لا شكّ أنّ تسجيل الأهداف يبقى أهم عنصر في لعبة كرة القدم، وهو ما يثبته انحياز الجماهير للمهاجمين، ولا سيما الهدافين منهم، على حساب بقية الخطوط نسبياً، بل تثبته كذلك جوائز الأفضل وارتباطاتها التسويقية والدعائية. الأهداف هي حلاوة كرة القدم وسحرها، حتى تكاد كلمة "غول" تطغى على تسمية اللعبة الشعبية الأكبر، في كثير من الأحيان.
لقطات لا تُنسى
كأس العالم هو الميدان الأشهر لإبراز الهدافين، حتى أنّ بعض اللاعبين الذين لم تكن مسيرتهم موفقة، حققوا شهرة كبيرة جداً بفضل تألقهم في البطولة الأهم في العالم، وحدها تقريباً. أولئك اللاعبون تركوا بصمات محفورة في ذاكرة الجماهير، من قبيل هداف مونديال 1990 الإيطالي سلفاتوري سكيلاتشي، وهداف مونديال 1994 الروسي أوليغ سالينكو، وأيضاً صاحب أجمل هدف في البطولة نفسها السعودي سعيد العويران أمام بلجيكا وحارسها الكبير ميشال برودوم.
كذلك، تحتفي الجماهير العالمية بنجومها التاريخيين الكبار وسجلهم التهديفي في المونديال، أمثال البرازيليين بيليه وروماريو ورونالدو، والأرجنتيني دييغو مارادونا، والألمان غيرد مولر ويورغن كلينزمان وميروسلاف كلوزه، والإنكليزي غاري لينيكر، والمجري ساندر كوتشيش، والبرتغالي أوزيبيو، وغيرهم. تبدو لافتة تلك اللقطات الشهيرة لعدد من الأهداف التي سجلتها نسخ المونديال - وأحياناً مشاريع الأهداف التي لم تكتمل. من ذلك رفع لاعب الولايات المتحدة جو غايتجينز على الأكتاف، بعد انتهاء المباراة أمام إنكلترا في مونديال 1950، بالفوز بهدفه الوحيد، وما عناه ذلك الفوز من رمزية للمستعمَرة البريطانية السابقة، أمام "مخترعي كرة القدم" في أول مشاركة لهم بالمونديال.
لا تُنسى كذلك صرخة بيليه - كما قيل - أمام مرمى الإنكليزي غوردون بانكس، عام 1970 مع ضربه الكرة برأسه: "غول"... لكنّ إنقاذ بانكس هذه المرة كسر قدسية التسجيل وصنع مجداً جديداً للحراسة، حتى أنّ ذلك الارتماء الفريد تحول إلى لوحات فنية عدة في بلده. أما هدفا دييغو مارادونا أمام إنكلترا أيضاً عام 1986 فيحملان تناقضاً غريباً بين الوصول عن طريق الاحتيال، في الهدف الأول المسجل باليد، والإنجاز الفردي الشرعي في الهدف الثاني الذي يعتبر أجمل هدف في تاريخ المونديال إذ تجاوز الأرجنتيني نصف لاعبي إنكلترا وسجل، ليمنح نجومية بعيدة عن الملعب لمعلق المباراة الأوروغوياني فيكتور هوغو موراليس الذي ما زالت صرخاته المذهولة "غووووول غووووول" تصدح حتى اليوم.
وفي عالم الكرة الحديث المليء بالإحصاءات والأرقام لا بد من الإشارة إلى أصغر لاعب سجل في المونديال وهو بيليه أمام ويلز عام 1958 بـ17 عاماً و239 يوماً، وأكبرهم وهو الكاميروني روجيه ميلا أمام روسيا عام 1994 بـ42 عاماً و39 يوماً، وأسرع هدف وهو للتركي هاكان شوكور في مباراة المركز الثالث أمام كوريا الجنوبية عام 2002، بـ11 ثانية، وأول هدف ذهبي وهو للفرنسي لوران بلان أمام باراغواي في دور الـ16 عام 1998.
ولا مجال لإغفال أفضل ثلاثة هدافين تاريخيين للمونديال، وهم الألماني ميروسلاف كلوزه (16 هدفاً في أربع بطولات (2002، 2006، 2010، 2014)، والبرازيلي رونالدو (15 هدفاً في ثلاث بطولات (1998، 2002، 2006)، والألماني غيرد مولر (14 هدفاً في بطولتين 1970، 1974)، كما الإشارة إلى أفضل هداف في نسخة واحدة وهو الفرنسي جوست فونتين، بثلاثة عشر هدفاً عام 1958.
