برشلونة...الطريق لتسيد الكامب نو يبدأ من المدرجات

10 يناير 2015
+ الخط -


"الرحيل للفشلة، اتركوا النادي بلا رجعة، فان جال أنت الأسوأ، لا نريدك أيها الديكتاتور، ولا نطيق من اختارك وأعادك مرة أخرى إلى كامب نو، ملعبنا ومعقلنا الذي جعلته مستباحا أمام كل المنافسين، أنتم دمرتم هذا الفريق، جعلتم معشوقتي في حالة يُرثى لها، عليكم اللعنة حتى ترحلوا، بلا رجعة"، كلمات غاضبة قالها أحد المشجعين أمام بوابة الكامب نو، ليلة 15 ديسمبر/كانون الأول 2002، بعد الخسارة الكبيرة لبرشلونة أمام إشبيلية بثلاثة أهداف مقابل لا شيء، ضمن الأسبوع الرابع عشر من الدوري الإسباني.

من الممكن مشاهدة هذه اللقطة في أي ملعب وداخل أي مدينة، حزن عادي بعد الهزيمة، وتفريغ سريع لشحنات الغضب الناتجة عن سوء الطالع وتدهور المستوى، لكن مع برشلونة الأمر مغاير والوضع مختلف، لأن النادي له قواعده الخاصة وتقاليده المختلفة، لذلك كانت ردود أفعال الجماهير دائماً لها صدى واسع وعمق مختلف، والتاريخ شاهد.


الغضب الساطع
انفجرت الأوضاع داخل القلعة الكتالونية سريعاً، وزادت الضغوط على الرئيس جوان جاسبارت، الرجل الذي يعشق برشلونة أكثر من أي شخص آخر، والإداري القديم الذي رمى نفسه فرحاً في نهر التايمز، احتفالاً بالفوز التاريخي للأزولجرانا ببطولة دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى عام 1992 في ويمبلي، لكن كل هذا الحب والولع لم يشفعا له حينما تولى مقاليد إدارة النادي في أوائل الألفية الجديدة.

جاء جاسبارت محملاً بآمال عريضة وأمنيات لا تنتهي، البرسا هو النادي المتسيد لكرة القدم الإسبانية خلال حقبة التسعينيات، لكنه يعاني كثيراً في بطولات الشامبيونز، اللعنة التي جعلت لويس فان جال يقول عبارته الشهيرة في صيف 2000 أمام الصحافيين في الغرف الإعلامية، "أصدقائي الذين لا توجد بيني وبينهم علامات الود، أودعكم ويسعدني أن أبلغكم برحيلي".

ومن المطالبة بالريادة الأوروبية إلى الوقوع في أعمق طبقات الفشل، بداية من خطف الغريم اللدود لأبرز لاعبي الفريق، لويس فيجو يدفع الشرط الجزائي ويهرب سريعاً إلى سانتياجو برنابيو، مروراً بخسارة الألقاب المتتالية محلياً وأوروبياً، نهاية بتغيير المدربين كل عام، حتى عودة الخال الهولندي مرة أخرى إلى برشلونة، ليضع جاسبارت نفسه ومجلس إدارته والجهاز الفني بالكامل، في موضع الند والخصم لمعظم أنصار الأحمر والأزرق.


ما أشبه الليلة بالبارحة!

مدرب لا يطيق ذلك النجم، ويقولها علانية وصريحة، لن يلعب طالما أنا موجود، ويعاني الفريق تحت قيادته من سوء النتائج، والإدارة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، مجموعة أسماء غير قادرة على الحسم، وفاشلة تماماً في حماية اسم النادي بالخارج، لذلك صار معظم لاعبي الفريق عرضة للشد والجذب في مختلف وسائل الإعلام.

البعض سيتوقع أن العبارات السابقة تصف حال برشلونة الآن، لكن المناسبة تعود إلى فترة 2002-2003، الفريق الذي عانى كثيراً مع فان جال وجاسبارت، حتى انتفضت الجماهير وطالبت برحيل الجميع، ودون رجعة. وكانت مباراة إشبيلية هي الفاصلة، انتهت 2002 مع مشاكل لا تعد ولا تحصى، ليأتي يناير/كانون الثاني 2003 ويرحل لويس فان جال بعد أن تسبب في مزيد من المشاكل التي ساهمت في رحيل ريفالدو، الأيقونة الأهم للجيل القديم.

والأمر لم يتوقف على ذلك، بل تم إجبار الرئيس جاسبارت على الاستقالة، مع وعد بجمعية عمومية غير عادية في مايو/أيار 2003، مع تحول كل المهام إلى نائبه، السيد انريك رينا مارتينيز، لكن الضغط استمر ليولد انفجارا من نوع آخر، ويرحل مندوب الإدارة مع استمرار الطوفان الجماهيري، ليتولى السيد جوان ترايتر مسؤولية تسيير أمور النادي حتى انعقاد الانتخابات في يونيو/حزيران 2015، لتفوز جماعة الفيل الأزرق بقيادة لابورتا وروسيل ودعم كامل من يوهان كرويف.

الجمهور دائماً على حق
جمهور البرسا له طقوسه الخاصة، ويُعرف دائماً بمزاجيته القادرة على كسر أي قاعدة صلبة، إنهم الأنصار الذين يرفعون المناديل البيضاء في وجه من لا يعجبهم، ويملكون السر الأساسي في مسألة تعيين أو إقالة أي مدرب أو إدارة، مهما كانت درجة قوتهم وعمق اسمهم، إنه النفوذ في أقوى درجات تعصبه.

