كم أنت محظوظ يا بن طالب!

05 ديسمبر 2020
الجزائري نبيل بن طالب (Getty)
+ الخط -

مشوار أي لاعب كرة قدم لا يكون دائماً مفروشاً بالورود، فبلوغ محطات المجد يمر حتماً بمراحل صعبة، وبلوغ منصات التتويج، يحتاج إلى تضحيات جسام، منها ما هو جهد بدني كبير في التدريبات، فينحت جسداً قوياً يصمد أمام كل الالتحامات ويقي صاحبه من شبح الإصابات، ومنها ما هو دروس قاسية في الحياة، حتى ينحت شخصية قوية تتغلب على المشاكل وتتخطى المِحن.

ما يعيشه نجم المنتخب الجزائري نبيل بن طالب، يمكن أن يندرج ضمن الدروس القاسية التي تنحت شخصية اللاعب، لكن الأمر يعود إلى تعامل اللاعب نفسه مع الأمر، فهل يفهم الدرس ويجد سهولة في تخطي صعاب الامتحان، أم يبقى في دور المتفرج وينتظر أن تبدأ الحياة في جلده، ويضيع كل الجهد البدني الذي بذله، في سبيل تحقيق المجد؟

وأنا أستمع إلى رسالة المدرب الوطني جمال بلماضي، لم أجد أن أقول إلا إنّ الجزائر حتماً محظوظة برجل من طينة بلماضي على رأس منتخبها الوطني، فالرجل تعدى حدود التدريب الرياضي، إلى الاحتواء النفسي لكل محيط "الخضر". بطل أفريقيا ألمح الأسبوع الماضي إلى ما على كل من يوسف عطال وهشام بوداوي أن يفعلاه، وخرج هذا الأسبوع، رغم معاناته من فيروس كورونا وهو ما كان بادياًعلى صوته، ودافع بشراسة عن بن طالب وهاجم من تعاملوا مع هذا الأخير بعنصرية.

بن طالب ظل لسنوات واحداً من ركائز المنتخب الجزائري، قبل أن يقل عطاؤه ويتراجع مستواه، ويصبح ظلاً لنفسه في كل مبارياته مع "الخضر". لربما بلماضي في موقفه دافع عن بلماضي الشخص الذي تعرض للعنصرية، لكن في نفس الوقت هو نفس الرجل الذي أبعد بن طالب منذ أكثر من سنتين، والغريب في الأمر أن "الخضر" لم يخسروا منذ أن أُبعد لاعب شالكه الألماني، وبعض اللاعبين معه، الذين ضيّعوا أماكنهم التي ظلت محجوزة لسنوات، وتألق من خلفوهم فيها، وبلغوا بالمنتخب الوطني قمة كرة القدم الأفريقية.

ما يجب أن يتعلمه بن طالب من هذا الدرس القاسي، أن الجزائر هي الأم التي لن تتخلى عنه وإن تخلى عنه الجميع، وستبقى الحضن الدافئ الذي يحتويه في أحلك الظروف، لذلك عليه رد الجميل لها عندما تهدأ العاصفة، فالعطاء المتبادل أمر جميل يضمن الديمومة، كذلك على بن طالب أن يتعلم أنه لاعب كرة قدم وليس عميلاً سرياً، حتى يدخل في شبكة التحالفات، ويحاول البحث عن السند باللغة واللسان، لأن كرة القدم تلعب بالأرجل، فرغم لسانه الفرنسي إلا أنه كان أساسياً مع توتنهام الإنكليزي وهو لا يزال شاباً، لا لشيء سوى أن عقله كان متناغماً مع إمكانياته، فكل ما في نبيل يقول إنه لاعب ارتكاز، يملك البنية القوية للافتكاك، والسرعة للمراقبة، والذكاء للتوقع، والطول للارتقاء، لكن خدعه الرقم 10 مع نادي شالكه الألماني، فوضع نفسه في ما لا طاقة له به، فضاع بين جسد وُجد للارتكاز، وعقل يرغب في صنع اللعب.

لربما تعاطف الجميع في الجزائر مع بن طالب، فالكلام الذي قيل له قيل لنا جميعاً، لكن ذلك لا ينسينا مستوى اللاعب الباهت مع "الخضر"، باستثناء خلال كأس العالم 2014، لذلك نعود ونكرر، أنت محظوظ بمدرب مثل جمال واتحادية بلدك كانا سنداً لك، ومحظوظ أيضاً بجمهور رغم غضبه منك وقف في صفك، وأنت حتماً محظوظ يا بن طالب بمدرب واتحاد وجمهور يحبون منتخب بلادهم، فعُد بن طالب توتنهام وسننسَ كل هذه الأيام.

المساهمون