برايان كلوف.. لقد حان الوقت لشكره! (1-2)

11 فبراير 2015
+ الخط -


يدخل معظم المدربين قوائم الأفضل نتيجة النجاحات الكبيرة التي وصلوا إليها خلال عقود طويلة، بينما يصل البعض الآخر إلى قائمة المجد نتيجة الثورات التكتيكية التي ابتكروها مع فرقهم التي لا تتكرر كثيراً، ويتواجد السير أليكس فيرجسون ومورينيو وبعض الأسماء الإضافية في الجهة الأولى، بينما يتألق الثنائي أريجو ساكي وبيب جوارديولا وآخرون في المقابل، وبين الفريقين، يوجد مدرب دخل التاريخ من أغرب أبوابه على الإطلاق، إنه الانجليزي غريب الأطوار، برايان كلوف.

الرجل الذي فاز طوال مسيرته التدريبية ببطولتين للدوري مع فريقين مختلفين، وبطولتين لدوري الأبطال في النسخة القديمة، بالإضافة إلى بضعة كؤوس أخرى خلال سنوات طويلة بدأت منذ منتصف الستينات حتى أوائل التسعينات تقريباً، لكنه حجز لنفسه مكاناً أصيلاً بين العمالقة، لأنه انتزع النجاح من فم الكبار، وكتب أروع قصص الابداع مع فرق الظل، ليصبح أول مدرب يجعل من "الكومبارس" بطلاً أول يستحوذ على كامل أغلفة وعناوين الصحف البريطانية.

الاختلاف قرار
في استفتاء "الايسبن" الأخير الخاص بأفضل مدربي كرة القدم على مر التاريخ، زادت المنافسة واشتعلت بين مختلف الأسماء، وكان التصويت من نصيب أفضل الكتاب المختصين بشئون وخبايا اللعبة، لذلك حصل السباق على تقدير واحترام من جميع فئات الجماهير، وكانت النتائج شبه متوقعة، باستثناء حصول كلوف على المركز الثالث رغم قلة عدد البطولات التي فاز بها طوال مشواره.

مثَّل برايان الشخصية الانجليزية التي يريدها الجمهور بعد الحروب المتتالية، إنه رجل له كاريزما خاصة وعقلية قوية فائزة، يعرف كيف يتحدث ويجيد خطف الكاميرات من الجميع، ويُعرف عنه لهجته الحادة وكلماته التي تصيب خصومه من العمق، لذلك كان كلوب أول محاولة حقيقية لسحب بساط الاهتمام من اللاعبين، ونقله إلى الخارج حيث يتواجد المدراء الفنيون.

شخصيته التصادمية جعلت الاتحاد الانجليزي لكرة القدم يرفض وجوده على رأس الجهاز الفني للمنتخب العريق، ورغم ابتعاد الفريق عن منصات التتويج بعد مونديال 1966، وبزوغ نجم كلوف خلال حقبة السبعينات من القرن الماضي، إلا أن هجومه الدائم على المسؤولين وانتقاده اللاذع لمعظم القرارات الفنية، جعلته أحد المغضوب عليهم طوال مسيرته داخل الملاعب البريطانية.

الصديق والرفيق
مهنة المدير الفني ليست بالسهلة، لذلك تحتاج دائماً إلى أكثر من اسم في قائمة الجهاز المعاون، والمدرب الكبير هو الذي يعرف كيف يختار مساعديه، وإذا نظرنا إلى مختلف الأسماء الناجحة حولنا، سنجد أن جوزيه مورينيو يدين بكثير من الفضل إلى مساعده روي فاريا، بينما وصل جوارديولا إلى قمة العالم رفقة صديق عمره تيتو فيلانوفا، ويتواجد المدرب لويس فان جال في أي مكان مع طاقم تدريبي طويل ودكة فنية تعادل نظيرتها الخاصة باللاعبين خارج الخط.

وبرايان كلوف كان بحق سابقاً لعصره، وآمن مبكراً بفكرة الرجل الثاني، ووصل إلى قمة نجاحاته نتيجة اختياره العبقري الخاص بوجود صديقه "دافيد تايلور" على الخط بجانبه، كمساعد له ومدرب عند الحاجة وكشاف لاعبين من العيار الثقيل، إنها المهنة التي تشبه الآن وظيفة المدير الرياضي، لذلك كان المشروع النجاح بمثابة التعاون بين المدرب كلوف والمدير الرياضي تايلور، مع مختلف الفرق طوال الرحلة.

تولى تايلور مهام اللاعبين خلال غياب كلوف، وكان بارعاً بشكل كبير في مسألة اختيار الأسماء الجديدة، لذلك مع كل حقبة جديدة للمدرب، يجلس الثنائي معاً ويختار المجموعة التي يجب أن ترحل، لتحل محلهم مجموعة أخرى من خارج أسوار النادي، ليُدخل كلوف وتايلور فكرة الإحلال والتجديد في كامل ملاعب انجلترا خلال فترة السبعينات من القرن العشرين.

