إنجازات اللاعبين الثلاثينيين في المونديال وخارجه

07 ديسمبر 2022
لاعبون كبار في السن يفرضون أنفسهم (Getty)
+ الخط -

تخاصم لاعبو بلجيكا في مونديال قطر 2022، فاتّهم بعضهم بعضاً بعدم الفاعلية تبعاً للتقدم في السنّ، فيما أعلنها القائد الثالث للمنتخب كيفن دي بروين (31 عاماً) بصراحة: "لا فرصة لدينا للفوز بالمونديال، لأنّنا تقدمنا في السن، أعتقد أنّ فرصتنا كانت في مونديال 2018 (حازت بلجيكا المركز الثالث) الآن لدينا فريق جيد لكنّه يتقدم في السن، كما فقدنا بعض اللاعبين الرئيسيين". وبالفعل خرج منتخب بلجيكا بلاعبيه الثلاثينيين الـ11 من أصل 26 لاعباً من المونديال من الدور الأول، بفوز وتعادل وخسارة، مسجلاً هدفاً واحداً ومتلقياً هدفين.

صحيح أنّ للعبة كرة القدم جانباً ذهنياً أساسياً في فهم الخطط التي يضعها المدرب وتطبيقها بالشكل الأمثل، والرؤية الجيدة للملعب، والتمركز السليم، وابتكار الحلول اللازمة لفرض السيطرة والدفاع والهجوم، والاحتيال على دفاعات الخصم في كسر مصيدة التسلل أو العكس بالعكس إيقاع هجوم الخصم بالتسلل، لكنّها لعبة بدنية بالدرجة الأولى تتكل على القوة والسرعة وتحمل المباريات عالية المستوى في مختلف الظروف، خصوصاً تلك التي تتسم بالخشونة والصراع الشديد على الكرة. كما تبرز أهمية القدرة على التعافي سريعاً من الإصابات، ولا سيما في روزنامة حافلة بالمباريات، مثل كأس العالم.

الكرة الذهبية

لكن، هل يعني كلّ ذلك أنّ اللاعبين كبار السنّ يفترض أن يتركوا الملاعب لغيرهم من اللاعبين الشبان؟ للسؤال أكثر من وجه، فهو يفترض عمراً محدداً تتراجع عنده القدرات ويشمل جميع اللاعبين، لكنّ الواقع ليس كذلك، وهناك عشرات الأمثلة على لاعبين "عواجيز" نشطوا في الملاعب طويلاً، حتى إنّ بعضهم استمر 20 عاماً بالكفاءة نفسها تقريباً وباتكال فريقه عليه طوال تلك الفترة، من أمثال البرازيلي روبرتو كارلوس والإيطالي باولو مالديني والسويدي زلاتان إبراهيموفيتش والبرازيلي الآخر دانيال ألفيس وغيرهم. وجه آخر يبحث في قدرات اللاعبين الشباب أنفسهم، فهل العشرينيون فعلاً أفضل من الثلاثينيين؟

ربما يكون ذلك من جانب معين لكنّه ليس ضرورياً في كلّ الجوانب. وقد أثبت الثلاثينيون طوال أجيال قدرتهم العالية على قيادة فرقهم إلى البطولات، بل إنّ السنوات الأخيرة تشهد على تحقيقهم الأفضلية على صعيد الإنجازات الفردية أيضاً، ومنها جائزة الكرة الذهبية التي فاز بها هذا العام تحديداً الفرنسي كريم بنزيمة (34 عاماً) كما فاز بها من الثلاثينيين التشيكي جوزيف ماسوبست، والأرجنتيني ألفريدو دي ستيفانو، والسوفييتي ليف ياشين، والألماني فرانتز بكنباور، والفرنسي ميشال بلاتيني، والتشيكي بافل نيدفيد، والإيطالي فابيو كانافارو، والبرتغالي كريستيانو رونالدو، والأرجنتيني ليونيل ميسي، والكرواتي لوكا مودريتش، بل إنّ أول كرة ذهبية على الإطلاق عام 1956 فاز بها الأربعيني الإنكليزي ستانلي ماثيوز.

