"أنا لا أؤمن كثيرا بالحظ، فقط أركز على العمل الجاد والاجتهاد حتى النهاية". يلخص الشولو دييغو سيميوني فلسفته في كرة القدم، ليترجمها فعليا داخل أرضية الملعب مع كتيبة الروخيلانكوس، خلال تجربته الكروية التي نالت استحسان الجميع، لدرجة أن حساب برشلونة الرسمي أرسل تهنئة سريعة بعد المباراة إلى الفريق الفائز، لأنه يستحق الصعود وبكل تأكيد علامة الجودة في الطريق إلى نصف نهائي الشامبيونز.
شوط أول مثالي
لعب أتليتكو مدريد بذكاء غير طبيعي في الشوط الأول، مع غياب توريس، راهن سيميوني على كاراسكو وغريزمان في خط الهجوم، مع كوكي، أوغستو، جابي، وساؤول نيغويز في المنتصف، رفقة رباعي الدفاع الأخير، في تطبيق صريح لخطته المفضلة، 4-4-2 الضيقة التي تغلق الملعب بالطول والعرض أمام فرق الاستحواذ.
ولم يضغط أصحاب الأرض بقوة في البداية، كما حدث في سيناريو 2014، لكنه بدأ بهدوء وثقة، مع إغلاق مناطقه جيدا، والتضييق الكامل على مفاتيح لعب برشلونة في الثلث الهجومي الأخير، في انتظار الخطأ المتوقع من دفاعات الكتلان، واستغلال أبرز نقاط ضعف الفريق في الحالة الدفاعية، بالتحديد منطقة أسفل الأطراف، أمام وخلف ثنائي الأظهرة، داني ألفيش وجوردي ألبا.
ساؤول
ساؤول نيغويز هو كلمة السر في الحالة الهجومية، الأمر لا يتعلق أبدا بأسيست الهدف، ولكن في تحركات اللاعب وتمركزه في نصف ملعب برشلونة، حيث تجده باستمرار يتحرك بشكل عمودي في أنصاف المسافات، أمام ألبا وخلف إنييستا، ويدخل دائما في الصراعات الهوائية أمام أضعف لاعبي الخصم في هذه الخاصية، لذلك صعد ساؤول في 5 مواجهات هوائية، فاز في 3 منها، وبعد كل رأسية، تبدأ هجمة خطيرة لفريقه.
رمى دفاع أتليتكو ووسطه كرات طولية عديدة تجاه الجبهة اليسرى لبرشلونة، من أجل التفوق في الهواء، ومن ثم الحصول على التمريرة الثانية، وحتى في حالة فقدانها، يستطيع الفريق استرجاع الكرة بسهولة، عند الضغط على الحد الجانبي من الملعب، أضعف أماكن أي فريق في الدفاع، لذلك يتلخص الهدف الأول في هذا الفكر التكتيكي، من خلال إجبار ألبا على لعب تمريرة خاطئة، ومن ثم الحصول على الكرة، ولعب عرضية متقنة على رأس غريزمان، الضغط المرتد أو "الكونتر برسينغ" كما يقول الكتاب.
أتليتكو يهاجم من اليمين بنسبة تتعدى النصف
أين ليو؟
لم يظهر ليونيل ميسي كثيرا خلال المباراة، والإحصائية الغريبة العجيبة أنه لم ينجح في تسديد أي كرة على مرمى أوبلاك، وفق ما أعلنه موقع "أوبتا" للأرقام، ويعود السر إلى الرقابة اللصيقة من الجندي المجهول في كتيبة سيميوني، إنه الأرجنتيني المكوك أوغستو فيرنانديز، اللاعب الوافد من سيلتا فيغو، والارتكاز الذي أضاف بعدا عميقا إلى وسط الأتليتي، من خلال مساندته للكابتن جابي باستمرار، وميله الدائم إلى الاقتراب من ليو كلما استلم الكرة.
تمركز فيليبي لويس على اليسار أكثر، لذلك كانت معظم انفعالاته الدفاعية بمحاذاة الخط الجانبي، وعندما يحصل ميسي على الكرة، ويدخل في العمق من أجل تمريرة بينية إلى سواريز أو نيمار، ينطلق معه أوغستو الذي نجح في عمل 4 عرقلات مشروعة، مع أكثر من افتكاك ولعبة هوائية، معظم هذه الألعاب في منطقة العمق، حيث يستلم ميسي معظم كراته.
تغييرات إنريكي
قرأ لويس إنريكي الشوط الثاني بطريقة جيدة، وسارع في إجراء تغييرات منطقية، سيرجيو روبرتو مكان ألفيش السيئ، وتوران محل راكيتيتش المختفي تماما، مع تمديد الملعب بشكل عرضي، عن طريق توران وإنيستا على الأطراف، بمساعدة من ميسي وبوسكيتس في منطقة العمق، من أجل خلق الفراغ اللازم لاستلام أظهرته للكرات، وهذا ما حدث في معظم هجمات برشلونة في الشوط الثاني.
تفاعل سيميوني في المقابل كان في الحدث، بسحب كاراسكو وإشراك الشاب الصغير توماس، ليتحول من 4-4-2 إلى 4-5-1، بتواجد غريزمان فقط في الهجوم، مع إضافة لاعب حر في المنتصف، من أجل الوقوف أمام هجمات برشلونة على الأطراف، لتتحول المباراة إلى سجال، هجمة هنا وأخرى هناك، هكذا أراد الفريق المضيف، لأنه يتفوق بوضوح في مسألة "الفوضى" التي أجبر خصمه على الدخول فيها، لتتراجع الفرديات والمهارات في حضرة اللعب العنتري القائم على الجهد والقوة البدنية.
حائط البطولات
أتليتكو مدريد هو "أمتع" فريق دفاعي في أوروبا، مقولة لا ترتبط بفوز أو خسارة، بقدر مزجها مع طريقة الدفاع التي يطبقها سيميوني ورفاقه، من خلال التحكم شبه الكامل في الفراغات، وإجبار منافسيه على اللجوء إلى الحلول الفردية، لأن الطريق إلى مرمى أوبلاك مغلق، نتيجة تواجد غودين المميز في التشتيت، ولوكاس البارع في التغطية، مع فيليبي لويس الذي يحفظ واجباته عن ظهر قلب، رفقة فران الممتاز على الخط، وبقيادة جابي لاعب الارتكاز الدفاعي على الطريقة القديمة.
وبالطبع هذا النجاح يُحسب لمدربهم سيميوني، الذي جمع كل هذه المهارات الدفاعية الفردية، وأوجدها داخل منظومة جماعية لا تتوقف، جعلت هذا الفريق ينجح في إقصاء عمالقة برشلونة في مناسبتين بآخر ثلاث سنوات، ليؤكد أن هذه اللعبة لا تعترف إلا بالجهد.
لمتابعة الكاتب