"التعلم الاجتماعي العاطفي".. برنامج تعليمي متكامل وناجح

17 يوليو 2017
تساعد برامج الاجتماعي العاطفي على تنمية الشخصية (Getty)
+ الخط -
في فيلم Inside Out، نقابل رايلي، الطفلة الصغيرة التي واجهت تجربة الانتقال لمنزل جديد ومدينة مختلفة وفارقت أصدقاءها القدامى، لنذهب في رحلة داخل عقلها، فنتعرف إلى مشاعرها وذكرياتها، ونتعلم معها كيف نكتشف مشاعرنا ونعبر عنها. يخبرنا الفيلم كيف أن مهارات التواصل والتعلم الاجتماعي والعاطفي يمكن أن تغدو وسائل مهمة لتطوير مهارات أطفالنا. وهو النهج الذي اتبعته بلدان عدة بدمج برامج التعلم الاجتماعي العاطفي Social Emotional Learning (SEL) مع برامج التعليم.

يتعلم الأطفال من خلال البرنامج كيفية تحقيق الأهداف واتخاذ القرارات وتنمية الوعي الذاتي وإدارة المشاعر وإقامة علاقات.

في الدنمارك، الدولة الأكثر سعادة في العالم ولا عجب في ذلك، يتعين على الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة اجتياز برنامج إلزامي يدعى «خطوة بخطوة-Step by Step»، ويعمل على استيعاب الأطفال للأحاسيس المختلفة لديهم وعند الآخرين وفهمها؛ من أجل تعلم التعاطف والمشاركة واستقراء مشاعر الآخرين، واحترامها وعدم الحكم عليها.

 


وليس هذا البرنامج الوحيد، ففي برنامج «CAT-kit» يتعلم الطلاب كيفية تحسين وعيهم العاطفي، والتعبير عن خبراتهم وأفكارهم، وتنمية حس التعاطف لديهم، باستخدام أدوات، مثل صور لوجوه تعبر عن مشاعر مختلفة، وقياس شدة العواطف.

 وفي أحد الأنشطة، يتعلم الطفل رسم دائرة، يضع بداخلها أهله وأصدقاءه ومعلميه، وكذلك الغرباء، ويوزعهم في أماكن مختلفة من الدائرة؛ كي يطور من فهمه للآخرين بصورة أفضل.

 وتطبق الدولة برنامجًا في كافة أنحاء البلاد لمكافحة التنمر، ويستهدف الأطفال من عمر ثلاث وحتى ثماني سنوات، ويتعلمون خلاله التعبير عن مشاعرهم حيال التنمر، وكيفية مراعاة بعضهم بعضاً. حقق البرنامج نجاحًا كبيرًا، فنحو 98% من المعلمين يوصون المؤسسات الأخرى بتطبيقه.

فرصة لفهم الآخر

الاضطرار لترك الوطن واللجوء، والمرور بويلات الحروب والاضطهاد تجربة مريرة لأصحابها، والمحيطين بهم في بلدانهم الجديدة؛ لذا قرر المجلس البريطاني أن يجعل من هذه التجربة فرصة لتعليم الطلاب قيمة التعاطف وفهم مشاعر الآخر والتضامن معه، وما مر به من صراعات وعنف، وكيف أصبح لاجئًا، عن طريق مواقف حياتية واقعية، فينظم أسبوعًا للاجئين يوفر خلالها موارد تعليمية، يمكن أن يستعين بها المعلمون والمربون مع الطلاب في مراحل التعليم الأساسي.

 

أحد هذه المصادر يشرح للطلاب ما مر به نظراؤهم من اللاجئين السوريين، متعرضًا لتجارب الحرب وآثارها في حيواتهم، كذلك يقدم حزماً تعليمية تشرح الصراعات في التاريخ العالمي، وبرامج تشجع الحوار حول الحرب والسلام، ووضع المرء محل الآخر، وماذا كان سيفعل لو اضطر لترك منزله، وما سيأخذه معه في ذلك الحين، بجانب أنشطة لتعزيز فهم الطلاب لمحنة اللاجئين.

 



طلاب يديرون مدارسهم

يلتحق أكثر من مليون طالب بالولايات المتحدة الأميركية، بمدارس تتبع أنظمة التعلم الاجتماعي العاطفي. وفي مدرسة مارتن بيتيتجان الابتدائية براينا-لويزيانا، لا تتعجب إذا رأيت الطلاب يديرون المدرسة؛ فهناك قد تجد أحدهم يعلق إعلانًا، أو يقوم باستدعاء حافلات المدرسة، أو يسقي زهور الحديقة، حيث إن الطلاب يتناوبون على المهام الإدارية بالمدرسة.