وفي كلّ الأحوال تبدو الفرق الأكثر نجاحاً هي تلك القادرة على تحقيق الانسجام بين اللاعبين من مختلف الأعمار، نظراً إلى القدرة البدنية الأكبر للشباب، وهو ما لا نقاش فيه غالباً، والخبرة الأكبر لـ"العواجيز" وهو ما لا جدال فيه بأيّ شكل.

هدافون وأبطال

في كأس العالم لطالما تألق حراس المرمى الثلاثينيون، بل إنّ أحدهم ظفر بالمونديال في سنّ 40 عاماً، وهو الإيطالي دينو زوف (1982). ومن هؤلاء السوفييتي ليف ياشين (1966) والبرازيلي فيليكس (1970)، والإنكليزي بيتر شيلتون (1986، 1990). لكنّ مراكز اللعب الأخرى ولا سيما تلك التي تتطلب جهداً بدنياً أكبر، شهدت بدورها تألقاً لافتاً.

وبينما رأينا في المونديال الحالي نجوماً كباراً ما زالوا ناشطين في أنديتهم ومنتخباتهم منذ فترة طويلة مثل كريستيانو رونالدو (37 عاماً) وليونيل ميسي (35) والبولندي روبرت ليفاندوفسكي (34) والبرازيلي تياغو سيلفا (38) والفرنسي أوليفيه جيرو (36) والألماني توماس مولر (33) وغيرهم كثيرون، فإنّ نسخاً سابقة شهدت إنجازات كبرى على هذا الصعيد. لكن، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ أبرز الأسماء هي لمن تتراوح أعمارهم بين ثلاثين عاماً و33 عاماً، وهو سنّ يجادل البعض أنّه ذروة الأداء بدنياً وذهنياً، وإن كانت هناك حالات استثنائية عدة للاعبين أكبر سناً.

عام 1978، سجل الهولندي روب رينسينبرينك (31 عاماً) خمسة أهداف، حملت فريقه إلى نهائي المونديال، وكان ثاني الهدافين. عام 1982، عدا عن دينو زوف الذي قاد إيطاليا للتويج بالمونديال، فإنّ صاحب المركز الثاني منتخب ألمانيا الغربية ضمّ  ثلاثة لاعبين مهمين ثلاثينيين هم بول برايتنر (30) وهورست هروبيتش (31)، وكلاوس فيشر (32).

شارك هروبيتش في خمس مباريات وسجل هدفاً، فيما شارك فيشر في 6 مباريات وسجل هدفين، لكنّ الأبرز كان برايتنر الذي سجل هدف بلاده الوحيد في النهائي، إذ لعب المباريات السبع شبه كاملة، فلم يغب إلّا عن 29 دقيقة فقط في مباراة الدور الأول أمام تشيلي، حين جرى تعويضه في الدقيقة 61 باللاعب الشاب لوثار ماتيوس، صاحب الـ21 عاماً يومها، والذي أمضى بعد ذلك سنوات طويلة في الملاعب، وشارك في خمسة مونديالات، وفاز بواحد منها عام 1990، وكان في آخر مونديال له عام 1998 في

عام 1990، سجل الكاميروني روجيه ميلا (38 عاماً) أربعة أهداف، وكان ثالث الهدافين، كما بات بعد أربع سنوات في مونديال الولايات المتحدة 1994، أكبر لاعب يسجل في المونديال، وذلك في مرمى روسيا في مباراة خسرها الكاميرون 1-6 بعمر 42 عاماً و39 يوماً.

كما شهدت هذه النسخة من المونديال عودة اللاعب الأرجنتيني الكبير دييغو مارادونا بعد توقيف وابتعاد عن الملاعب، لقيادة منتخبه، بعمر 33 عاماً، إذ قدم تمريرة حاسمة لكلاوديو كانيجيا أمام نيجيريا، وسجل هدفاً صاروخياً في شباك اليونان.  لكن لم تكتمل فرحة الأرجنتين به، إذ أوقف عن اللعب بتهمة تعاطي المنشطات... تهمة ما زالت حتى اليوم مثار جدل واسع، إذ يتهم كثيرون الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بتدبير مؤامرة لـ"الفتى الذهبي".