أتليتكو مدريد؟
أكبر قصة حب في حياة المدرب الأرجنتيني مدينة بيونس آيرس، العاصمة التي خطفت قلبه من النظرة الأولى، لكنه يؤكد أن مدريد فيها أشياء من معشوقته القديمة، وهو شخصياً لا يعرف لماذا، عاش في روما وميلانو وأكثر من مدينة، لكنه يرتاح بجوار "الفيثتني كالديرون"، ربما هي تلك اللحظة الرومانسية وسرّها الغامض.

وبالتالي حينما تولى دييجو سيميوني تدريب فريق أتليتكو مدريد، توقع الجميع فشله خصوصاً أنه سينافس العملاقين، برشلونة وريال مدريد في أقوى قدرة تنافسية ممكنة، لكن الرجل آمن بحلمه منذ البداية وصنع فريقاً فائزاً، ولم يكتف بدور الوصيف بين الثنائي الكبير، لكنه خطف بطولة الليجا نهاية الموسم الماضي، في مفاجأة من العيار الثقيل وصفها البعض بأنها معجزة القرن الواحد والعشرين في اسبانيا.

ونعود إلى انجلترا بعد جولة في الملاعب الاسبانية، لنتحدث عن أول معجزة كروية بالمعنى الحرفي للكلمة، حينما فاز فريق صاعد للتو ببطولة الدوري الانجليزي الممتاز، ديربي كاونتي يفجر القنبلة تحت قيادة مهندس الانتصارات، برايان كلوف يضع قدمه أخيراً على أولى درجات سلم المجد البريطاني.

ديربي كاونتي
بدأ كلوف مسيرته التدريبية مع نادي هيرتبول القابع في الدرجة الأدنى، فريق صغير ومتواضع ولا يعرفه أحد، وحقق معه خلال عامين نتائج جيدة، لم تصل إلى القمة ولم تنحدر إلى القاع، ليتركه ويبدأ أولى خطوات صاعقته التدريبية، ويذهب إلى ديربي كاونتي، ويخطو بثبات إلى أول درجات سلم المجد.

هل لك أن تتخيل مسيرة فريق يلعب في دوري الدرجة الثانية بإنجلترا، وخلال أقل من خمس سنوات، يصبح هذا الفريق بطل الدوري الانجليزي الممتاز لكرة القدم، شيء أشبه بالمستحيل؟ بكل تأكيد ستكون الإجابة الأولى هي نعم مستحيل، لكن مع برايان كلوف، كان الأمر مختلفاً، لأن ديربي كاونتي صعد للدوري بعد عامين فقط، وحصل على بطولة الدوري بعد عامين آخرين، أي بدأ المدرب مهامه في عام 1967-1968، وفاز ببطولة الكبار موسم 1971-1972.

حقق ديربي في موسمه الأول مع برايان نتائج عادية، وحصل الفريق على موقع ضعيف بالدوري، لكن هذا الأمر لم يكن غريباً عليهم، فإدارة الفريق تعاقدت مع المدرب من الأساس حتى يمنع السقوط إلى الدرجة الثالثة، وهذا ما نجح فيه في نهاية الموسم، لكنه لم يرض بالفتات وأصر رفقة تايلور على تدعيم النادي وتحسين قدراته، لذلك تعاقد الثنائي مع أسماء بقيمة ديف ماكاي، جون ماكجوفرين، وروي ماكفارلاند.

المفاجأة
وسرعان ما أتت النتائج سريعاً، لأن ديربي أصبح أقوى بوجود لاعبين ناجحين، بالإضافة إلى القدرات التكتيكية المحترمة لمدربه، لذلك امتاز الفريق بالتنظيم والسرعة والقدرة على حسم المباريات المعقدة، ليتصدر البطولة ويصعد إلى الدوري الممتاز، ويلعب أولى جولاته مع الكبار في موسم 1969-1970.

حصل كاونتي في هذا العام على المركز الرابع بالمسابقة، وقدم نفسه كحصان أسود جامح في الملاعب، وفريق يناضل من أجل تحدي الكبار حتى صافرة الحكم، ونال الفريق إعجاب المدرب "دون ريفي" قائد فريق ليدز يونايتد، والرجل الذي سعى كلوف دائماً للتعلم منه والتغلب عليه، خصوصاً أنه كان بمثابة قدوة ومثل أعلى له طوال فترة شبابه.

ليأتي الفرج في موسم 1971-1972 ويحقق ديربي كاونتي البطولة الانجليزية، ويحصل الفريق المتواضع على اللقب للمرة الأولى في تاريخه بفارق نقطة واحدة عن العملاق ليفربول والجيل التاريخي لليدز يونايتد، ليحاول بعدها الانتقال بالمجد إلى أوروبا، لكنه يفشل في النهاية مع ديربي، ليجده في مكان آخر بعيد تماماً، حيث يتواجد أغرب بطل في تاريخ دوري أبطال أوروبا، توتنجهام فورست.

المساهمون