سحر الكرة عندنا وعندهم

22 يونيو 2024
جماهير منتخب هولندا في المواجهة ضد فرنسا على ملعب ريد بول أرينا، 21 يونيو/ حزيران (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بطولة يورو 2024 في ألمانيا تبرز بجوانب فنية وتنظيمية متميزة وحضور جماهيري قياسي، مع تفاعل ملحوظ من الجماهير من كل الأعمار، يعكس شغفاً وانتماءً وطنياً قوياً يتجاوز الحدود المعتادة.
- التفاعل العاطفي والوطني يظهر بوضوح خلال عزف النشيد الوطني، حيث يعبر اللاعبون والجماهير عن حبهم لبلدانهم، مما يجعل المنتخبات تجمع مختلف أطياف المجتمع وتعزز الوحدة.
- البطولة تتجاوز كونها مجرد حدث رياضي لتصبح وسيلة لتعزيز مشاعر الانتماء الوطني والهوية، مع تأكيد على أهمية ترسيخ هذه المشاعر بشكل صحي وتجنب التعصب والعنف.

بعيداً عن الجوانب الفنية والتنظيمية والحضور الجماهيري القياسي التي تتميز بها بطولة يورو 2024 الجارية وقائعها في ألمانيا مقارنة ببطولات أخرى قارية ودولية، لفت انتباهي ذلك التفاعل الجماهيري عند الصغار والكبار، في المدرجات والساحات العمومية، مع الأهداف التي تسجلها أو تتلقاها المنتخبات، ومع الفوز والخسارة الذي يتميز بكثير من الشغف والشعور بالانتماء إلى الوطن من خلال المنتخب، وهو الذي كنا نعتقد أنه حكر على الجماهير العربية والأفريقية التي تبالغ، في نظر البعض، في التفاعل لدرجة التعصب، وينتابها الشعور بالانتماء أكثر من خلال منتخباتها. 

في أثناء عزف النشيد الوطني لمختلف البلدان، لاحظنا تفاعل اللاعبين من خلال ترديد النشيد بحرارة، وبسط أيديهم على صدورهم فوق حدود القلب، تعبيراً عن الحب، ولاحظنا تجاوب الجماهير في المدرجات بشكل لافت لا نجده مع النوادي التي يشجعونها، أو في رياضات ومناسبات أخرى، سواء كانت سياسية أو ثقافية، ما يجعل المنتخب الفرنسي مثلاً أحد أبرز العوامل التي تجمع أطياف مجتمع متنوع الأصول والألوان والثقافات والقناعات، يتوحد في أثناء مبارياته فوق الميدان وفي المدرجات، وفي مختلف وسائط التواصل الاجتماعي، ولو لفترة وجيزة ومؤقتة.

عند تسجيل الأهداف أو تلقيها، كانت الكاميرات تركز على التقاط صور الفرحة الهستيرية لكثير من المشجعين باختلاف أعمارهم، بمن فيهم الأطفال الصغار، بغضّ النظر عن  اختلاف المشاعر عند الفوز أو الخسارة، ما دام الانفعال هو القاسم المشترك، والتشجيع الموجه للمنتخب يحمل صبغة انتمائية إلى وطن واحد مهما كانت اختلافاتهم والفوارق بينهم، وهو الأمر اللافت الذي لم يعد مقتصراً على مجتمعاتنا ومنتخباتنا. وعليه، يمكن اعتباره ظاهرة صحية طبيعية وعفوية، ليست مصطنعة، ويجب ترسيخها في النفوس والعقول، وتهذيبها حتى لا تبلغ درجة التعصب والعنف.

أما حرارة اللاعبين فوق أرض الملعب في أثناء مباريات يورو 2024 أو عند تسجيل الأهداف وتحقيق الفوز، فقد ظهرت جلياً في أوساطهم، خصوصاً الشباب منهم من الجيل الجديد، ليس فقط لأجل الفوز والبروز وتحقيق الشهرة، بل لأجل بلدانهم وجماهيرهم، ولا سيما منتخبات البلقان وأوروبا الشرقية، لأسباب سياسية وتاريخية وأيديولوجية، حيث ظهر عليهم الجهد والمردود العالي والشغف والحرارة في اللعب، أكثر بكثير مما يفعلونه مع نواديهم التي تدفع لهم أموالاً أكثر من منتخبات بلدانهم، مثلما ظهر على الأنصار تعلقهم بأوطانهم من خلال منتخباتهم.

تجاوزت كرة القدم في بطولة يورو 2024 حدود الترفيه عند الجماهير، وتجاوزت حدود الشهرة وكسب المال عند اللاعبين والمدربين على غرار ما يحدث عندنا، ووصلت درجة المساهمة في تعزيز مشاعر الانتماء إلى الوطن والتعبير عن الهوية، رغم مشاعر الإحباط والتذمر التي تسبّبها الخسارة أو الإقصاء، وصارت مختلف المظاهر المصاحبة قاعدة عامة ومشتركة بين كل جماهير الكرة في العالم، ولو بدرجات متفاوتة، خصوصاً مع الجيل الجديد الذي تتنامى لديه مشاعر الانتماء تحت تأثير وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، رغم تخلصه من كل الرواسب السياسية والتاريخية والأيديولوجية والدينية، لكن سحر الكرة يفعل الأفاعيل.