لماذا أصبح أتليتكو مدريد صاحب اليد العليا في العاصمة؟

08 يناير 2015
أتليتكو مدريد منع الريال من شن هجمة منظمة (Getty)
+ الخط -

فاز أتليتكو مدريد على غريمه اللدود ومنافسه الأبدي ريال مدريد بثنائية نظيفة، في أولى المواجهات المهمة ضمن منافسة كأس الملك الإسباني، وبعيداً عن الانتصار الأخير، فإن الفريق الثاني في العاصمة حقق رقما مهما للغاية هذا العام ضد بطل أوروبا، بعد وصوله إلى ثلاثة انتصارات متتالية على نفس الفريق، في السوبر ثم الدوري وأخيراً الكأس، وبالطبع الأمر بعيد تماماً عن كلمة "صدفة"، نظراً للأسباب القليلة القادمة.


التريند الأشهر
عادت خطة 4-4-2 إلى الملاعب من جديد خلال عام 2014، لتكون الطريقة الأشهر على الإطلاق خلال الأجواء الكروية، مع التحول من كلاسيكية التسعينات إلى ديناميكية الألفية الجديدة، ليلعب بها قطبا مدينة مدريد، الثنائي الذي وصل إلى نهائي آخر نسخة من دوري أبطال أوروبا في البرتغال.


في السابق، كانت 4-4-2 تعتمد على رباعي معيّن بالوسط، لاعب ارتكاز دفاعي صريح كل دوره قطع الكرات، ولاعب آخر هجومي يصنع اللعب ولا يعود إلى الخلف كثيراً، مع ثنائي سريع على الأطراف، يقدم العرضيات والكرات الهوائية إلى داخل مناطق الجزاء ومشارفها، حيث المهاجم المتمركز أمام المرمى، وزميله المتحرك في كل أرجاء الثلث الهجومي الأخير.


أما في الآونة الأخيرة، فأصبحت كرة القدم بعيدة كل البعد عن الرفاهية، وزاد التعقيد بين الكبار خلال المواجهات الصعبة، لذلك صار رباعي الوسط أقرب إلى الوحدة الكاملة، وباتت إمكانية تحديد مركز كل لاعب بالتشكيلة أقرب إلى المستحيل، وهذا ما يطمح له مدربو الزمن الحالي، ألا وهو الوصول إلى أقرب مفهوم ممكن لوحدة الأداء خلال التسعين دقيقة.


الفرديات؟
تشكيلة ريال مدريد الأساسية ضمت كلاً من جاريث بيل، إيسكو، توني كروس، كريم بنزيما، وخاميس رودرجيز، إنها حقاً سطوة "الجلاكتيكوس" الجديدة تحت قيادة مدرب يعرف كيف يتعامل مع الأسماء الضخمة، أنشيلوتي البراجماتي الواقعي الذي يؤمن تماماً بإطلاق العنان إلى المواهب والمهارات، ويتقن بشدة وضع أفضل 11 لاعبا هجوميا في تشكيلة واحدة، لذلك نجح سريعاً مع الرئيس بيريز، وأعاد الريال إلى منصات التتويج.


أما أصحاب الأرض أتليتكو فوضعوا قائمة لا تضم نجوما من العيار الثقيل، توريس، جريزمان، جارسيا، وجودين، مجموعة مهمة لأي فريق، لكن لا يتم تصنيفها أبداً في المرتبة الأولى أو الثانية في بورصة اللاعبين، لكن الشولو سيميوني حوّل هذه الأسماء إلى كيان جماعي قاتل، يستطيع الفوز بالبطولات، لا المباريات فقط.


ومع البدء بكل من جابي وماريو سواريز في العمق، كان الاختيار الأمثل وضع الثنائي راؤول جارسيا ونيجويز على الأطراف، تروس وسط تقطع الملعب ذهاباً وإياباً دون كلل أو تعب، وبالتالي ضمن المدرب الأرجنتيني إغلاق كافة المنافذ أمام إعصار الملكي، سواء من العمق عن طريق محوري الارتكاز، أو في الأطراف بوجود أجنحة بدرجة لاعبي وسط 100%، لذلك لم نشعر أبداً بتأثير الفرديات.


المضاد الكروي
يضم الميرينجي مجموعة من أفضل لاعبي القارة، جيميس رودريجز على اليمين وإيسكو على اليسار، مع بنزيمة في الأمام رفقة جاريث بيل، النفاثة التي عوّضت غياب رونالدو على الورق في خطة الإيطالي، يبدأ الويلزي في الأمام كمهاجم متأخر ويتحرك بحرية في وبين الخطوط، لذلك من الممكن أن تجده صانع لعب، جناحا، ولاعب وسط ثالثا عند الحاجة.


