ما بعد اللجوء... مصاعب ما بعد الإقامة في إسبانيا

06 يناير 2018
سوريو إسبانيا... طموح التغلب على الواقع المر(العربي الجديد)
+ الخط -



ما أن يحصل طالبو اللجوء في إسبانيا على الإقامة فيها حتى يُنقلوا إلى سكن خاص توفره إحدى الجمعيات المدنية، وتساعدهم أيضا على دفع تكاليف الإيجار والحد الأدنى من الحياة لمدة نصف عام. وخلال تلك الفترة يمكن لهذه المنظمات أن تتحمل تكاليف "دورات تأهيل عملي" للتدرب على العمل ببعض المهن المحدودة.

بالنسبة لهؤلاء اللاجئين فإن مرحلة ما بعد معسكر اللجوء هي "مرحلة معاناة". ففجأة يجد الإنسان نفسه في مواجهة واقع مختلف عما عاشه، سواء في بلده الأم، أو في معسكرات اللجوء، حيث يخفف هؤلاء عن بعضهم. فهي مرحلة يعتبرها من تحدثوا لـ"العربي الجديد"، أنها "معاناة حقيقية".

بعد انقضاء ستة أشهر من دعم إيجار المسكن يجدون أنفسهم بدون أي معونة، ضمن نظام عمل وحياة غريبين عليهم، فأجرة الشقة تتجاوز الـ500 يورو، هذا إلى جانب أن الحد الأدنى لتكاليف الحياة لا يقل عن 600 يورو شهرياً للأسرة الصغيرة، في بلد ما زال يعيش أزمة اقتصادية. وما يعقد الواقع، أن هؤلاء الحاصلين على إقامة يصعب عليهم إيجاد عمل للاعتماد على الذات. ويضطر بعضهم إلى قبول أعمال خارج سياقات تاريخهم وخبراتهم السابقة.
عن هذا الواقع، تقول اللاجئة السورية لبابة العابد، (تخصص كيمياء، وتملك خبرة تزيد عن 20 سنة في مختبر بجامعة دمشق)، إنه "واقع مأساوي في رحلة لجوء طويلة تسبق حتى الوصول إلى إسبانيا". العابد وجدت نفسها، كمئات الآلاف غيرها، مهجرة من مخيم اليرموك، جنوب دمشق، بعد قصفه بالطائرات، وهي تفكر كثيرا بحماية ابنها "الذي طاوله الكثير من الظلم والعنف".

بدأت رحلتها باللجوء نحو الدنمارك، لكنها فوجئت "بعد دفع كل ما أملك للوصول بأن (البصمة) ـ بحسب اتفاقية دبلن للجوء في أوروبا ـ تعيدنا إلى إسبانيا".
وتضيف العابد: "بعد عام من الإقامة في معسكر اللجوء في الكوبندس بمدريد، وجدنا أنفسنا بعد نصف سنة خارج المعسكر بلا أي دخل، ومحاولة تعديل الشهادات صعبة، واضطرت ابنتي حلا، الطالبة في الفنون الجميلة، لترك دراستها والعمل كمصففة شعر لسنة كاملة. استدنتُ مبلغا من أختي الموظفة في قسم الصيدلة بجامعة باريس ولجأنا إلى افتتاح مطعم صغير أطلقنا عليه (دمشق) لأعمل فيه أنا وزوجي المهندس وابنتي حلا، على أمل الاستمرار في الحياة".

تشعر لبابة اليوم بالحزن "لأن ابنتي اضطرت لترك دراستها الجامعية، والتخلي عن حلمها، ولأن زوجي أيضا تحول عمله من مهندس ديكور إلى عامل في المطعم، وأنا من مجازة في الكيمياء إلى طباخة، ولكن هذا هو الحل الوحيد كي نستطيع الاستمرار هنا".

في المعسكر ذاته وفي الظروف نفسها عاش اللاجئ السوري محمود الحمصي وعائلته، بعد المجيء إلى إسبانيا عبر الأردن من خلال مفوضية الأمم المتحدة للاجئين قبل 4 سنوات. وبعد توقف منظمة أكثم لمساعدة اللاجئين عن دفع إيجار الشقة، عقب إقامة 10 أشهر في المعسكر، وحوالي 8 أشهر في تلك الشقة "وجدنا أنفسنا في فترة عصيبة جدا، ففجأة علينا تدبر حوالي 500 يورو لأجرة الشقة ومصاريف أخرى للكهرباء والماء وباقي مستلزمات البقاء".

