الديكتاتورية وكأس العالم(2): هتلر يقتل "موتزارت" الكرة قبل المونديال

04 يونيو 2014
الرجل الورقة الذي وقف أمام نازية هتلر (تويتر)
+ الخط -

في الثاني عشر من مارس عام 1938 اقتحمت القوات الألمانية أراضي النمسا، وأعلن الزعيم النازي أدولف هتلر انضمامها إلى ألمانيا في عملية دمج عرفت باسم "أنشلوس"، وسعى لطمس أي ملامحٍ تشير إلى استقلالية البلد الصغير، حتى منتخبها لكرة القدم الذي كان يصنف ضمن الكبار آنذاك، وكان مرشحاً بقوة للتتويج بكأس العالم في فرنسا في نفس العام.


ورغم أنّ هتلر كان يكره كرة القدم، إلا أنّه اتبع نصيحة ساعده الأيمن وزير الدعاية السياسية جوزيف غوبلز، حين قال له: "الفوز بمباراة كرة قدم أهم عند العامة من احتلال مدينة".


ولهذا السبب منع هتلر النمسا من المشاركة في المونديال رغم تأهل "فريق الأحلام" للبطولة، واختفى اسم أسطورة كان من الممكن أنّ يقترن باسماء مثل بيليه ودي ستيفانو ومارادونا في سجلات التاريخ، كان يدعى "ماتياس سيندلار".


كان سيندلار الوجه الأبرز في منتخب النمسا وقائده الأول، واكتسب شهرة عالمية بعد تألقه في مونديال 1934 بإيطاليا، وتم تلقيبه بـ"الرجل الورقة" للإشارة الى خفة حركته ورشاقته ومهارته في التوغل بين المدافعين، ولقب ايضا بـ"موتزارت كرة القدم"، لكن هذا النجاح عرقله النازيون، وكتبوا نهاية لاعب عظيم في الملاعب وفي الحياة.


فقبل أشهر معدودة من مونديال 38 قررت الحكومة الألمانية تطعيم منتخب كرة القدم بأفضل اللاعبين لدى النمسا، على اعتبار أنها أصبحت بالفعل مقاطعة تابعة لها، وكان منتخب النمسا وقتها قد خسر أربع مباريات فقط في آخر 50 مباراة خاضها، واضطر ثمانية من نجومه لارتداء قميص ألمانيا في المونديال تحت التهديد.


واحتفالا بتلك المناسبة، تقرر إقامة مباراة ودية بين ألمانيا والنمسا لتوديع منتخب البلد الثانية، وتم الاتفاق على أن يفوز الألمان كرمز للهيمنة والسيطرة على مقاطعة النمسا، غير أنّ سيندلار ورفاقه رفضوا ما خطط له هتلر وعارضوا الهزيمة ليحققوا الانتصار بهدفين دون رد، سجل أحدهما "الرجل الورقي" بعد تلاعب مذل بالمدافعين، رغم صدور أوامر بعدم إحراز أيّ هدفٍ في المرمى الألماني.


كان سيندلار متمسكاً بشرف الانتماء للنمسا، وأبى أيّ محاولةٍ لدمجه مع لاعبي المانشافت، ورفض تأدية التحية النازية أمام هتلر قبل المباراة، وبعد إحراز هدفه توجه إلى مقصورة الملعب التي تضم كبار المسؤولين الألمان، وعلى رأسهم هتلر، وقام بتأدية رقصة احتفال، لم تكن معهودة في تلك الفترة، مما اعتبرته السلطة النازية إهانة وتحديً سافراً لها.


كان سيندلار يعرف أن تلك المباراة هي الأخيرة في حياته، لكنه أدرك ايضاً أنّها مباراة حياته التي سيذكره التاريخ بعدها.


بعد المباراة رفض سيندلار التخلي عن ولائه للنمسا، فإدعى تعرضه للإصابة كي لا يلتحق بالمانشافت في المونديال، ثم ادعى اعتزال اللعب، وبعدما صار رمزا للمقاومة ضد النازية، تعرض للاضطهاد من قبل رجال هتلر، وتم حرمانه من اللعب مدى الحياة داخل وخارج النمسا، ليس فقط ذلك، بل تم منعه من مزاولة اي عمل أو عبور الحدود.


وفي تاريخ 22 يناير 1939 عثر رجال الإطفاء في فيينا على جثة سيندلار داخل منزله برفقة زوجته الإيطالية كاميلا بعد حدوث تسرب للغاز، في حادث غامض وجهت أصابع الاتهام ورائه إلى النازيين.


وادعى أحد زملاء سيندلار في "منتخب الأحلام" أنه وزوجته أقدما على الانتحار عبر الاختناق عمدا بالغاز لتجنب إرسالهم الى معتقلات التعذيب.


استقبل ناديه النمساوي "هيرتا فيينا" عقب وفاته أكثر من 15 الف تلغراف للتعزية، مما تسبب في تعطل حركة البريد في البلاد لستة ايام، وحضر جنازته نحو 40 الف شخص رغم تهديدات نقلهم الى معسكرات الاعتقال، وأطلق اسمه على الشارع الذي كان يعيش به.


ورد الاتحاد الدولي للتأريخ والاحصاء الاعتبار لسيندلار عام 2000 حين منحه لقب "أفضل لاعب في تاريخ النمسا".


وانتقم القدر لسيندلار في المونديال، حيث خسر منتخب هتلر في مباراته الأولى أمام سويسرا وودع البطولة مبكراً.


وبتسليط الضوء على قصة حياة سيندلار، فقد ولد في 3 فبراير 1903 لعائلة يهودية فقيرة، مات والده في الحرب العالمية الأولى وعاش طفولة قاسية، ظهرت موهبته الكروية في شوارع فيينا في وقت مبكر، ونال لقب "الفتى الورقي" منذ صغره، وانضم لهيرتا فيينا في سن الـ15، وقاد الفريق للفوز بكأس النمسا ثلاث مرّات متتالية في أوّل ثلاثة أعوام بمشواره، ولاحقا تألق مع فريق أوستريا فيينا، وسجل طوال مسيرته أكثر من 600 هدف.


في سن الـ23 انضم للمنتخب، ولم يتوقف عن إبهار الجميع بمهاراته، ففي مونديال 1934 سجل هدف الفوز على فرنسا في دور الـ16 (3-2)، كما سجل هدفين في دور الثمانية امام المجر (2-1)، وصنف خلال البطولة كأفضل لاعب في أوروبا، لكن منتخبه خسر في نصف النهائي امام البلد المضيف إيطاليا بعد مؤامرة تحكيمية وضغط من الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني

يُذكر أن ضريح سيندلار يوجد في وسط فيينا، ويزوره عدد كبير من محبيه الذين لم يعاصروه كلاعب، لكنهم عشقوه كمناضل ثوري تحدى هتلر بسلاح كرة القدم.

المساهمون