المثلثات الخططية فكرة هولندية تضرب الملاعب الإنجليزية

24 مارس 2015
+ الخط -
"فرق قليلة جداً التي أسرت قلبي وعقلي وكل جوارحي بمجرد مشاهدتها، بالثورة الكروية التي تجذب مريدي اللعبة، بالمهارات الفردية الغزيرة في كل خط، رفقة الجودة الجماعية التي تجعل وحدة الفريق أمرا أقرب للغاية، مع سهولة البناء من الخلف، وانسيابية خروج الكرة إلى الأمام، بالإضافة إلى تنوع الأداء من العمق إلى الطرف، مروراً بسرعة الأجنحة وقدرتهم على التشابك الإيجابي مع زملائهم بالوسط، لتكوين قالب فني رفيع المقام من الصعب مقاومته".

إعجاب شديد
يتحدث بيب جوارديولا في حوار قديم عن فريق أياكس التسعينيات، المجموعة التي غيّرت الكثير من مفاهيم اللعبة عند الفيلسوف الكتالوني، بسبب التحرك معاً ككتلة واحدة في الدفاع والهجوم، مع تحمل مخاطر الزيادة العددية في الفراغات سواء بحالات الدفاع أو الهجوم، خصوصاً أن المجموعة كلها كانت شابة وصغيرة في السن، تحت قيادة المدرب الذي وصفه بيب بأنه أفضل تكتيكي عمل معه، إنه الخال الهولندي لويس فان جال.

هذا الفريق، والكلام على لسان بيب، أراد ونفذ في آن واحد، ونجح أياكس في اللعب بتضحية كبيرة من أجل الفوز، وإنجاز المهام التكتيكية لمدربهم، بتنفيذهم لأفكار التمركز والحيازة بعبقرية سليمة، لأن العبرة ليست فقط في الاحتفاظ بالكرة، بل في حجز المكان المناسب لتضييق الخناق على الخضم، وإجباره على إعادتها لك من جديد، وهذا ما أتقنه بشدة النادي الهولندي خلال نهايات القرن العشرين.

المثالية الكروية



أياكس التسعينيات مع لويس فان جال، الجيل الذي قدم كرة قدم عرفت باسم "اليوتوبيا فوتبول" كدلالة على المثالية الشديدة والإبداع غير العادي. كانت الأهداف متنوعة إلى حد كبير، هدف يبدأ من الليبرو "داني بليند" والد دالي بليند، وينتهي به في الشباك، تمريرات على شكل مثلث، وتمركز مثالي، يجعل الكرة والمنافس من يتحركون وليس لاعبي أياكس.

شكل الفريق داخل الملعب بالنسبة لفان جال يجب أن يكون توزيعه على ثمانية خطوط. حارس المرمى، ثم الثنائي الدفاعي، والخط الثالث من ثنائي الظهير، مع خط رابع من ثنائي وسط ثم خط خامس للاعب متقدم، يليه الخط السادس للأجنحة الهجومية والخط السابع يوجد فيه المهاجم الصريح أو الرقم 9، مع خط أخير للفراغات الكامنة في دفاعات الخصوم.

ومن هنا تأتي قيمة المثلثات الهجومية لأنك تملك خيارين للتمرير وليس واحدا، حامل الكرة يكون أمامه أو جواره ثنائي يستطيع أن يمرر ويتحرك بكل سلاسة، وهذه المثلثات بمثابة رأس مال المدرب في مسيرته التدريبية، بالإضافة إلى بناء الهجمة من الخلف عن طريق مدافعين يجيدون الزيادة الهجومية، والاحتفاظ بالكرة خلف ارتكاز قادر على لعب دور المدافع الثالث.

بايرن في أوروبا
"مرر ومرر ومرر، ليست الفكرة أبداً في مجرد تدوير الكرة أو الاحتفاظ بها، بل لسحب المنافس، وقتله في مساحات يتركها بإرادته ورغم عنها، من أجل مجاراة الطريقة التي تلعب بها"، 614 تمريرة سليمة خلال 90 دقيقة، والدفع بخمسة مهاجمين دفعة واحدة في تشكيلة أساسية، هذه طريقة اكتساح بايرن لخصمه شاختار في دوري الأبطال.

