات من الخلف مباشرة. هيجواين يلعب كمهاجم حقيقي، ينطلق إلى الأمام، يتوغل في القنوات، أمام وخلف المدافعين، يحجز أكثر من لاعب ويسّهل كثيراً من مهمة ميسي.

الهدف الثاني لوحة فنية رفيعة المقام، الملك رقم 10 يستلم، يتحرك مهاجم نابولي، يأخذ الكرة ويعيدها إليه على طبق من ذهب، مراوغة والأخرى، وتسديدة رائعة. تكتيكياً ميسي صانع اللعب والجناح الوهمي يحتاج إلى مهاجم متحرك أمامه، يحجز له المدافعين ويتحول إلى الجناح لكي ينطلق ليو بلا هوادة نحو العمق. جملة فنية تكررت كثيراً خلال الشوط الثاني، تفاعل معها الجمهور في ماراكانا، وحوّلها المجاذيب إلى تميمة جديدة على مواقع التواصل، إنها بداية مرحلة الليو دي جانيرو.

المساهمون