كيف نجت أولمبياد طوكيو من الإلغاء؟

14 يوليو 2021
طالب الشعب الياباني بضرورة إلغاء الأولمبياد (Getty)
+ الخط -

نجت دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في العاصمة اليابانية طوكيو من تأجيل تاريخي مرة أخرى، بعد حظر غير مسبوق على الجماهير المحلية والأجنبية، ومعارضة كبيرة من طرف واسع من الشعب الياباني، المتخوف من تفشي فيروس كورونا، إلا أن كل شيء بات قريباً من الانطلاق، عقب أخذ جميع الاستعدادات، التي أقرتها الحكومة بالتنسيق مع اللجنة المنظمة.

وتضمّنت رحلة دورة الألعاب المقبلة قائمة طويلة من التعقيدات، هدّدتها في بعض الأحيان من أن تصبح أول ألعاب حديثة بعد الحرب يتم الغاؤها في مناسبتين، لكن الرحلة كانت شاقة، منذ الإعلان في شهر مارس/ آذار عام 2020، عن تأجيلها، عقب توسع انتشار فيروس كورونا في العالم.

آنذاك كان هناك سبب للأمل في أن ينتهي الوباء قبل حفل الافتتاح، وأن تكون الألعاب "دليلاً على انتصار البشرية على الوباء العالمي" بحسب المسؤولين اليابانيين، لكن تصاعد حدّة الفيروس عالمياً وظهور المزيد من المتحوّرات المعدية، خفّضا من حدة هذه النغمة المنتصرة وأثارا معارضة متزايدة داخل البلاد، فيما اعتمد العديد من المواطنين على المظاهرات المناهضة لدورة الألعاب.

وفي النصف الأول من السنة الحالية، وجدت استطلاعات الرأي أن معظم اليابانيين عارضوا إقامة الألعاب في الصيف الحالي، مفضّلين إما الإلغاء أو تأجيلا إضافيا، لكن المسؤولين ضغطوا في الاتجاه المعاكس، مستضيفين تصفيات واختبارات متأخرة، كما بذلوا جهودا جبارة لصياغة قواعد لمكافحة تفشي الفيروس اعتبروا أنها ستحمي الحدث الكبير وتجعله آمنا.

وأعلن المسؤولون في اليابان في شهر مارس/ آذار الماضي أن الألعاب الأولى ستفرض حظراً على الجماهير الأجنبية القادمة من الخارج، وهو قرار وصفته رئيسة اللجنة المنظمة للألعاب سيكو هاشيموتو بأنه "لا مفرّ منه"، بسبب الحد من انتشار فيروس كورونا.

وبعد وضع المنظمين حداً أقصى لعدد الجماهير المحلية، لا يتخطى عشرة آلاف متفرج في المنشأة الواحدة، كانت تحذيراتهم، من أن الألعاب قد تقام وراء أبواب موصدة بحال تفشي الفيروس أكثر، في محلّها، إذ عادوا وفرضوا حظرا على الجماهير المحلية في طوكيو، نتيجة عودة وباء كورونا إلى الانتشار بسرعة كبيرة ومرعبة.

 

حزن الشعلة وانتكاسات أولمبياد طوكيو

كان وصول الشعلة الأولمبية حزيناً، مع إبقاء الجماهير بعيدة عن الحفل المتواضع الذي أقيم في ملعب خالٍ، ولا شكّ في أن غياب المتفرجين عن المدرجات سيجعل هذا الأولمبياد نسخة باهتة مقارنة الاحتفالات السابقة، بعدما ظن الجميع بأنها ستكون احتفالية كبيرة، عندما أعلن في الثامن من شهر سبتمبر/ أيلول عام 2013 عن منح طوكيو شرف استضافة الدورة الصيفية عام 2020.

حينها، انهار مقدّمو البرامج التلفزيونية اليابانية بكاءً، وابتهجت البلاد، التي كانت تخشى من أن يؤدي الحادث النووي في محطة فوكوشيما بعد زلزال وتسونامي عام 2011 إلى تدمير آمال اليابانيين، ليطلق على الألعاب الأولمبية اليابانية حينها اسم "ألعاب إعادة الإعمار".