أمام شاختار، اختار بيب نفس طريقة لعب 4-1-4-1 التي تتحول في حالات الهجوم إلى 3-4-3، وكأنه أعاد استنساخ فكرة أستاذه فان جال مع أياكس. شفايني بالارتكاز فقط، يعود بين قلبي الدفاع، يصبح النظام أقرب إلى 3-7 أي ثلاثة مدافعين، وسبعة مهاجمين، ألابا وريبري من جانب، رافينيا ورودي من جانب، توماس موللر وجوتزه في العمق خلف ليفاندوفيسكي، لذلك لعب بايرن بشكل فيه قدر من المخاطرة والاندفاع، وكوّن المثلثات المطلوبة في كل أرجاء الملعب تقريباً، ليفوز بكل سهولة ويصعد إلى ربع نهائي ذات الأذنين.

البناء من الخلف



فاز مانشستر يونايتد على ليفربول وسط جماهيره بهدفين مقابل هدف في قمة الأسبوع من الدوري الإنجليزي، واستعاد فان جال أفكاره الفنية القديمة، مستفيداً من سلاح المثلثات التكتيكية في أركان الملعب كافة، والتمريرات الماكرة من الخلف إلى الأمام، لكسر ضغط ليفربول، واستفزاز لاعبيه للخروج إلى الأمام، وضربهم في الفراغات أسفل الأطراف.

يعتبر "الريدز" أفضل فريق إنجليزي على مستوى الضغط في منتصف ملعب المنافس، وفهم اليونايتد هذه الحقيقة جيداً، لذلك اعتمد المدرب الهولندي على استراتيجية "قلب اللعب"، بمعنى تركيز التمريرات على جانب واحد من الملعب، ومحاولة جذب لاعبي ليفربول إلى هذا المكان، ومن ثم تمريرة بالعرض إلى لاعب آخر، يليها مباشرة تمريرة ماكرة إلى الأمام، أو طولية إلى لاعبي الهجوم، وبالتالي يركز أصحاب الأرض على اليمين مثلاً، فيتحول اليونايتد سريعاً إلى اليسار بثلاث تمريرات، كما حدث في لقطة الهدف الأول، من جونز إلى فيلايني الذي يمررها إلى هيريرا، ليقوم الإسباني سريعاً بإيصالها إلى مواطنه أمام مرمى مينوليه.

أراد لويس إضافة لاعب من الدفاع إلى الوسط، لذلك صعد بليند كثيراً للأمام، وتحرر فيل جونز من خلفه، ليقوم بدور الممرر البارع من الثلث الدفاعي الأول، ويضمن اليونايتد أفضل وسيلة ممكنة لتخطي ضغط خصمه، وإخراج الكرات بشكل سليم إلى خط الوسط فالهجوم.

المثلثات الهولندية



بدأ اليونايتد على الورق بطريقة لعب 4-1-4-1، لكن مع صعود الأظهرة إلى الأمام، قام مايكل كاريك بدور اللاعب الثالث في الدفاع، هو الارتكاز الذي يقترب من زملائه، يستلم منهم الكرات ويتحرك من أجل فتح زوايا التمرير، مما يجعل الخيارات عديدة أمام كل لاعبي اليونايتد، وبسبب هذه الطريقة، عجز ليفربول خلال الشوط الأول عن تطبيق خاصية "الكونتر برسينج" بقطع الكرات وتطبيق مرتدة قاتلة كعادته.

جونز وسمولينج في الخلف، أمامهما كاريك لصناعة أول مثلث في الملعب، ثم يأتي المثلث الثاني بتقارب كل من كاريك، جونز، بليند، بينما في الوسط يوجد أيضاً كاريك، هيريرا، فيلايني، وهكذا حتى الخط الهجومي الذي وصل إلى ذروة عطائه بوجود ماتا، وهيريرا، وروني على الجانب الأيسر من الملعب، ليتم ضرب دفاعات رودجرز في أكثر من محاولة، خلف الظهير المتقدم مورينو الذي وجد نفسه من دون دعم كافٍ من زملائه، مع تمركز كارثي من جانبه.

المثالية بالنسبة لفان جال تعطي طريقة لعب 4-3-3/ 3-4-3، مع فلسفة المبادرة، واستراتيجية اللعب كوحدة واحدة في الدفاع والهجوم، أمور نجح في تطبيقها مع أياكس، وفشل في إعادتها مع برشلونة، قبل أن يرسم أول معالم بايرن الحديث في رحلته إلى الأراضي الألمانية، والآن ينتظره تحد حقيقي في الأولد ترافورد، حيث لا صوت يعلو فوق صوت العودة إلى منصة التتويج من جديد.
المساهمون