ويذهب الحمصي إلى القول: "بالتأكيد أشكر الإسبان على استقبالهم لنا. نحن لم نكن مضطرين للخروج من وطننا لولا تدمير النظام لحمص وقراها وبيوتنا فيها". يضطر الحمصي، الذي يقول "لا أملك شهادات جامعية، بل كنت أملك متجرا لبيع الأحذية"، أن يذهب نحو عمل آخر لإعالة أسرته في إسبانيا "فباشرنا أنا وعائلتي في طهي بعض المأكولات والحلويات السورية لبيعها لمن يرغب، واضطررنا لفتح بيتنا كمائدة شبه مفتوحة حيث لا نملك ثمن فتح محل تجاري لبيع ما ننتجه، بل يأتينا الزبائن إلى هنا". يصمت محمود قليلا ويستعيد بصوت مخنوق ذلك القصف على حمص وكيف "اضطر الشعب إلى التشرد وخسارة أفراد عائلة، كابن أختي، تحت التعذيب. معاناة السوريين كبيرة، ويبدأ الناس يشعرون بها بمجرد أن يستريح جسدهم لتخرج كل الصدمات على دفعات بأشكال مختلفة".
ويتمنى أخيراً أن تمنحه البلدية رخصة محل صغير "لأبيع مأكولاتنا التي يحبها الإسبان لأوفر حياة كريمة لأسرتي".

ليس الوصول إلى إسبانيا وعدم الحصول على عمل، هو نهاية المصاعب، فهناك مشكلة لم الشمل، التي تستغرق وقتاً طويلاً.

يذهب المهندس السوري اللاجئ في مدريد، أسامة الأحمد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن تحديات الحياة في هذا البلد تكمن في لم شمل أسرته. ورغم أنه حصل على إقامة، إلا أنه يقول "أصعب ما أواجهه هو انتظار أسرتي التي تعيش تحت القصف اليومي في سورية للم الشمل". الأحمد من جهة ثانية يعتبر نفسه "محظوظا مقارنة بغيري بعد الخروج من معسكر اللجوء، حيث استطعت العمل في شركة تأمين صحي بما أملكه من لغة إنكليزية وخبرة الهندسة المدنية لـ25 سنة".

وبالنسبة لهذه المصاعب التي يواجهها السوريون في إيجاد العمل المناسب وتأمين حياة كريمة بعد الإقامة، تذكر رئيسة المنظمة الأوروبية للاجئين "أكنور"، إلينا غارثيا، لـ"العربي الجديد"، أن "فترة الإقامة في معسكر اللجوء قصيرة لتمكين اللاجئين من التأقلم مع حياة إسبانيا والاندماج وتعلم اللغة لمدة ساعة ونصف الساعة يوميا".


وترى غارثيا أن "دفع الناس للاعتماد على أنفسهم في مجتمع جديد دون التسلح بالخبرة والمعرفة يحدّ من قدراتهم على دخول الحياة والعمل. إضافة إلى ذلك، فإن ترك الناس فجأة لتأمين إيجار السكن بأنفسهم بدون عقد عمل يزيد الأمر صعوبة". وتشرح إلينا غارثيا انتشار ظاهرة عمل البعض خارج خبراته بأن "هناك تحديات أخرى يواجهها الناس في تعديل شهاداتهم العلمية في إسبانيا، ولا يوجد في الواقع من يساعد هؤلاء اللاجئين على تخطي هذه التحديات، والصعوبة الأهم هي إيجاد عمل. بل إن فرص العمل للإسبان أنفسهم قليلة مع أنهم أبناء هذه البلد، ولديهم علاقاتهم وطريقة بحثهم، وهذا ما يفتقده اللاجئ كليا، وما يجعله محبطا، ويعاني من رعب تأمين الشروط المادية لأسرته، وهناك نقطة أخيرة مهمة أنه في إسبانيا لا توجد شبكات حقيقية لدعم للاجئين مثل باقي الدول، كألمانيا مثلا، نحن نأسف لهذا ونحاول دائما المطالبة بتحسين الوضع".


من ناحيتها، تذكر الأستاذة كونسوييلو بتريس، العارفة بالسوريين من خلال عملها سنتين كمدرسة في معهد ثربانتس في سورية: "أعرف السوريين جيدا، فهم مميزون وأذكياء وحساسون ولديهم مستوى عال من الاستقلال الشخصي، والأهم أنهم منفتحون على العالم، وخصوصا هؤلاء الذين رغبوا بتغيير الواقع القمعي في بلدهم، لكن للأسف بلدان أوروبا لم تقم بواجبها تجاه السوريين ولم تستقبلهم بشكل لائق، وأنا أشعر بالخجل من حكومة بلادي لهذا الاستقبال". ما تتمناه الأستاذة بتريس العارفة بالسوريين نتيجة حياتها بينهم في السابق وعلاقتها بهم اليوم "أن ينظر الشعب الإسباني إلى ميزات الشعب السوري للضغط على حكومته لاستقبال المزيد منهم ودعمهم نفسيا، فهو شعب كل ذنبه أنه خرج بمظاهرات مدنية سلمية لإسقاط الحكم الديكتاتوري الذي ينهب تلك البلاد الرائعة".

وتظن بتريس أن الشعب الإسباني "منفتح ومحب للغرباء ومستعد لاستقبال المزيد، بيد أنه يجب أن نتذكر بأن الإسبان أنفسهم متعبون وفي أزمة مادية حقيقية، ولا أنفي أيضا وجود بعض العنصريين، لكننا أمام كارثة سورية حقيقية، رغم كل ألاعيب إعلام النظام لشيطنتهم وجعل عنفه يبدو وكأنه موجه ضد فزاعة داعش، وهو أمر يؤثر في موقف بعض الإسبان البسطاء تجاه اللاجئين أيضا".
المساهمون