ألغى منتخب الكريكت الإنكليزي للرجال والنساء فجأة خطط اللعب في باكستان الشهر المقبل، وهو الانسحاب الدولي الثاني لبلد مهووس بهذه الرياضة، وسط قلق متزايد بشأن صورتها على المسرح العالمي.
جاء انسحاب منتخب الكريكت الإنكليزي يوم الإثنين الماضي، بعد ثلاثة أيام فقط من تراجع فريق الكريكيت النيوزيلندي عن خطط اللعب في باكستان لأول مرة منذ عام 2003، وحصل ذلك قبل وقتٍ قصير من المباراة الأولى بعد الإشارة إلى تهديد أمني غير محدد.
بدوره قال الطرف الإنكليزي الذي تحدث بشكل أكثر غموضًا بحسب تقرير لنيويورك تايمز، إن قراره جاء استجابة "لمخاوف بشأن السفر في المنطقة".
وقال منتخب الكريكت الإنكليزي في بيان رسمي حول ما حصل "نحن نأسف بصدق للتأثير الذي سيحدثه ذلك على لعبة الكريكيت في باكستان ونؤكد على الالتزام المستمر بخطط الجولات السياحية الرئيسية هناك لعام 2022".
وجاء الإلغاء المفاجئ ليشكّل إحراجاً كبيراً وانتكاسة لباكستان، فقد يكون وصف اهتمام البلد بالكريكت بأنه "شغف" أقل ما يقال، حيث فاز المنتخب الوطني الباكستاني بكأس العالم للكريكيت عام 1992 حين هزم إنكلترا في النهائي، وكان عمران خان، رئيس الوزراء الحالي، كابتن الفريق آنذاك.
وتحدّثت نيويورك تايمز أن البلاد لديها تاريخ مضطرب مع الفرق الزائرة، كما أدّى تجدد الهجمات الإرهابية في البلاد إلى زيادة التوتر، وخضعت البلاد لمزيد من المراقبة الدولية بسبب علاقتها الطويلة مع طالبان في أفغانستان، التي تسلّمت الحكم قبل شهر تقريباً مع فرار القوات المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية.
ووفقاً للصحيفة تجنّبت الفرق الأجنبية لسنوات باكستان بعد هجوم إرهابي عام 2009 استهدف فريق الكريكيت السريلانكي في مدينة لاهور شرقي البلاد، ونجا أفراد الفريق حينها لكن ستة من رجال الشرطة ومدنيين قتلوا، ثم أُجبرت باكستان على لعب الكريكيت الدولي خارج أراضيها لسنوات.
في ظل هذه الوضعية والخلفية التي ذكرت أعلاه من كاتب المقال سلمان مسعود، كانت زيارتا نيوزيلندا وإنكلترا منتظرتين بفارغ الصبر، كان المسؤولون في باكستان يأملون في أن يتمكنوا من إقامة المباريات كدليل على تحسن الوضع الأمني للبلاد، مما سيساعدها على الصعيد الدبلوماسي أيضاً.
بإلغاء الجولة الأسبوع الماضي، لم يحدد منتخب نيوزيلندا الطبيعة الدقيقة للتهديد الأمني، لكن رئيسة وزراء البلاد، جاسيندا أرديرن، قالت إن مسؤولي الكريكت في نيوزيلندا "اتخذوا القرار الصحيح".
ونُقل عن أرديرن قولها بحسب ما ذكرت نيويورك تايمز الأميركية: "يجب فهم سبب عدم قدرتنا على تقديم مزيد من المعلومات حول طبيعة المعلومات الاستخباراتية، ونكتفي بالقول إنّها كانت تهديدات مباشرة. كان تهديداً موثوقاً به".
وقال مسؤولون في باكستان إنهم لم يتلقوا أي تهديد وطلبوا من نظرائهم النيوزيلنديين مزيدًا من المعلومات، وقال متحدث سابق باسم حركة طالبان الباكستانية (حركة تختلف عن حركة طالبان الأفغانية وهي طرف أساسي في الصراع مع الحكومة المركزية الباكستانية، وتصنّف كجماعة إرهابية محظورة)، في منشور على فيسبوك قبل مباراة نيوزيلندا، إن الفريق ربما يكون قد استُهدف من قبل مجموعة مختلفة وليس من قبلها.
وقال إحسان الله إحسان نقلاً عن تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) "على حد علمي فإن تنظيمًا جهاديًا عالميًا يبحث عن هدف كبير في باكستان"، ولم يتضح ما إذا كان إحسان على علم بأي هجوم مخطط له، مع العلم أنه تمّ حذف حسابه على فيسبوك بعد فترة وجيزة من المنشور.
وكشفت نيويورك تايمز أن قرار الإلغاء قوبل بغضب وخيبة أمل واسعة النطاق في باكستان، حيث قال نواب أحمد علم (41 عامًا)، الذي يدير ناديًا للكريكت في إسلام أباد: "كنا جميعًا متحمسين للغاية ونتطلع إلى مشاهدة المباراة في الملعب"، مضيفًا أنه اشترى تذكرة لمشاهدة المباراة الأولى بين باكستان ونيوزيلندا "ولكن الآن مع إلغاء الحدث، يشعر عشاق لعبة الكريكت أن باكستان قد عادت 10 سنوات إلى الوراء".
وكانت عمليات الإلغاء محبطة بشكل خاص للسكان المحليين لأن منتخبات من دول أخرى مثل بنغلاديش وزيمبابوي وجنوب أفريقيا بدأت في زيارة البلاد منذ عام 2015، مما أثار حالة من الإيجابية والأمل في عودة الأمور إلى طبيعتها.
وقال السيد علم في هذا الصدد "إنه أمر مؤسف للغاية لأن المتفرجين والمشجعين يريدون رؤية أبطال الكريكيت يلعبون أمامهم على أرض الوطن ضد المنتخبات الأجنبية، تم حرمانهم من الإثارة والمتعة".
وزعم المسؤولون الباكستانيون أن أمن البلاد قد تحسّن بشكل كبير بعد سلسلة من حملات المواجهة ضد الجماعات المسلحة، وخاصة حركة طالبان الباكستانية، التي شنّت هجمات دموية من عام 2007 إلى عام 2014، لكن المخاوف من عودة ظهور الجماعات المسلحة ظهرت مرة أخرى بعد سيطرة طالبان على أفغانستان.
كما تظهر حركة طالبان الباكستانية علامات على العودة البطيئة، بعدما أعلنت مسؤوليتها عن 32 هجوماً في أغسطس وحده، وفي وقت سابق من هذا الشهر أعلنت مسؤوليتها عن كمين خلّف مقتل سبعة جنود وعدد من الجرحى، فيما يؤكد مسؤولون حكوميون أن الهجمات الأخيرة كانت متقطعة ومقتصرة على مناطق نائية على الحدود مع أفغانستان.
ورفضت الجماعة المتشددة الأسبوع الماضي عرض عفو قدّمه مسؤولون حكوميون كبار، وتعهدت بأنها ستواصل أساليبها المسلحة.
يعتقد الكثيرون في باكستان أن البلاد تُعاقب بسبب دعمها لحركة طالبان الأفغانية وتدهور العلاقات الباكستانية مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأخرى، وذلك بعدما حثت العالم على العمل مع حركة طالبان الأفغانية.
وغرد وزير الإعلام الباكستاني فؤاد شودري يوم الثلاثاء الماضي "هناك لوبي دولي معين يعمل ضد باكستان، لكن أولئك الذين يريدون إثناءنا لن ينجحوا أبدًا".