كل هواة المتعة الكروية في العالم أثنوا على لقطة رياض محرز التي سمحت له بتسجيل الهدف الثاني لمنتخب بلاده أمام زيمبابوي في تصفيات كاس أمم أفريقيا، وكيف قام بترويض كرة هوائية طويلة من بن رحمة والتوغل داخل منطقة العملية، ثم مراوغة المدافع باليسرى والتسجيل باليمنى، وهي الصور التي شكلت الترند رقم واحد في وسائط التواصل الاجتماعي وخلفت ردود فعل وتعليقات مختلفة إلا في بعض "الدكاكين" الإعلامية الجزائرية التي لا يعجبها العجب، وبعض التحاليل الفنية التي اعتبرت الأمر عاديا من طرف لاعب كانت تصفه بالعادي حتى عندما توج بلقب أفضل لاعب في إنكلترا، وتوج بلقب الدوري الإنكليزي مع فريقه المغمور ليستر سيتي، ولم تتردد يوما في التقليل من شأن النجم الجزائري رياض محرز وكل اللاعبين المغتربين، ما خلق جواً من التذمر في الأوساط الجماهيرية والفنية التي لم تستوعب لحد الآن كل هذا الغل على الجيل الحالي.
وسائل الإعلام العالمية والمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، انفجرت كلها تعبيرا عن إعجابها ودهشتها مما فعله رياض محرز لدرجة ترشيح الهدف للفوز بجائزة بوشكاش كأفضل هدف في السنة، ووصفه من قبل المعلقين والمحللين بأنه واحد من روائع الكرة العالمية لهذه السنة، لكن من يوصفون بفلاسفة الكرة في الجزائر، ركزوا بشكل كبير على رأسية أندي ديلور التي جاء إثرها الهدف الأول، ثم ثمنوا تمريرة بن رحمة أكثر من ترويض محرز للكرة ومراوغاته، وذهبوا إلى درجة وصف مدافع زيمبابوي بالساذج والضعيف عوض التركيز على الحركة الفنية فوق أرضية ميدان صعبة وفي ظروف مناخية قاسية، ورغم علمهم بأن رياض محرز فعل نفس الشيء بمدافعين إنكليز كبار في الدوري الإنكليزي ومع المنتخب الجزائري، وسجل قبل هذا الهدف بأيام هدفا في الجزائر أمام نفس الفريق بطريقة عالمية وسط ثلاثة مدافعين زيمبابويين، ويفعل بالكرة ما لا يفعله غيره بشهادة كبار المدربين والمحللين.
حتى رايس وهاب مبولحي لم يسلم من ألسنة الفلاسفة بسبب الهدف الثاني الذي تلقاه رغم تصديه لكرات أخرى خطيرة، ولم يسلم قبله عيسى ماندي وعدلان قديورة وإسلام سليماني وسفيان فيغولي وياسين إبراهيمي، في إطار حملة منظمة كانت موجهة ضد اللاعبين المحترفين وخاصة مزدوجي الجنسية الذين تم التشكيك في وطنيتهم وفي قدراتهم الفنية، لدرجة دفعت بالمدرب جمال بلماضي إلى الرد على مروجي تلك الحملات بوصفهم "بمجرمي السمعي بصري" الذين يشعلون نار الفتنة بين اللاعبين والجمهور بفعل تماديهم في التهكم على نجوم المنتخب واحتقارهم والتقليل من شأنهم، وتحريض الجماهير الكروية عليهم، في وقت لا يتردد المصريون والمغاربة في مدح نجميهما صلاح وزياش في كل الظروف والافتخار بهما حتى عندما أخفقا في التتوج بلقب كأس أمم أفريقيا الأخيرة في القاهرة، وأخفقا قبل ذلك في مونديال روسيا.
في وقت يشهد العالم بتطور أداء المنتخب الجزائري وتحسن مردود اللاعبين ودور المدرب جمال بلماضي في بناء منظومة وهوية لعب افتقدناها منذ زمن، تتفشى السلبية في التحليل وإزدواجية المعايير في التقييم لدى بعض المحللين والإعلاميين في منابر إعلامية جزائرية تتحدث عن كل شيء إلا الكرة. تتحدث عن كل اللاعبين إلا ما يفعله رياض محرز، وكل المدربين دون الحديث عن جمال بلماضي، بل وصل بهم الأمر إلى إصدار أحكام واتهامات في استديوهات تحولت إلى محاكم بدون حضور المحامين والمتهمين والشهود، ومنابر تجد فيها كل شيء إلا لقطات المباريات والتحاليل الفنية والتكتيكية للمباريات، وتجد الانتقاد الهدام عوضا عن تثمين سلسلة 22 مباراة من دون خسارة، وتشجيع اللاعبين على مزيد من الجهد لتحطيم رقم كوت ديفوار بواقع 26 مباراة من دون خسارة في جميع المسابقات.
الجماهير الجزائرية التي لم تعد تجد تفسيرا لهذا التحامل والجحود، صبت جام غضبها في وسائط التواصل الاجتماعي على هؤلاء الذي يأبون مشاركتهم أفراحهم، وأولئك الذين يطلون عليهم كل يوم بوجوه بائسة تعيسة كئيبة، وأحيانا حزينة على ما يحققه زملاء رياض من إبداع منذ مجيء بلماضي، وراحت تلك الجماهير تتساءل عن ردود فعل هؤلاء وأولئك لو كان صاحب هدف محرز الرائع هو ميسي أو رونالدو، وما الذي يجب أن يفعله محرز حتى يصنف لديهم لاعبا متميزا وليس عاديا كما يصفونه، أما السؤال الأكبر فهو كيف ستكون التعليقات والتحليلات عندما يخسر المنتخب الجزائري إحدى مبارياته في المستقبل؟
اللاعبون وقائدهم محرز ومدربهم بلماضي وجماهيرهم الوفية، يدركون حجم التحديات التي تنتظرهم في النصف الثاني من السنة المقبلة وسيواجهونها سويا، أما الذين يأبون مرافقة أفراح شعبهم والارتقاء إلى مصاف كبار العقول والنفوس فيعرفون بدورهم بأن التاريخ سيكتب ويسجل والأجيال الصاعدة ستعرف.