كان اليوم يسير بشكل اعتيادي في عالم الرياضة، قبل أن يفاجئ النجم السويسري المخضرم، روجر فيدرير، الجماهير العالمية، بعدما وجه رسالة كشف فيها اعتزاله التنس، بعد خوضه بطولة كأس لايفر في العاصمة البريطانية لندن الأسبوع القادم، لينهي بذلك رحلة طويلة في ملاعب الكرة الصفراء، حقق فيها 20 لقباً في "الغراند سلام".
وبعد إعلان فيدرير إنهاء مسيرته، فإن حياة أسطورة التنس كانت مليئة بالأحداث، بعدما ولد في الثامن من شهر أغسطس/آب عام 1982 في مدينة بازل، ونشأ في أسرة اختصت بالعمل في مجال الأدوية، حيث كان يعمل والده في إحدى شركات الأدوية، وأيضاً والدته لينيت.
صحيح أن فيدرير عاش في مدينة بازل، التي تشتهر بمتاحفها ومسرحها الضخم، وجامعتها الأقدم في سويسرا، لكن روجر أظهر اهتماماً عكس جميع أقرانه الصغار، عندما تعلق برياضة كرة المضرب مُبكراً، رغم أن عائلته كانت تعتبر التنس مجرد نشاط ترفيهي.
وأدركت عائلة فيدرير أن الطفل روجر لم يكن يمازحها، حول حُلمه بأن يصبح لاعباً شهيراً في رياضة كرة المضرب. لذلك سارع والده ووالدته إلى تقديم الدعم المادي مباشرة، حتى استطاع الصغير الحصول على أول فرصة له، عندما حصل على حق الدخول في برنامج تنس للناشئين في مدينته بازل.
تعلق فيدرير بعالم التنس، جاء بعدما أحب أسطورة كرة المضرب السابق، الألماني بوريس بيكر، خاصة أن السويسري كان يعمل على تقليد حركات معشوقه، لكنه تعرض لصدمة كبرى جعلته يبكي بعدما رأى بيكر يتعرض للهزيمة في نهائي "ويمبلدون" أمام ستيفان إدبرج عام 1988.
بالنسبة للطفل الصغير فيدرير، كانت رياضة التنس هي الحياة، والفوز يعني القوة. لذلك كان يدخل في نوبات غضب كبيرة، عندما يضيع فرصة أو يقوم بتنفيذ خاطئ لضربة إرسال، جعلت والديه يشعران بأنه بات بحاجة إلى المساعدة المباشرة، ليتواصلا مع بيتر كارتر، أحد أهم المدربين في عالم كرة المضرب، الذي وضع خطة لحياته في الرياضة.
خطة كارتر كانت تقضي بربط القطع المفقودة عند روجر، بالاعتماد على استراتيجية علم النفس والمجاملة، والتي من دونها يمكن أن يظل لعب التنس مجرد نشاط بدني وعاطفي شاق، بالإضافة إلى إتقان المهارات المكتسبة في مراكز تدريب مختصة.
وبعدما وضع كارتر الخطة، التقى فيدرير بالمدرب بيتر لوندغرين، الذي أشرف على تمارينه الخاصة، بعدما علّمه التسديد الاستثنائي، والتسديد المليء بالقوة، وحركة القدم المميزة، والتقنيات الفعالة، التي ميزت أسلوب لعب السويسري في عالم كرة المضرب على مدار مسيرته الذهبية في ما بعد.
وحصل المراهق فيدرير على المركز الأول في التصنيف العالمي للناشئين، وسيطر على البطولات في منافسات الفردي، منها "ويمبلدون"، بالإضافة إلى خوضه منافسات الزوجي، ووصوله إلى نهائيات القرعة الصغرى في بطولة الولايات المتحدة الأميركية المفتوحة للتنس.
وأصبح المراهق شاباً، وأذهل العالم في بطولة "ويمبلدون" عام 2001، عندما استطاع التغلب على الأسطورة بيت سامبراس، لكن روجر فيدرير افتقد الاستمرارية، فيما كان الموهبة الأسترالية في جيله، ليتون هيويت، الأكثر نجاحاً في البطولات الكبرى "الغراند سلام".
وتغيرت حياة فيدرير رأساً على عقب، بعدما رحل مدربه وصديقه بيتر كارتر في حادث سيارة مأساوي عام 2002، في جنوب أفريقيا، عندما كان يقضي إجازة بعد زفافه، ليعود السويسري إلى رشده، ويتذكر كلمات قدوته الأولى في عالم كرة المضرب "لا أريد أن تصبح موهبة مُهدَرة".
وقرر فيدرير التعامل مع رياضة التنس بطريقة مختلفة، بعدما قطع على نفسه عهداً وفاءً لذكرى رحيل مدربه ومعلمه بيتر كارتر، عبر الالتزام بالتدريبات، والتعامل مع كرة المضرب بكل جدية، ليعود في عام 2003، ويحرز أول ألقابه في بطولة "ويمبلدون".
رحيل بيتر باركر جعل فيدرير يقوم بتغيير عقليته المزاجية، بعدما أصبح واجهة الرياضة الأولى، وبات لا ينسَ ذكرى وفاة معلمه، عقب التزامه باستضافة عائلة مدربه دائماً في منطقته المخصصة ببطولات أستراليا المفتوحة في كل مرة يشارك فيها.
وأصبح فيدرير نجماً في بداية القرن الحادي والعشرين بعالم رياضة كرة المضرب، ويمتلك قاعدة جماهيرية عريضة، لكنه كان بحاجة إلى منافِسه حتى يشعل حماس الجميع، ووجد ضالته عندما ظهر الإسباني رافاييل نادال.
ولم تنتظر الجماهير كثيراً، لأنها باتت تشبه مواجهات فيدرير ونادال بـ"الكلاسيكو"، الذي يجمع بين ناديي ريال مدريد وخصمه التاريخي برشلونة في "الليغا"، والبرتغالي كريستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي في عالم كرة القدم.
وكان فيدرير دائماً حريصاً أن يظهر احترامه الكبير لمنافسه الأول نادال، عبر تصريحاته لوسائل الإعلام، لكن أبرزها كان عندما قال: "علاقتنا مبنية على الاحترام، وأنا فخور بما نقوم به"، لكن الرياح لم تجر كما اشتهى السويسري خلال السنوات الماضية، بعدما هزمته الإصابة، وأصبحت تلاحقه، حتى قرر الخضوع لعملية جراحية.
وعانى فيدرير كثيراً في رحلة علاجه، لأنه اعترف بأن التقدم في السن (يبلغ 41 عاماً)، جعل جسده يرفض الاستجابة لما كان يقوم به سابقاً في عالم كرة الصفراء، ليأتي اليوم الذي فاجأ فيه الجماهير الرياضية، بعدما قرر إنهاء مسيرته الاحترافية، التي تغيرت بعد حادثة رحيل معلمه ومدربه الأول، وهو بيتر باركر، الذي لن ينساه السويسري نهائياً.
يذكر أن السويسري، روجر فيدرير، قد استطاع الحصول على 103 ألقاب فردية خلال مسيرته الاحترافية في عالم كرة المضرب، و20 بطولة كبرى في عالم التنس "الغراند سلام"، بالإضافة إلى نيله ميدالية أولمبية فضية، ما يعني أنه من أساطير الكرة الصفراء.