أصبح حضور المدربين التونسيين في مختلف الدوريات العربية الكبرى، لافتاً، ومن أبرز تجلياته، أخيراً، تعاقد نادي الرجاء المغربي مع المدرب التونسي لسعد الشابي، ما أثبت المكانة التي تتميز بها المدرسة التونسية بعدما أصبحت المنافس الأول لعديد الجنسيات الأوروبية. رهان الرجاء على مدرب تونسي لم يسبق له تدريب أيّ من الرباعي الكلاسيكي القوي، يقيم الدليل على أنّ هذا المدرب نجح من خلال فرض طريقة لعب واضحة مع الاتحاد المنستيري في إقناع الجميع بمهاراته.
ولا يكاد أي من الدوريات العربية الكبرى، يخلو من الحضور التونسي في أعلى مستوى، ذلك أنّ الأرقام تثبت هذا المعطى، ومنها أنّ الجولة الأولى من منافسات دوري أبطال أفريقيا في نسخة 2020ـ2021، شهدت حضور ثلاثة مدربين تونسيين في فرق غير تونسية، إذ قاد المدرب معين الشعباني الترجي الرياضي، وأشرف فوزي البنزرتي على الوداد المغربي، في وقت قاد فيه نصر الدين نابي المريخ السوداني.
وقبل عام، نشر "مرصد كرة القدم" تقريراً عن أبرز جنسيات المدربين خارج بلدانهم، فحلّ المدربون التونسيون في المركز الأول على الصعيد العربي، كذلك احتلوا المركز الـ 21 في العالم، لجهة أكبر عدد من العاملين في بطولات أجنبية.
وكان المنتخب التونسي قد راهن في معظم مسيرته على المدربين المحليين، وأول تأهل إلى كأس العالم اقترن بأول انتصار عربي وأفريقي عام 1978، كان المدرب عبد المجيد الشتّالي مشرفاً خلاله على المنتخب التونسي، وآخر تأهل في 2018، كان خلاله نبيل معلول مدرباً، وقاد المنتخب التونسي إلى تحقيق أول انتصار بعد 40 عاماً من الانتظار.
ويزداد الإقبال على المدرسة التونسية التدريبية بدليل وجود مدربين تونسيين على رأس أندية الوداد والرجاء، ذلك أنّ فوزي البنزرتي يعتبر من المدربين القلائل في العالم الذين نجحوا مع قطبي الكرة في المغرب، وتعاقد الرجاء مع الشابي كان نتيجة تألق هذا المدرب مع الاتحاد المنستيري محلياً، واقترابه من هزم الرجاء في كأس الكونفيدرالية. وللفريقين مكانة خاصة في المغرب كما على الصعيد العربي، ويعتبران من أفضل الفرق، بشهادة أرقامهما. لذلك، إنّ وجود المدربين التونسيين يعتبر حدثاً مميزاً.
ورغم ضمّ دوري نجوم قطر نخبةً من أبرز مدربي العالم، فإنّ سامي الطرابلسي هو المدرب العربي الوحيد الذي صمد خلال السنوات الأخيرة، إذ حافظ على خطته في تدريب السيلية منذ 2013، وقاد هذا الفريق إلى نجاحات تاريخية. وقبل أربعة مواسم، انطلقت منافسات دوري نجوم قطر بوجود أربعة مدربين تونسيين، هم ناصيف البياوي، وسامي الطرابلسي، وعادل السليمي، وقيس اليعقوبي.
كذلك إنّ حضور المدرسة التونسية في السعودية يعتبر قياسياً، بما أنّ يوسف المناعي يواصل للعام الثاني تدريب نادي القادسية، الذي قاده إلى العودة إلى دوري الأضواء، وسار على منوال عبد الرزاق الشابي الذي قاد نادي أبها إلى إنجازات غير مسبوقة خلال العام الماضي مع فريقه الذي صعد للمرة الأولى إلى الدرجة الممتازة. وخلال بداية موسم 2019ـ2020، كان أربعة مدربين تونسيين في خط الانطلاق للدرجة الممتازة السعودية، أي ربع المدربين.
