خيبة منتخب لبنان انعكاس لواقع البلد ورياضته

26 يناير 2024
منتخب لبنان احتل المركز الأخير في مجموعته بخسارتين وتعادل (كريم جعفر/فرانس برس)
+ الخط -

انتهى يوم أمس الخميس دور مجموعات كأس آسيا 2023 لكرة القدم، ومعه ودّعنا العديد من المنتخبات، وصل عددها إلى 8، بحكم مشاركة 24 فريقاً في هذه النسخة، حيث تأهل أول وثاني المجموعات الست إضافة إلى أفضل 4 ثوالث، لم يكن بينهم منتخب لبنان الذي لعب في المجموعة الأولى التي ضمّت قطر وطاجيكستان والصين.

خسر لبنان مرتين أمام قطر وطاجيكستان في المباراة الفاصلة التي كانت ستقوده إلى الدور الثاني كوصيف للمجموعة بحكم نتائج الصين المتواضعة، لكنه في نهاية الأمر فرّط في الانتصار لظروف معينة في المباراة، منها طرد قاسم الزين في وقت حساس حين كانت النتيجة 1-0 لصالح منتخب الأرز، لكن الحقيقة تتجاوز ذلك بكثير، فهي لم تكن مجرد مباراة واحدة تلقّى فيها قاسم بطاقة حمراء، ولا مسؤولية لاعبين حاولوا تقديم كلّ ما لديهم، بل الموضوع يعود لأسباب أكبر من ذلك.

لا يرتبط الأمر باللاعبين الحاليين ولا بالجيل الموجود الآن ولا حتى بالجيل المقبل، فقد يحقق لبنان فوزاً في مباراة ما على خصمٍ كبير بشكل مفاجئ، لكنه لن يستطيع تكرار الأمر والتفوق على خصومه حتى في المنطقة، فما بالك على الصعيد الآسيوي في ظل تطور المنتخبات، مثل طاجيكستان وتايلاند وقرغيزستان وأوزبكستان وحتى فيتنام، بعيداً عمن خرج منها ومن بقي في المنافسات.

لن نتجه هنا للمقارنات مع دول أخرى ومجاورة تعيش ظروفاً صعبة، فحتى تبدأ الحل عليك التفكير في ما لديك وفي ما ليس لديك. وفي لبنان في الحقيقة ليس هناك شيء سوى أمر واحد، مواهب مميزة غير قادرة على التطور لمرحلة الارتقاء إلى مستوى الاحتراف وإفادة المنتخب، وهنا بالتالي كان الاتجاه في السنوات الماضية نسبياً إلى جلب لاعبين من الخارج، ربما لم ينجح منهم كثر، لكن في نهاية الأمر بات هذا الأمر سائداً في جميع منتخبات العالم.

في لبنان المشكلة تكمن في هيكلة الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص، ستبقى اللعبة على حالها وسيبقى المستوى متواضعاً طالما أن الدولة بشكل عام لا تولي أهمية لهذا القطاع تحديداً، فنجاح كرة السلة لم يعتمد يوماً على دعم وزارة الشباب والرياضة، وتطور لعبة السلة في لبنان لم يكن يوماً بسبب اهتمام الدولة فعلياً، بل بدأت في عهد أنطوان الشويري في التسعينيات من خلال ركيزتين هما الإعلام والإعلان، ومع رحيله سيّر المسؤولون عن اللعبة الأمور حتى بقي الدوري قوياً يجذب الرعاة والمستثمرين وتدفع فيه أموال طائلة، وبات المنتخب رقماً صعباً على المستوى العربي والآسيوي، وتأهل أكثر من مرة للمونديال وحالياً سينافس في تصفيات الأولمبياد.

نترك كرة السلة جانباً وننتقل إلى كرة القدم، لا شك أن الملاعب العشبية الصناعية ومعظمها بمساحة غير قانونية بالنسبة للمعايير الدولية تؤثر على المنتخب واللاعبين، ففي لبنان ليس هناك ملعب عشبي طبيعي قادر على استضافة مباريات المنتخب والأندية، ورجال الأرز يخوضون المباريات ضمن التصفيات والمسابقات في دول خارج البلاد.

في لبنان ليس الجمهور جمهوراً ولا المتيمون باللعبة قادرين على الحضور، تحدد أعدادهم بحجة الدواعي الأمنية، فيما تقام الاحتفالات والمهرجانات بحضور الآلاف ولا مشكلة في ذلك. ملاعب كرة القدم موصدة الأبواب، تحدد معايير كل مباراة بأهواء غير مفهومة، وكأن مباراة كرة قدم ستشعل فتنة داخل البلاد، ثم يأتي اللاعب الذي ينافس في دوري ضعيف المستوى فنيا بحضور عشرات المشجعين ليلعب أمام الآلاف في الخارج من أبناء الوطن أو حتى الخصم. والأمر الذي لن تكون معتاداً عليه سيشكل رهبة وخوفاً لنسبة من اللاعبين وارتباكاً للبعض بسبب الضغط، لا سيما الشباب منهم.

ننتقل إلى الدوري المحلي، الذي يعاني بحكم الظروف الصعبة للملاعب وعدم قدرة اللاعبين حقيقة على التطور، ما بات يدفع من رواتب قد لا يكون خيالياً مقارنة بدول أخرى لكنه بات أفضل من قبل، أولى خطوات التغيير كانت يقظة اللاعبين بضرورة إنهاء "عقود العبودية" أو التواقيع الأبدية والحصول على عقود قانونية تحفظ حقوقهم.

من الصعب حصر مشاكل الكرة في لبنان بعدد من الكلمات والأسطر، فالأمر يحتاج لتخطيط طويل، والبدء بالعمل أكثر على الأكاديميات واهتمام الدولة، وتوقف التدخل السياسي والقسمة الطائفية التي على أساسها تدار اللعبة، على أمل أن يأتي يومٌ نرى فيه أشخاصاً درسوا اختصاصات اللعبة من كافة جوانبها في مركز القرار.

المساهمون