الثأر على الطريقة الكاتلونية من سحرة الكرة الفرنسية

11 ديسمبر 2014
جانب من مباراة برشلونة وباريس سان جيرمان (Getty)
+ الخط -

وضع العملاق الكاتلوني حدّاً للعقدة النفسية الخاصة بمنافسه باريس سان جيرمان، الخصم الذي يجيد دائماً التألق أمام أصحاب الألوان الحمراء والزرقاء، سواء في باريس أو برشلونة، لكن هذه المرة جاء الرد قاسيّاً وواضحاً، مع تألق غير عادي لمثلث الرعب الجديد، ليونيل ميسي وسواريز ونيمار، الذين وضعوا كلمتهم الأخيرة رغم البداية القوية للضيوف بقيادة السلطان السويدي، ليتصدر البارسا مجموعته ويترك المركز الثاني لأمراء العاصمة الفرنسية.

صراع تكتيكي
لعب الثنائي برشلونة وباريس سان جيرمان مباراة فنية من الطراز الفريد، وحاول كل جانب فرض أسلوبه وطريقة لعبه على مجريات اللقاء، والاستفادة القصوى من مهارات النجوم التي أثبتت حضورها القوي على ملعب كامب نو. لذلك اتجه لويس إنريكي إلى وضع نظام خططي يخدم مثلث الرعب الهجومي، بينما فضّل لوران بلان المخاطرة في لعبة التحولات لامتصاص غضب أصحاب الأرض وإرغامهم على التحرك وفق رؤية الرجل الفرنسي، في مباراة استحقت بإيجاز أن تكون قمة دوري الأبطال لهذا العام حتى الآن.

بدأ الضيوف بطريقة لعب 4-3-3 صريحة، عاش بلان أيامه كلاعب في أكثر من بلد، وأخذ فكرة ثلاثي الوسط من برشلونة، مع الدهاء التكتيكي الذي يشتهر به الطليان، لذلك كانت توليفة الوسط عبارة عن فيراتي كارتكاز متأخر لبناء الهجمة، مع تياجو موتا كلاعب وسط دائرة مساند للتسلم والتمرير، بينما ماتويدي هو اللاعب الثالث الأقرب إلى دور "البوكس" دفاعاً وهجوماً، مع تثبيت مورا على الجناح وكافاني كمساعد هجومي مائل، وزلاتان إبرا في العمق، بينما الدفاع كما كان من دون تغيير.

أما لوتشو فاستعاد تصريحه القديم مع بداية توليه مهمة البارسا،"لا أنظر إلى البطولات الآن، المشوار طويل للغاية، لكن سأحاول قدر المستطاع جعل هذا الفريق غير متوقع، للجماهير وللمنافسين"، وعمل المدرب منذ يومه الأول على هذا الأمر، لكن الفشل غير المبرر في سياسة التعاقدات بعدم جلب كلّ من ماركينهوس، كوادرادو، ولاعب وسط آخر، أمور أجبرت المدرب الجديد على اللعب بالأدوات القديمة نفسها، لذلك لم تدر الآلة كما انتظر المراهنون.

ولكن أمام باريس، خاطر المدرب الشاب ولعب بطريقة لعب تعتبر مزيجاً بين 5-3-1-1 في الدفاع، 3-3-1-3 في الهجوم، وإذا أردنا عنواناً واحداً لهذه الخطة، سنضع الثلاثي دفاعاً صريحاً، بيكيه الليبرو رفقة مارك بارترا على اليمين وجيرمي ماتيو على اليسار، مع بوسكيتس كلاعب ارتكاز مائل للجبهة اليمنى، وماتشيرانو بالمثل، لكن على الجبهة المقابلة، بالإضافة إلى ميسي كصانع لعب، يمينه بيدرو ويساره إنيستا، مع كلّ من سواريز ونيمار في الهجوم، أي طريقة لعب 3-2-3-2 التي تخرج من الفكرة الأم 3-4-3.

تكسير عظام
لا يوجد أفضل من هذا العنوان الذي يحكي عن تفاصيل الشوط الأول من القمة، تكسير العظام كان متبادلاً بين الفريقين، والأهداف الثلاثة كشفت عن عيوب ومزايا خطط كل جانب. حيث نجح عملاق باريس في فتح الأطراف بشكل رائع واستغلال ضعف الشق الدفاعي عند إنييستا بالأخص، ليفتح البرازيلي السريع، مورا، جبهة قوية على اليمين، ويُرهق ماتيو في كل مناسبة، الظهير الذي بدا وحيداً دون مساندة حقيقية من المنتصف، لذلك جاء هدف التقدم من عرضية سريعة وسوء تغطية ناجم عن تأخر عودة بوسكيتس إلى حافة منطقة الجزاء، ليُضرب البارسا مرتين، من الأطراف ونتيجة التحولات الضعيفة من الهجوم إلى الدفاع.

وسرعان ما استعاد أصحاب الأرض السيطرة، وذلك بتعديل تكتيكي سريع أجراه لوتشو دون تغيير، عودة ماسكيرانو لمساندة إنييستا وماتيو، وضبط سباق السرعة أمام لوكاس، بينما تكفل بوسكيتس أكثر بالارتكاز مع معاونة حقيقية من إنييستا، لذلك جاء هدف التعادل ليحكي عن عيب رئيسي في تكتيك أباطرة العاصمة الفرنسية، الفريق الذي يسيطر بشكل أكبر في الدوري المحلي، لكنه اصطدم بأكبر نسخة استحواذ على الإطلاق، لذلك لم يتعامل دفاعه مع تمريرة الأرجنتيني خافيير إلى هانبيال سواريز، لأن أسماء بقيمة فيراتي وموتا تجيد التلاعب بالكرة، لكن حينما تُجبر على الدفاع تظهر بشكل سلبي، لذلك دفع سان جيرمان الثمن سريعاً.