ولإيقاف المد الأبيض، راهن الشولو على سلاح "ثنائيات الرقابة" أو كما يعرف بالـ Double Teaming على طريقة كرة السلة. كلما استلم إيسكو الكرة، لا يقابله فقط الظهير بل يعود جارسيا للمواجهة، وبالتالي يصطدم الجناح المهاري بثنائي من المدافعين، ويحدث الشيء ذاته على الجبهة الأخرى، مع ساؤول وهيرنانديز.


ومن أجل عدم فراغ مراكز الأطراف، يضع الهنود الحمر كامل آمالهم على الفرنسي جريزمان، إنه اللاعب الحر الذي يُكمل الفروقات في كل مراكز الملعب، تجده على الأطراف في حالة تحول الأجنحة إلى الوسط، ويقلب سريعاً في العمق كلاعب وسط ثالث عند تغطية جابي أو سواريز على الظهيرين، وفي حالات الهجوم يصعد سريعاً أثناء التحولات، ويمد فرناندو توريس بالكرات خلف دفاعات الريال.

آخر صيحات المرتدات
في حصاد جارديان السنوي لأبرز الصيحات التكتيكية، وضع المختصون نموذجا خاصا عن المرتدات الحديثة في اللعبة، يختلف بعض الشيء عن السلاح الذي فاز به إنتر مورينيو على بارسا بيب في 2010، وكرره ريال أنشيلوتي أمام بايرن بيب في النسخة الماضية من الشامبيونز.


تغيرت موازين المرتدات بعض الشيء، هكذا تؤكد إحصائيات دوري الأبطال، لأن نسبة الأهداف من "الكونتر أتاك" في آخر نسخة وصلت إلى 23 %، مع أنها كانت 27 % في نسخة 2012-2013، وكانت 40 % في نسخة 2005-2006، وجميع الأرقام السابقة رسمية وموثقة في أكثر من مركز للإحصاء.


فريق أتليتكو مدريد يدافع ولا يبادر كثيراً، لكنه لا يعود إلى مناطقه بشكل مبالغ فيه، ولا يتمركز أمام المرمى بالثلث الدفاعي الأخير، بل يصعد بعض الشيء إلى الأمام ويقترب لاعبوه من بعضهم البعض حتى دائرة المنتصف تقريباً، لذلك حينما يحصلون على الكرة من أقدام المنافس، يقطعون مسافات مترية أقل، لأن التمركز يكون من أسفل دائرة المنتصف وليس من حافة منطقة الجزاء.


وبالتالي لا يتم إرهاق كتيبة سيميوني كثيراً، وخلال الشوط الثاني من المباريات الثلاث الأخيرة بينهم وبين الريال، كانوا دائماً في الموعد، مع التبديلات الجوهرية التي تقلب الدفة على الجميع. وإذا عدنا إلى دكة كل فريق، سنلاحظ أن رونالدو فقط صانع الفارق خارج الخط، بينما مع الأتليتي هناك أردا توران، كوكي، وماندزوكيتش، لذلك تألق الفريق المضيف بشكل حاسم في الدقائق الحاسمة من عمر الديربي.


صناعة الإنجاز
يقول المدرب التاريخي جيوفاني تراباتوني عن القماشة الكروية المتاحة لكل مدرب، ومدى نجاح المدراء في الاستفادة القصوى من المتاح لهم "المدرب الجيد يستطيع جعل فريقه أفضل بنسبة 10 %، بينما المدرب السيئ يجعل فريقه أسوأ بنسبة 30 %"، ويمتاز الثنائي أنشيلوتي وسيميوني ببراعة كبيرة في فهم قدرات فرقهم وإخراج أفضل ما يُميّز نجومهم.


لكن في المواجهات الأخيرة، لعب دييجو على التفاصيل بدقة أوضح، من خلال وضع خطيّن دفاع في الفراغ بين أسفل دائرة المنتصف ومشارف منطقة الجزاء، لذلك زاد الخناق على أصحاب المهارات من الفريق الملكي، مع غلق أسفل الأطراف أمام الماكينات التي تتألق في الجري بالكرة وبدونها، ولنا في جاريث بيل عبرة.


ورغم التفوق الكامل بمرحلة الذهاب، إلا أن ريال مدريد له فرص كبيرة بالعودة، لأن أنشيلوتي فعلها من قبل في نفس البطولة خلال الموسم الماضي، حينما فاز على أتليتكو بثلاثة أهداف دون رد في البرنابيو، وفي النهاية المتابع هو الرابح، بكرة مميزة وقتالية مفرطة حتى الختام.

المساهمون