التعليم التقني في العالم العربي... مشكلات بلا حدود

18 فبراير 2017
يحتاج التعليم التقني لتضافر الجهود كي ينهض (Getty)
+ الخط -


 

اتفق خبراء ومهتمون بملف التعليم الفني، على أن التعليم التقني في العالم العربي، يعاني من عدة مشكلات أبرزها: أنه لا يواكب سوق العمل، ولا يفي باحتياجات سوق العمل العربي، فضلا عن النظرة السلبية لدى العديد من فئات المجتمع وأولياء الأمور، للتعليم الفني والمهني، إضافة إلى أنه لا يحظى باهتمام واضعي السياسات التعليمية فيه، فيما لا تقدم المدارس الفنية تدريبات عملية، ولا توفر ورش عمل صيفية بمكافآت للطلاب والشباب.

ويربط الباحث السياسي حمدي عبد العزيز، بين المشكلات التي تواجه التعليم الفني بمصر والعالم العربي، وبين السياق السياسي في المنطقة، والذي لا يشجع على التنمية، فمن جهة لا تتم الاستعانة بالمتخصصين الوطنيين، في تطوير التعليم الفني، حيث يفضل صانع القرار الاستعانة ببيوت خبرة من الخارج، لا تكون على إلمام كافٍ بمشكلاتنا.

ويتابع: "من جهة ثانية نجد أن هناك عددا ضخما، يتخرج سنوياً من التعليم الفني، دون تطويره أو تدريبه والاستفادة منه، وينضم بعضهم إلى صفوف العاطلين عن العمل، أو يسعى إلى البحث عن مشروعات تجارية صغيرة، تبقيه على قيد الحياة، أو فرص وظيفية حكومية".

ويضيف، أن عدم تفعيل البحث العلمي، من أجل تطوير القطاع الصناعي، يعكس توجهات سياسية، ترتكز على تشجيع العمل التجاري، سواء الوكالات التجارية لرجال الأعمال الكبار، أو المشروعات الاجتماعية التجارية للنساء والشباب، والتي ترتكز على فكرة ريادة الأعمال، التي تروجها مراكز المشروعات الخاصة الغربية، أو تلك المرتكزة على فلسفة بنك جرامين، وأفكار البروفسور محمد يونس، والتي تصلح لبنغلادش، وليس للدول العربية.


نظرة سلبية

وفي مقابل التشجيع على ريادة الأعمال التجارية والاجتماعية الصغيرة، أو تشجيع الاقتصاد القائم على الوكالات، بحثاً عن الربح السريع، دون إعطاء أي أهمية لقطاع التصنيع، فإن هناك نظرة مجتمعية سلبية للعمل الفني، تصور العامل الفني بأنه يرتدي (بالطو) متسخا، ويداه غارقتان في الشحم والزيوت، وتحت الشمس لساعات طويلة خلال اليوم.

ويؤكد عبد العزيز، على أن النهوض بالتعليم الفني يعني مساهمته في صناعة الإنسان المصري والعربي المنتج، وهو ما يتطلب عدم قصر اهتماماتنا على المشروعات التجارية، التي ترتكز على فلسفة العمل الحر (الغربية)، أو المشروعات الاجتماعية التجارية الصغيرة، التي تستند إلى أفكار البروفسور محمد يونس، إلى ضرورة البحث عن نماذج عالمية أخرى، تفيد مصر والعالم العربي، في هذا المجال.

ويعبر عن شكوكه في إمكانية الاستفادة من النماذج الأوروبية، نظراً لأن (وصفات) الدول والمؤسسات المانحة، تشجع الوكالات التجارية، داعياً إلى الاستفادة من النموذج الهندي، على اعتبار أن الهند ظروفها تتشابه مع الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، للعالم العربي، ولديها قاعدة جيدة للبحث العلمي والتعليم الفني، ويتم تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حتى تكون مساندة وداعمة لقاعدة التصنيع في البلاد.


سنوات من الإهمال

من جانبه؛ يرى الكاتب الصحافي، حمدي البصير، أن هناك العديد من المشكلات الناتجة عن سنوات الإهمال، التي ضربت كل نواحي التعليم الفنىي فى مصر والعالم العربي، موضحًا أنه على الرغم من الاهتمام الدولى الكبير بالتعليم الفني، باعتباره أحد أهم الأعمدة الرئيسية، التي ساهمت في نهضة أكثر من دولة متقدمة، صناعياً وتكنولوجياً، مثل ألمانيا والصين واليابان وغيرها، إلا أن عددا من دولنا العربية لم تعِ متطلبات النجاح الذي وصلت إليه هذه الدول، ولا يزال التعليم الفني يعاني في ظلمات المنظومة التعليمية المصرية.

ويضيف "البصير"، الخبير الاقتصادي، أن سياسات القبول المفتوحة بالمدارس الفنية، أدت إلى ضعف قدرة قطاع التعليم الفني لسنوات طويلة، على اتخاذ قرار خاص بتحديد أعداد الطلاب المستجدين، فعادة يتم اختيار الطلاب الأقل مجموعاً في المرحلة الإعدادية، والسماح لهم بدخول إحدى تخصصات التعليم الفني الثانوي، كما أن التعليم الفني عانى بشكل كبير من ضعف الإقبال عليه، وتفادي أولياء الأمور إلحاق أبنائهم بالمدارس الفنية، لسوء سمعتها العلمية والتربوية، وضعف مستوى خريجيها، وعدم وجود فرص عمل حقيقية أمام طلابها بعد التخرج، لانفصال التعليم في تلك المدارس، عن سوق العمل تقريبًا.