يتحدث لوران بلان عن فكرته في بناء الهجمات من الخلف، وكونه مدرباً يعشق استفزاز الخصوم باستخدام سياسة "العصا والجزرة" عن طريق نجومه الذين يجيدون المراوغة والاحتفاظ بالكرة، وعندما يصعد المنافس إلى الأمام من أجل خطف الكرة، تحدث المفاجأة بكرة طويلة واختراق سريع، وهذا ما طبقه بالنص في مباراة الذهاب، لكن ضغط الكتلتين كان مختلفاً هذه المرة، إذ لعب البارسا بخطيّن في الوسط، بوسكيتس وإنييستا يضغطان من الأمام، وماتشيرانو في الخلف إذا فشلت العملية.

وجاء الرد سريعاً مع الانقضاض على لاعبي باريس وقطع الكرة وتنفيذ مرتدة قاتلة على طريقة "الجيجن برسينج"، لذلك هدف التقدم الثاني لا يُحسب فقط لنيمار الذي حصل على الكرة وسددها بمهارة يُحسد عليها، ولكن للعمل الجماعي للفريق ككل، لأن البارسا قدم ربع ساعة مثالية في نهاية الشوط الأول، على صعيد الضغط وتناقل الكرات والحسم المباشر السريع.

الخطأ القاتل
انتهى الشوط الأول بكل ما فيه، وجاء دور المدربين في الفترة الثانية، واستمر اللعب على ما هو عليه، لكن مع سيطرة أكبر لباريس وتراجع لبرشلونة، وعاد بيدرو كثيراً إلى الخلف ليصبح ظهيراً أيمن صريحاً، وذلك من أجل إيقاف المد القادم من الضيوف على مرمى الألماني تير شتيجن، وجاءت كلمة السر في التغييرات التي قام بها الثنائي خارج الخط.

يمتاز الإيطالي فيراتي بقدرة غير عادية على الاحتفاظ بالكرة، لدرجة أنه من الممكن أن ينام بها أثناء المباراة، ويلعب دوراً محوريّاً في نقل الكرات من الدفاع إلى الهجوم، وتعزيز الثلث الأخير بتمريرات مميزة وإعطاء الحرية الكاملة لماتويدي في القطع من الوسط إلى الأمام، وعلى الرغم من قدرات باستوري إلا أن خروج ماركو ضرب الباريسيين في مقتل، وسمح بالضغط الكاتلوني بالتوغل والانتشار وحرمان إبراهموفيتش من أي إمكانية للتنفس.

أما لوتشو فلعب على المضمون، وقرر العودة إلى 4-3-3 بإخراج بيدرو المنهك الذي قام بدوره على أكمل وجه، وإشراك راكيتتش ثم تشافي عوضاً عن إنيستا، ليصبح بارترا ظهيراً أيمن حقيقيّاً مع عودة ماسكيرانو إلى الدفاع بجوار بيكيه وماتيو، ويتولى الكابتن العتيق رقم 6 والكرواتي الجديد رقم 4 دفة المحور، لتعود السيطرة إلى برشلونة ويبدأ البطل الأوروبي القديم في فرض شخصيته الكاملة على المجريات.

العمل الجماعي
تعاقد البارسا مع سواريز، ليس فقط لإحراز الأهداف، بل لصنع دور تكتيكي بارز من أجل وضع ميسي كصانع لعب صريح، وإضافة مهاجم متحرك قادر على الجمع بين مركزي الجناح ورأس الحربة في آن واحد، ولا يوجد في العالم أفضل من "هانبيال" للقيام بهذه المهمة، لذلك كلما زاد مستوى لويزيتو كلما أصبح البارسا أفضل وأثقل خلال المواجهات الكبيرة، لأن ميسي يتحرر أكثر ويحصل على الفراغ اللازم للحسم في الثلث الأخير بين الخطوط.

والهدف الثالث خير دليل على الفكرة الخاصة بتكتيك الصياد، لأن سواريز تسلّم الكرة على اليسار ثم دخل في عمق الملعب، ليصنع الـ One-Two مع ميسي أمام منطقة الجزاء، ويتابع تسديدة نيمار الزاحفة ليضع الكرة في المرمى بكل شراسة، معلناً نهاية المباراة إكلينيكيّاً، وحصد ثلاث نقاط جعلت البارسا يتصدر المجموعة في الأمتار الأخيرة، ويترك باريس سان جيرمان أمام أباطرة القارة العجوز، تشيلسي وبايرن ومدريد وباقي المتربصين.

ورغم أن لويس إنريكي حقق الأهم في النهاية، إلا أن تكتيكه الجديد ما زال مفتقداً إلى قيمة إنييستا الحقيقية، الرسام الذي فقد الكثير من قوته وأصبح عبئاً على الفريق في المواجهات المصيرية، لذلك يستمر الوسط الكاتلوني في وضع سيئ أمام كرة التحولات التي تسمح للمنافسين بضربه من الأطراف، أما سان جيرمان فيتحسن أداؤه تدريجيّاً، لكن تنقصه "الشراسة" المطلوبة لتحويله من فريق مميز إلى بطل يعرف من أين تؤكل الكتف في النهائيات.

المساهمون