وواجهت الأولمبياد انتكاسات كثيرة منذ عام 2015، عندما ألغي مشروع المهندسة العراقية - البريطانية زها حديد، وسلم إلى المهندس الياباني كينغو كوما، بسبب الكلفة المرتفعة، وعاد كل شيء إلى نقطة البداية مرة أخرى، فيما شهدت اليابان فشلاً آخر بأواخر شهر سبتمبر/ أيلول، عندما تخلّت اللجنة التنظيمية للأولمبياد عن شعار كنجيرو سانو الأوّل للألعاب، لأنه كان شبيها بشعار مسرح لياج البلجيكي، فيما لجأ مصمّمه إلى القضاء.

وفي 2019، أعلن رئيس اللجنة التنظيمية للأولمبياد الياباني تسونيكازو تاكيدا استقالته نتيجة تحقيق فرنسي في دفعات بقيمة 2,3 مليون دولار لحصول طوكيو على شرف الاستضافة، لكن المسؤول نفى أي علاقة له بشبهات الفساد، فيما قدم يوشيرو موري رئيس اللجنة المنظمة استقالته أيضاً، بعد تلميحات مهينة بحق النساء.

 

خسائر مالية

كبّد التأجيل الأولمبي وبروتوكول الحماية من تفشي كورونا نفقات إضافية بقيمة 2,6 مليار دولار، تضاف إلى ميزانية ثقيلة أصلا بلغت 14,9 مليار دولار، قد تجعل من ألعاب طوكيو الأغلى في التاريخ، فميا يأمل رئيس الوزراء، يوشيهيدي سوغا، الذي يخوض أول انتخابات بعد الألعاب، أن تحقق الأخيرة نجاحا يعزّز مسيرته السياسية.

وواجهت حكومة يوشيهيدي سوغا ضغوطات حيال أسلوب مواجهتها الجائحة، على الرغم من أن اليابان شهدت تفشيا أقل من دول كثيرة، مع نحو 15 ألف حالة وفاة وتجنب عمليات الإغلاق القاسية، التي عاشتها شعوب العالم، منذ منتصف شهر مارس/ آذار عام 2020.

وبدأت عملية التلقيح ببطء ولم تُفعّل سوى بدءاً من مايو/أيار الماضي، لكنها تسير بوتيرة أسرع الآن، حيث تم تطعيم نحو سبعة بالمئة من السكان بشكل كامل. ولم يتلقَ سوى ما نسبته 15 في المئة من السكان اللقاح حتى الآن، فيما يخشى اختصاصيون أن يتسبب متحوّر "دلتا" بموجة جديدة يمكن أن تُرهق الجسم الطبي.

ويعيش العديد من الخبراء في القطاع الصحي والرأي العام الياباني في خشية المخاطر المحتملة المرتبطة بقدوم حوالي 70 ألف شخص من الخارج للمشاركة في الألعاب، بدءاً من الرياضيين ومدربيهم، مروراً بالممثلين الرسميين وانتهاء بالصحافيين من مختلف أقطار العالم، حيث سيخضع الجميع لقيود صارمة.

الشروط الصارمة في الدورة

لكن مع اقتراب انطلاق الدورة، ووضع القوانين الصارمة، فإنه سيتم حظر الهتاف ولا يمكن للرياضيين أن يتعانقوا أو يتصافحوا خلال الاحتفالات بتحقيق النصر، ويتعيّن عليهم ارتداء الكمامات طوال الوقت باستثناء فترة تناول الطعام، والنوم أو التنافس، ويسمح لهم فقط بالتنقل بين القرية الأولمبية وباقي المنشآت الرياضية، فيما تتراوح عقوبات انتهاك القواعد بين التحذير اللفظي والغرامات إلى الإقصاء من الألعاب تماما.

المساهمون