وتحضر المدرسة التونسية، بأرقام قياسية في دوري الدرجة الأولى السعودية، إذ أن أكثر من نصف الفرق يقودها مدربون تونسيون، من بينهم الحزم الذي يشرف عليه محمد دحمان وكان من أول الصاعدين إلى قسم النخبة.
وانتقل المدرب ناصيف البياوي بين عديد الدوريات العربية، ليحطّ الرحال أخيراً في الدوري الإماراتي، بما أنّه يقود نادي الفجيرة، بعدما خاض تجارب سابقة في قطر والسعودية والبحرين.
ويعيش نادي وفاق سطيف الجزائري، مرحلة زاهية منذ تعاقده مع نبيل الكوكي الذي ساعد الفريق على أن ينتقل من اللعب من أجل تفادي النزول إلى المنافسة على الألقاب. وتحول الكوكي إلى ظاهرة في الجزائر نتيجة النجاحات الكبيرة التي حققها، وقد سبق له العمل في السودان والبحرين من قبل، وحقق نجاحات كبيرة.
ومنذ عودة الفرق الليبية إلى النشاط الرسمي، فإن الإقبال على المدرسة التونسية ما انفك يتزايد، إذ يتولى أنيس البوسعيدي الإشراف على السويحلي بعدما درب جلال القادري الأهلي خلال بداية الموسم.
وإضافة إلى الأسماء التي تقود فرقاً قوية، يقود المدرب نبيل معلول المنتخب السوري منذ قرابة عام، وذلك بعدما درب سابقاً المنتخب التونسي، وكذلك المنتخب الكويتي.
هذه الأسماء تثبت ميل الفرق العربية إلى التعامل مع المدربين التونسيين، باعتبار أنّ الحضور التونسي يعتبر الأهم في مختلف الدوريات العربية الكبرى، من دون نسيان الأسماء التي تعمل في أوروبا مثل راضي الجعايدي أو مهدي النفطي. وبالنسبة إلى الإدارة الفنية التونسية التابعة للاتحاد التونسي لكرة القدم، فإنّه يصعب حصر الأسماء التي تعمل خارج تونس، لكنّ العدد قد يصل إلى 800 مدرب بين المديرين الفنيين، ومدربي الحراس، ومدربي اللياقة والإعداد البدني، ومدرسي الألعاب الرياضية.
"النجاح يجلب النجاح"... من الواضح أنّ هذه المقولة تعتمدها الفرق العربية، فنجاح بعض الأسماء يرفع من أسهم المدرب التونسي ويشجع الفرق على التعاقد معه، ومدرب مثل فوزي البنزرتي كان مرشحاً بقوة لتدريب عديد الفرق العربية المعروفة بما أنّه ينجح في كلّ محطة من محطاته، ويكفي هنا التوقف عند عدد المدربين التونسيين في الدرجة الأولى السعودية التي تعرف حضوراً تونسياً قياسياً.
ومن بين أسباب الإقبال على المدرب التونسي، تأهيله وتكوينه الجيّدان، بما أنّ الاتحاد التونسي ينظم دورات تكوينية متواصلة، بل إنّ عدداً كبيراً من اللاعبين يحصلون على شهادات التدريب قبل نهاية تجربتهم الرياضية. وهذا التكوين لا يقتصر على تحصيل الشهادات العلمية، بل أيضاً المشاركة في دورات خارجية عدة تساعد المدرب في كسب المزيد من المهارات.
ومعروف عن المدرب التونسي قوّته من الناحية التكتيكية، من خلال السعي إلى فرض طريقة تتماشى مع خصوصية اللاعبين. فالمدرب فوزي البنزرتي اشتهر عربياً بأنّه المدرب الذي يميل إلى فرض الضغط العالي على منافسه، وهي طريقة مكنته من معانقة النجاح في كلّ المحطّات التي مرّ بها. كذلك إنّ انتشار معاهد الرياضة في تونس ساعد في تكوين أسماء عدة وبروزها، إلى جانب قدرة المدرب التونسي على التأقلم مع مختلف الدوريات، رغم ما فيها من اختلافات.