مع بدء الألعاب البارالمبية بعد تأخير لعام بأكمله، بسبب تداعيات فيروس كورونا، يُسلط الضوء على جهود اليابان لتحسين ظروف ذوي الاحتياجات الخاصة واندماجهم في المجتمع، إذ يرى كثيرون أنه لا يزال هناك عمل كبير يجب القيام به.
ويتنافس نحو 4400 رياضي ورياضية من ذوي الاحتياجات الخاصة في طوكيو بعد أيام معدودة على اختتام الألعاب الأولمبية في الثامن من الشهر الحالي. وإذ تُعتبر طوكيو في هذا الوقت مكانا لصناعة التاريخ الرياضي، يُ حدث يعتبر هذا الحدث قادرا على تغيير السلوك تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، بحسب ما يرى المنظمون.
ويرى ماساكي سوا، الذي فشل في التأهل إلى الألعاب في رياضة الكانوي، لكنه سيشجع فريق اليابان على التلفزيون، أنه "حدث ثمين، الرياضيون من ذوي الاحتياجات الخاصة يفعلون أشياء عظيمة، لكنهم ليسوا خارقين. أريد أن يعرف الناس أنهم بشر مثلكم تماماً".
وهي لحظة حلوة ومرة في الوقت نفسه بالنسبة لسوا، الذي كان يأمل التنافس في مسقط رأسه، لكنه يعتمد على بارالمبيين آخرين لإحداث تأثير على المجتمع الياباني. هذا وأمل سوا، الذي يستخدم كرسياً متحركاً للتنقل، "أن تكون الألعاب البارالمبية نقطة انطلاق تتيح للناس العيش بتناغم جنباً إلى جنب مع ذوي الاحتياجات الخاصة".
ويرسم خبراء وناشطون في حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة صورة متضاربة للوضع في اليابان، إذ تم إحراز تقدم في البنية التحتية الخالية من العوائق، في وقت شدد المسؤولون على أهمية إمكانية الوصول لكل الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ولكبار السن في البلاد أيضاً.
وفي هذا الإطار، أشارت حكومة طوكيو إلى أنه تم بذل جهود خاصة في نظام القطارات العملاقة في العاصمة، إذ تعمل المصاعد في حوالي 96 بالمائة من المحطات منذ 2019، ومع حلول عام 2019 توفرت في 82 بالمائة من محطات مترو الأنفاق في طوكيو بوابات منصات للحفاظ على سلامة الركاب المعوقين بصرياً وغيرهم، أي أكثر بـ36 بالمائة مما كان عليه الوضع في عام 2013.
وفرض على الفنادق الجديدة التي تحتوي على أكثر من 50 غرفة، أن تؤمن غرفة واحدة من أصل 100 على الأقل خالية من العوائق، وقالت نائبة رئيس الوفد الياباني البارالمبي ميكي ماثيسون إنه "فيما يتعلق بعدد المنشآت الخالية من العوائق، تبدو اليابان متقدمة".
لكن ماثيسون، الفائزة بثلاث ذهبيات في الألعاب البارالمبية الشتوية في فئة الزلاجات، والتي تعيش في كندا لكنها متواجدة في طوكيو من أجل الألعاب، تقول إن إمكانية الوصول ليست مثل الاندماج. وأوضحت ماثيسون التي تستخدم كرسياً متحركاً: "غالباً ما أعامل كشخص معوق عندما أعود إلى اليابان. في كندا، أعيش دون أن ألاحظ إعاقتي على الإطلاق".
وبموجب القوانين الحكومية، يجب أن يُشكل العمال من ذوي الاحتياجات الخاصة ما لا يقل عن 2.3 بالمائة من الموظفين في جميع الشركات، في وقت تواجه الشركات الكبيرة غرامات لعدم الامتثال. وفي عام 2018، اضطرت الحكومة إلى الاعتذار عن المبالغة في أرقامها عن عدد موظفيها من ذوي الاحتياجات الخاصة بهدف الامتثال إلى القوانين المتعلقة بنسبة الموظفين.
ويقول موتواكي فوجيتا، أستاذ علم الاجتماع الرياضي في جامعة نيهون فوكوشي والخبير في الرياضات البارالمبية، إن اليابان أصبحت أفضل حالاً من ناحية اندماج ذوي الاحتياجات الخاصة بالمجتمع، "لكن التغيير لا يزال هامشياً".
وأشار إلى أن قرابة 57% من الأشخاص، الذين شملهم استطلاع أجراه فريق فوجيتا العام الماضي، يعتقدون بالتأكيد أو إلى حد ما أن ذوي الاحتياجات الخاصة يشعرون بالضعف ويواجهون صعوبة في العيش مع أشخاص "سليمين"، وهذا أقل بقليل من الـ61% الذين شعروا بنفس الشيء في استطلاع أجري عام 2014.
وتُقام الألعاب البارالمبية التي تنطلق الثلاثاء وتستمر حتى الخامس من شهر سبتمبر/أيلول، خلف أبواب موصدة بسبب تداعيات فيروس كورونا، ما يجعل البعض متخوفاً من أن أي تأثير إيجابي لها في مسألة اندماج ذوي الاحتياجات الخاصة وتحسين ظروفهم الاجتماعية سيكون ضعيفاً جداً بغياب الجمهور.
وقال شيجيو تودا، وهو رئيس معهد أبحاث مقره طوكيو يدرس أنماط حياة ذوي الاحتياجات الخاصة، إن "الألعاب البارالمبية فرصة جيدة للغاية لتغيير تفكير الناس. لكن لا يسعنا إلا أن نعتقد بأن هذا الزخم يمكن أن يكون ضعيفاً إذا لم يتمكن الناس من مشاهدتها شخصياً".
وعلى غرار تودا، تخوفت ساكي تاكاكوا، العداءة البارالمبية التي تنافس برجل صناعية، من تأثير غياب المشجعين عن المدرجات، وتحدثت لصحيفة "ماينيتشي شيمبون": "أعرف أن الناس سيشاهدون الألعاب على التلفزيون، لكني أتساءل كيف سيكون ردهم".
في المقابل، اعترف رئيس اللجنة البارالمبية الدولية أندرو بارسونز بأن غياب المتفرجين يمثل "تحدياً"، لكنه رأى أن نقل الألعاب على شاشات التلفزة سيوصلها إلى المليارات حول العالم، وصرح لوكالة "فرانس برس" بأن "الألعاب بحد ذاتها عامل محفز. إنها اللحظة التي يرى فيها الناس الرياضيين وهم ينافسون، وهنا يحدث هذا التغيير"، مضيفاً أنه في اليابان "لا يزال هناك الكثير من التقدم الذي يتعين علينا القيام به، لكننا نعتقد أننا بدأنا نرى التغيير".
(العربي الجديد، فرانس برس)