الروماني جيورجي هاجي كان لاعباً متألقاً في سنّ 33 عاماً خلال كأس العالم 1998، بعد لعبه في المونديالين السابقين. كما أنّ أهداف هاجي الخمسة خلال تصفيات المونديال أتاحت لرومانيا تصدر مجموعتها أمام جمهورية أيرلندا. ذلك العام توقع كثيرون أن يصل الرومان بعيداً في المونديال، خصوصاً بعد تصدر مجموعتهم أمام إنكلترا، لكن خرجوا من الدور الثاني أمام كرواتيا بهدف نظيف.

أرقام قياسية

صاحب أسرع هدف في تاريخ المونديال التركي هاكان شوكور والذي سجله بعد 11 ثانية من بدء المباراة أمام كوريا الجنوبية في مباراة تحديد المركز الثالث عام 2002، كان في الثلاثين يومها.

مونديال 2006 كان مميزاً لقائد منتخب فرنسا زين الدين زيدان (34 عاماً)، إذ سجل قبل طرده في المباراة النهائية ثلاثة أهداف، أحدها خلال النهائي بالذات، كما صنع هدفاً حاسماً سجله تيري هنري أمام البرازيل في ربع النهائي وفازت به فرنسا 1-0. لكنّ نهاية المباراة كانت سيئة، إذ عوقب ببطاقة حمراء لنطحه المدافع الإيطالي ماركو ماتيرازي، ما لعب دوره في خسارة فرنسا بركلات الترجيح في النهاية وذهاب اللقب لإيطاليا. حظي زيدان رغم ذلك بلقب أفضل لاعب في البطولة.

في المقابل، ضم الفريق البطل في تشكيلته ستة لاعبين ثلاثينيين، هم الحارس الاحتياطي أنجيلو بيروتزي (36) والقائد فابيو كانافارو (32) وماركو ماتيرازي (32) وفيليبو إينزاغي (32) وأليساندرو ديلبييرو (31) وأليساندرو نيستا (30).

في مونديال 2010، فاز الأوروغواياني دييغو فورلان (31 عاماً) بجائزة أفضل لاعب في البطولة، كما كان من بين الهدافين الأربعة، رفقة الألماني توماس مولر، والإسباني ديفيد فيا، والهولندي ويسلي شنايدر، بخمسة أهداف لكلّ منهم.

منتخب ألمانيا الفائز عام 2014 بالمونديال أتاح للاعبه التاريخي ميروسلاف كلوزه الفرصة لكسر رقم البرازيلي رونالدو (15 هدفاً)، على صعيد أكثر اللاعبين تسجيلاً في المونديال. سجل كلوزه (36 عاماً) هدفين أضافهما إلى أربعة أهداف سجلهما بعمر 32 عاماً في مونديال 2010، وخمسة أهداف في مونديال 2006، وخمسة أهداف في مونديال 2002، ليصبح الهداف التاريخي للمونديال بـ16 هدفاً.

أفضل لاعب في مونديال روسيا 2018، وقائد وصيف البطولة، الكرواتي لوكا مودريتش كان في الثانية والثلاثين يومها. كما أنّ المنتخب الفرنسي البطل ضمّ خمسة لاعبين ثلاثينيين، أبرزهم الحارس والقائد هوغو لوريس (31) والمهاجم أوليفييه جيرو (31).

اللافت أنّ لوريس وجيرو، يسجلان حضوراً مميزاً في المونديال الحالي، بعمر 35 و36 عاماً على التوالي، إلى جانب الشبان وأبرزهم كيليان مبابي، وربما هو ما يثبت أكثر فرضية أنّ الفرق الأقوى هي التي تحقق الانسجام بين اللاعبين من جميع الأعمار، وتنظر أكثر إلى أداء اللاعب وقدرته على مساعدة المجموعة بصرف النظر عن عمره.

المساهمون