من لقطات المرمى الشهيرة صورة الحارس الإيطالي جيانلوكا باليوكا وهو يحضن القائم الذي حرم البرازيلي روماريو من التسجيل، لتنتهي المباراة النهائية الوحيدة في تاريخ المونديال من دون أهداف، عام 1994. لكنّ ركلات الترجيح يومها عوضت الإثارة المفقودة، وإن بطريقة عكسية مع ركلات مارسيو سانتوس وفرانكو باريزي ودانييل ماسارو وروبرتو باجيو الضائعة. كذلك احتفال البرازيلي بيبيتو في المونديال نفسه بتسجيله هدفاً أمام هولندا في ربع النهائي، كما لو كان يهز طفلاً في إشارة إلى ابنه ماتيوس الذي كان قد ولد للتو، وانضمام روماريو ومازينيو لاحتفاله، ما نشر تلك الطريقة طويلاً من بعده احتفاء بالمواليد.
ماكينات تسجيل في قطر
كأس العالم قطر 2022 تعدُ ببطولة هجومية تهديفية، إذ لا تضم عدداً كبيراً من نخبة الهدافين في الدوريات العالمية حالياً فحسب، بل أيضاً أصحاب الخبرة الكبيرة، والسجل التهديفي الأكبر لمنتخباتهم تاريخياً، ومنهم من يتصدر لقب الهداف التاريخي لمنتخب بلاده أو يحلّ في المركزين الثاني والثالث.
أبرز هؤلاء الحاضرين في النسخة 22 من المونديال، هو بالتأكيد هداف العالم التاريخي، البرتغالي كريستيانو رونالدو، صاحب 117 هدفاً دولياً. من بعده منافسه المعتاد، هداف الأرجنتين التاريخي ليونيل ميسي بـ90 هدفاً. ثم هداف بولندا روبرت ليفاندوفسكي بـ76 هدفاً. وثاني هدافي البرازيل (بعد بيليه 77) نيمار بـ75 هدفاً.
ومن بعدهم هداف أوروغواي التاريخي لويس سواريز بـ68 هدفاً، كما ثاني هدافيها إدينسون كافاني (58). وبالحصيلة نفسها هداف بلجيكا التاريخي روميلو لوكاكو بـ68 هدفاً، كما ثاني هدافيها إيدن هازارد (33 هدفاً). وهداف المكسيك التاريخي خافيير هرنانديز (تشيتشاريتو) بـ52 هدفاً. وثاني هدافي إنكلترا (بعد واين روني 53) هاري كين بـ51 هدفاً. وهداف صربيا ألكسندر ميتروفيتش بـ50 هدفاً (وهو الهداف التاريخي لمنتخبه في تسمياته المختلفة من يوغسلافيا الاشتراكية إلى يوغسلافيا إلى صربيا والجبل الأسود إلى صربيا).
ما دون الخمسين هدفاً دولياً، هناك ثاني هدافي فرنسا (بعد تييري هنري 51) أوليفيه جيرو بـ49 هدفاً، كما ثالث هدافيها أنطوان غريزمان (42). وأبرز هداف قطري (بالمشاركة مع منصور مفتاح) المعز علي بـ42 هدفاً. وهداف ويلز التاريخي غاريث بيل بـ40 هدفاً. وثاني هدافي هولندا (بعد روبن فان بيرسي 50 وبالشراكة مع كلاس يان هونتيلار) ممفيس ديباي (42 هدفاً). وثالث هدافي إيران (بعد علي دائي 109 وكريم باقري 50) سردار أزمون (41 هدفاً).
كما هداف كولومبيا التاريخي راداميل فالكاو بـ35 هدفاً. ومثله هداف الإكوادور، إينر فالنسيا بـ35 هدفاً. وهداف السنغال التاريخي ساديو ماني بـ 34 هدفاً. وثالث هدافي الكاميرون (بعد صامويل إيتو 56، وروجيه ميلا 43، وبالشراكة مع باتريك مبوما) فنسنت أبو بكر بـ33 هدفاً. وثالث هدافي كرواتيا (بعد دافور سوكر 45، وماريو ماندزوكيتش 33) إيفان بيريزيتش بـ32 هدفاً. وثاني هدافي تونس (بعد عصام جمعة 36) وهبي الخزري بـ26 هدفاً. وأبرز هدافين كنديين، كايل لارين (25) وجوناثان ديفيد (22).
وبينما يغيب أفضل الهدافين التاريخيين عن بعض المنتخبات، فإنّ هدافيها الحاليين يحملون حصيلة كبيرة من الأهداف أيضاً، مثل سابع هدافي ألمانيا التاريخيين توماس مولر (44)، ورابع هدافي كوريا الجنوبية سون هيونغ مين (35)، وسادس هدافي إسبانيا ألفارو موراتا (27) وآخرين.
هي بطولة هدافين كبار جداً، لا شك، لكن، هل ستُترجم الإنجازات السابقة أهدافاً غزيرة أيضاً؟ هذا ما تأمله الجماهير على الأقل، من أجل متعة أكبر.