ويشير رئيس مركز الدراسات الاقتصادية بجريدة "العالم اليوم"، إلى أن مباني عدد كبير من المدارس الفنية التجارية والصناعية والزراعية، خاصة فى المحافظات، تعاني من الإهمال الشديد، حيث أصبحت لا تقوى على استيعاب أعداد الطلاب التي خُصصت لاستقبالهم سنوياً، بالإضافة إلى تقادم الأجهزة والمعدات الموجودة بالمعامل والورش بالمدارس، وتلفها مع صعوبة التخلص منها، واستبدالها بأجهزة ومعدات جديدة تواكب التطور.

يقول: إن ضعف إمكانيات مدربي ومعلمي المواد العملية، يأتي ضمن أهم المشكلات التي ضربت التعليم الفني، بالإضافة إلى ضعف التوجيه الفني الفعال والمتابعة الدائمة، كما أن ضعف الميزانية المخصصة للتعليم الفني في بلد مثل مصر، التي وصلت قيمتها للعام الدراسي الجديد إلى 12 مليار جنيه، بعد أن كانت 9 مليارات، وهي نسبة لا تمكن مقارنتها بالتعليم العام، رغم تخصيص وزارة العام الماضي باسم "التعليم الفني"، لكنها ألغيت لأسباب مجهولة، وتم ضمها لوزارة التربية والتعليم.

المخرجات واحتياجات السوق

ويؤكد البصير، على أن الفجوة زادت في الوقت الحالي، بين مخرجات التعليم الفني، واحتياجات سوق العمل، بسبب عدم ارتباط منظومة المنهج ببعضها، وضعف التنسيق والتكامل بين قطاع التعليم الفني بالوزارة، والوزارات المعنية ذات الصلة بالتعليم الفني في مجال التدريب، كما قتلت النظرة المجتمعية لطلاب ومنظومة التعليم الفني ما تبقى من أهمية له، فنظرة المجتمع المتدنية للتعليم الفني وطلابه أفقدته أهميته، كأحد أهم عناصر التطوير في المجتمع المصري.

ويعتبر أن النظرة "الدونية" للتعليم الفني لا تختلف في بعض الدول العربية عن مصر كثيرًا، موضحًا أن الاستثناء يأتي في بعض دول الخليج، التي خصصت إمكانيات كبيرة لدعم التعليم الفني، وافتتحت مدارس صناعية وزراعية، بالتعاون مع خبراء أجانب ومدارس تعمل في نفس

المجال، خاصة في الدول المتقدمة مثل: ألمانيا، وأميركا، وبعض دول شرق آسيا، لا سيما الصين واليابان؛ مطالبًا بتفعيل اتفاقية مبارك- كول، لتطوير التعليم الفني، بين مصر وألمانيا، والاستعانة بالخبرات الصينية واليابانية والكورية والماليزية، لعمل مدارس فنية مشتركة، وإلغاء التعليم الفني التجاري.

ويطالب البصير، بعودة وزارة التعليم الفني مرة أخرى، وزيادة مخصصاتها المالية، والتعاون مع القطاع الخاص لتطوير مدارس التعليم الصناعي، على أن تكون الأولوية لخريجي تلك المدارس، في العمل بمصانع القطاع الخاص، مع تبني رجال الأعمال إرسال معلمي التعليم الفني للخارج، من أجل الاستفادة من التطور هناك، مع ضرورة ربط التعليم في تلك المدارس بسوق العمل.

يواكب العصر

أما الخبير كمال مغيث، فيرى أن التعليم الفني يتميز عن التعليم العام بأنه غير مرتبط بالرفاهية، وإنما بالحاجة إلى العمل، ومن ثم فإنه في الغالب يكون الحل الوحيد أمام الأسر المتوسطة، والتي ليس لديها رفاهية تعلم العلم للعلم، وإنما للعمل وتوفير لقمة العيش؛ معتبرًا أن مشكلة التعليم الفني تبدأ من خارج المدرسة، حيث الإرادة الوطنية، التي لا بد أن يكون لديها تصور واضح لكيف يكون لدينا تعليم فني فعال وناجع، مواكب للعصر، ويلبي احتياجات المجتمع، ويوفر فرص عمل للخريجين.

ويقول: "لا يمكننا عمل تعليم فني منفصل عن المجتمع، وبالتالي لا بد من توفير مجالات العمل، تلبي رغبات طلاب التعليم الفني، في البحث عن فرص عمل؛ مشيرًا إلى أنه يجب توفير خريج كفؤ، لديه القدرة على التعامل مع أحدث الأجهزة والماكينات، وهو أمر يستلزم تحديث التعليم الفني بأحدث الوسائل التقنية، التي تواكب فرص العمل، إضافة إلى توفير مجالات العمل لخريجي التعليم الفني.

ويشير الباحث بالمركز القومي، إلى أن المطلوب وضع سياسة اقتصادية للتعليم الفني، لها ملامح واضحة، تشجع المصانع ذات العمالة الكثيفة، كأن تدخل الدولة كشريك معها بهدف تشجيعها، أو أن تقدم لهم عدة تسهيلات كالإعفاء الضريبي، أو الكهرباء المدعومة،  في حال تشغيلها 200 من خريجي التعليم الفني؛ معتبرًا أن من أبرز التحديات أننا لا نزال نفكر بطريقة العصور الوسطى، فضلا عن غياب الإرادة السياسية.

 


دلالات
المساهمون