تيري فينابيلز، المدرب الإنجليزي الشهير والرجل الذي قاد البرسا خلال فترة الثمانينيات، وحقق بطولة الدوري وكأس الملك، لكنه لم يتمكن أبدا من اختراق قلوب شعب كامب نو، بسبب إحضاره النجوم الإنجليز ومحاولته طبع أسلوب لعب البرسا على طريقته الخاصة، لذلك رحل بعد أول سقوط مدوٍ بعد الخسارة أمام داندي يونايتد بكأس الاتحاد الأوروبي.

بوبي روبسون هو الآخر نال قسطا من المزاجية الجماهيرية، السير الذي أتى بعد معشوقهم، يوهان كرويف، الهولندي الذي أحبه الكتلان أكثر من أبنائهم، والأسطورة التي نادت طفلها باسم "جوردي" تيمناً بأشهر قديس في أراضي المقاطعة. ورغم أن روبسون حاول صنع شيء وفاز بكأس الملك وكأس الكؤوس الأوروبية، لكنه حاول تغيير طريقة اللعب والاعتماد أكثر على ثنائية المحور، لتتوتر العلاقة سريعاً بينه وبين المشجعين، ويرحل بعد موسم واحد فقط.

نونيز رئيس النادي لمدة 22 عاما، رحل في أواخر التسعينيات بسبب الغضب الجماهيري، ورغم أنه ضمن القائمة التي فازت ببطولات عديدة مع برشلونة، إلا أن اختياراته الخاطئة في النهايات ورهانه الدائم على فان جال، وخلافه القديم مع كرويف، أمور عجّلت برحيله، لأن الكامب نو تربّص به ولم ينس أبداً أنه الرجل الذي تسبب في رحيل يوهان، ليضع نهايته سريعاً ويطرده بعيداً عن النادي.


عودة للحاضر
لويس إنريكي له معزة خاصة في قلوب مشجعي البرسا، اللاعب الذي قال لا في وجه من قالوا نعم، وترك جنة مدريد بمحض إرادته لينتقل إلى برشلونة ويصبح أحد النجوم الكبار في تاريخ النادي، لذلك أحبه جمهور كامب نو وعاملوه بشكل مختلف طوال سنواته مع الأحمر والأزرق، لذلك اختارته الإدارة الحالية ليكون واجهة قوية أمام الغاضبين من طريقة تفكيرهم داخل وخارج كتالونيا.

وهنا حدث الصدام بين مدرب عنيد ومتسرع كثيراً عاش نفس المشاكل من قبل في روما، حتى رحل سريعاً دون بصمة تُذكر، وفي طريقه هذا العام لتكرار نفس النهاية الأليمة، رغم أنه جاء مدعماً بحب المشجعين، لكنه استمر في طريقه دون بصمة حقيقية، ليخذل جميع من وقفوا معه منذ قدومه، حتى جاءت السقطة الكبرى، بعد أن غضب عليه ليونيل ميسي، الديكتاتور المحبوب داخل جمهورية برشلونة.

لوتشو صاحب شعبية لا بأس بها، لكن حينما يتعلق الأمر بالأرجنتيني رقم 10، فالمقارنات غير صالحة للنقاش أبداً، لأن ليو هو الحاكم الآمر داخل غرف الملابس، ورأيه أهم من جميع قادة الفريق، ويضعه الجمهور في منزلة خاصة للغاية، لذلك قرر بارتوميو سريعاً إجراء انتخابات مبكرة بالصيف القادم، بعد إشارة سريعة من إصبع ميسي الذي اختار متابعة تشيلسي على أحد مواقع التواصل الاجتماعي.


المفتاح في المدرجات
يؤمن غالبية المتابعين أن ميسي هو السبب الرئيسي في تقديم موعد الانتخابات، وإذا أراد الرقم 10 استقالة بارتوميو، سيقوم الرئيس الحالي بتقديمها على الفور، لأنه يعلم جيداً مدى نفوذ الأرجنتيني داخل النادي، لكن السر في النهاية ليس في يد ليو، بل داخل مدرجات كامب نو، الركن المنسي في القضية، والعنصر الوحيد القادر على توجيه سلاحه الفتّاك ضد من يُغضبه، حتى لا تُرفع المناديل.

جمهور بارسا يعشق ميسي، الأمر ليس فيه تقليل من قيمة النادي، لأن نفس هذا الجمهور هو الذي وافق على بيع رونالدينيو بكل سهولة، ولم يصنع ثورة حينما رحل ريفالدو، وكره فيجو من الوريد للوريد بعد انتقاله إلى مدريد، لكن ميسي أمر مختلف، إنه جزء لا يتجزأ من هذا النادي من وجهة نظر عشاقه، وقطعة أساسية في سجلات الفخر بتاريخ البلاوجرانا في كتب كرة القدم.

اختلف ميسي كثيراً مع جوارديولا، واحتفظت أسماء مثل بيبي كوستا بموقعها في الجهاز الفني بسبب شيء واحد فقط، أنهم اصدقاء ليو، ومع معرفة جمهور برسا أن هذا الأمر يمثل نقطة سلبية من الصعب نفيها، إلا أن كل هذه النقاط لا قيمة لها في حضرة مزاج النجم الكبير، الذي يصنع أقوى نظريات البهجة بالكامب نو، الراعي الحصري لكافة القرارات المصيرية، والنواة الأساسية لأي تغيير داخل أروقة النادي الكتالوني، لذلك إذا صدقت الأخبار حول غضب ليو من لوتشو، فإن قرار إقالة المدير الفني سيكون قادما لا محالة.

المساهمون