وذلك وفق برنامج "القائد بداخلي" “Leader in Me” ويتعلم خلاله الطلاب كيفية إقامة علاقات صحية، ويتعرفون إلى احتياجاتهم وتقاطعها مع الآخر، ويستقي البرنامج مبادئه من ستيفن كوفي، صاحب كتاب "العادات السبع للناس الأكثر فاعلية"، ويطبق في أكثر من 2500 مدرسة حول العالم، وهو برنامج يتبع تعاليم التعلم الاجتماعي والعاطفي.





حلقات صداقة

وفي بريطانيا، ليس غريبًا أن تجد طلاب مدارس برنامج PATHS الابتدائية يعتنون ببعضهم بعضاً، خاصة إذا رأوا طفلًا حزينًا أو يجلس وحيدًا، وهو البرنامج الذي حقق نجاحًا كبيرًا وقدمته "بارناردوس" أكبر جمعية خيرية للأطفال بالمملكة المتحدة، ويتعلم خلاله الأطفال مهارات إدارة المشاعر وتقدير الذات والتعاطف وإقامة علاقات صحية والاتخاذ السليم

للقرارات، عبر وسائل تعليمية تعتمد على المرحلة العمرية، مثل استخدام الدمى والقصص، فيما يتعلم الأكبر سنًا عبر العمل مساعدين للمشرفين بالمدرسة، بجانب حلقات الصداقة التي يتعلم خلالها الأطفال مهارات التواصل الفعال، وحل الصراعات وإدارة العلاقات والعمل الجماعي.


المواطنة الحقة

تطبق سنغافورة برنامج التعلم الاجتماعي العاطفي وفق أربعة مبادئ أساسية، فتؤمن أن القيم هي الموجهة لسلوكيات الشخص، وقادرة على جعله مواطناً صالحاً في بنية المجتمع، وعدم التمسك بها في الأفعال والقرارات يؤدي إلى خلل في كل منهم.

لذا تدرس القيم ضمن المقررات الدراسية، بغرض إكساب الطلاب المهارات الاجتماعية والعاطفية. كذلك تعد البيئة المدرسية ذات أهمية جوهرية في تدعيم تعلم هذه المهارات؛ لذا تولي عناية خاصة بالمدارس والمعلمين كونهم نماذج وقدوات للطلاب.





نجاح كبير

أثبتت الأبحاث العلمية نجاح عديد من برامج التعليم العاطفي الاجتماعي. فتخبرنا أن المهارات الاجتماعية والعاطفية في عمر مبكر للأطفال يمكن أن تتنبأ بمدى نجاحهم تعليميًا مهنيًا وحياتيًا في المستقبل، لذا من الضروري تكثيف الجهود لتعليم هذه المهارات منذ الصغر.

فوفقًا لدراسة أجريت على طلاب رياض أطفال، واستمرت في متابعتهم لمدة 13 وحتى 19 عامًا ونشرتها المجلة الأميركية للصحة العامة، تم تقييمهم وفقًا لمجموعة من المعايير تقابلها خمس نقاط. فكان الطلاب الذين حصلوا على نقطة إضافية في الكفاءة الاجتماعية أكثر عرضة للحصول على شهادة جامعية بنحو مرتين، والحصول على عمل بدوام كامل في عمر 25 بنسبة نحو 46%، بالمقارنة بنظرائهم الأقل.

وكان الأقل بمقدار نقطة واحدة في مقياس الكفاءة الاجتماعية أكثر عرضة للاعتقال في عمر مبكر بنحو 67%، وأكثر ميلًا لتعاطي الماريجوانا بنسبة 82%.

ووفقًا لدراسة عالمية موسعة شملت نحو 270 ألف طالب يحقق طلاب هذه البرامج نجاحًا أكاديميًا يفوق نظراءهم بنحو 11%.

توضح هذه الدراسات أيضًا أن برامج SEL تساعد في التحاق مزيد من الطلاب بالمدارس والانتظام بها، وتقلل بشكل ملحوظ من المشكلات السلوكية، مثل التسرب من التعليم، وتعاطي المخدرات. وتغير هذه البرامج مفهوم الاحتفاء بالطالب المجتهد أكاديميًا وحسب، بل  يُكافأ الطلاب بناء على تبنيهم عادةً جيدة، "يرى كل طالب نفسه يحرز تقدمًا ويضيف إلى مدرسته"، مثلما تقول كيمبرلي كومينز، مديرة مدرسة مارتن بيتيتجان.

المساهمون