وتمثل هذه المشكلة جزءا من جدل اجتماعي ومؤسسي واسع حول مشكلات التعليم المتعددة، ولا سيما في مراحله المبكرة، حيث لا يتمتع الأطفال بأماكن مفتوحة لممارسة الأنشطة البدنية والاستمتاع، وفي الوقت الذي تسهم فيه الألعاب الإلكترونية في تغيير نمط حياة الأطفال إلى نمط لا حركي؛ وهو ما أدى إلى انتشار الإصابة بزيادة الوزن وارتخاء العضلات، وغيرهما في مراحل سنية مبكرة.
وإذا كانت مرحلة الطفولة، كما يؤكد علماء التربية، هي مرحلة التعلم والاستمتاع، فإنه من الواجب على الأكاديميين عدم إغفال جوانب الصحة البدنية، ومن بينها ما تسببه الحقيبة المدرسية الثقيلة من إرهاق على العمود الفقري للطفل يؤثر سلبا على جهازه العضلي الهيكلي.
وبينما قد تساعد رقمنة تعليم الأطفال، كاستراتيجية تعليمية مستقبلية، على تخفيف هذا الحمل عن كاهل أطفال المدن في المستقبل، فإنه يصعب تعميم هذه الآلية في جميع الأنحاء داخل الدولة الواحدة، فضلا عن جميع الدول؛ ومن هنا تكتسب مبادرات الحلول الآنية والعملية أهميتها لمواجهة هذه المشكلة الملحة.
النموذج الهندي
لا تختلف أبعاد هذه الإشكالية كثيرا بين بلدان العالم المختلفة، ولا سيما بين تلك التي تقبع في مستويات تعليمية متقاربة. ففي الهند، على سبيل المثال، تقدر دراسة أجرتها اللجنة الصحية التابعة لـ "اتحاد الغرف التجارية والصناعية" أن 68% من أطفال المدارس يعانون من آلام متوسطة في الظهر، يمكن أن تتطور إلى آلام مزمنة، ثم إلى انحناء في الظهر، في مرحلة لاحقة.
وقد أشارت الدراسة، وفقا لما أوردته صحيفةThe New Indian Express، إلى أن 88% من الأطفال في الفئة العمرية من 7 إلى 13 عاما يحملون حقائب مدرسية يزيد وزنها على 45% من وزن أجسامهم.
وشملت العينة التي أجريت عليها الدراسة أكثر من 2500 طفل، إضافة إلى 1000 أم وأب، من سكان المدن الكبرى. وتضمنت النتائج التي توصلت إليها بعض الحقائق المفزعة؛ فأغلب الأطفال على سبيل المثال يضطرون إلى حمل أكثر من 20 كتابا ودفترا دراسيا، إضافة إلى أشياء أخرى في بعض أيام الأسبوع، مثل الملابس والأدوات الرياضية.
ووفقا لمعهد صحة الأطفال بالهند، تعتبر الحقائب المدرسية المثقلة بالكتب المسؤول الأول عن الإصابة بآلام الرقبة والظهر في المراحل العمرية المبكرة.
ويشدد المعهد على ضرورة عدم تجاوز وزن الحقيبة المدرسية 10% من وزن الطفل، (بما يعادل 3 كيلوغرامات كحد أقصى للأطفال بين 8 و15 عاما)، وأن يستخدم الطفل حمالتين لتثبيت الحقيبة على ظهره.
كما يوصي بضرورة توفير خزانة صغيرة للطفل داخل المدرسة، وأن يبلغ المعلمون الأطفال مسبقا بالكتب المطلوب إحضارها، وتعليم الأطفال الطريقة الصحية لتعبئة الحقائب وحملها، بحيث تكون الكتب الأكثر ثقلا ملتصقة بظهر الطفل.
"يوم دراسي بلا حقيبة"
بذلت مؤخرا بعض المؤسسات الحكومية جهودا حميدة لضمان تخفيف الأحمال التي تنوء بها ظهور الأطفال. ففي يوليو/تموز 2017، وجهت حكومة ولاية تيلانجانا، حسب ما أوردت صحيفة "التايمز" الهندية، الإدارات المدرسية بمتابعة وزن الحقائب المدرسية للتأكد من موافقتها للمقاييس الصحية.
كما قرر المسؤولون عن التعليم في مدينة بنغالور، بدءا من شهر ديسمبر/كانون الأول 2017، تخصيص يوم من كل أسبوع يذهب فيه الأطفال إلى المدارس من دون كتب، فيما أطلق عليه "No Bag Day" (يوم دراسي بلا حقيبة).
وفي عام 2016، أصدر وزير تنمية الموارد البشرية وثيقة مكتوبة، ردا على استجواب تقدمت به إحدى عضوات البرلمان الهندي بشأن "تقليل وزن الحقيبة المدرسية"، أكد فيه أن "الحكومة المركزية قد قطعت شوطا كبيرا نحو تقليص المناهج الدراسية، وأنها بصدد التركيز على المناهج العملية والبنائية والمتمركزة حول الطفل، وأنها تتخلص تدريجيا من التعلم التقليدي القائم على الحفظ والاستظهار".
وذكرت الوثيقة أيضا أن "منصة E-Pathshala الإلكترونية"، التي تم تدشينها ضمن فعاليات "المؤتمر الوطني لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم المدرسي"، الذي عقد في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، تهدف بالأساس إلى "نشر جميع المصادر التعليمية الإلكترونية، بما في ذلك الكتب المدرسية والمواد المسموعة والمرئية والدوريات المتخصصة، إلى غير ذلك من المواد التعليمية المطبوعة وغير المطبوعة".
كما تقدم المنصة الإلكترونية حلولا لإشكاليات الوصول إلى مجموعات طلابية متنوعة، وتقديم محتوى إلكتروني جيد، مع مراعاة الوصول المجاني عبر وسائل تكنولوجية متعددة، مثل الهواتف المحمولة والحواسيب اللوحية والشخصية.
دور المدارس
وبينما تمثل رقمنة التعليم، وفقا للوثيقة الوزارية، آلية مستقبلية، فإن ثمة سؤالا مهما يطرح نفسه حول إمكانية توافر آليات أخرى آنية مجدية وقابلة للاستمرار يمكن أن توظفها المدارس لتخفيف الحمل عن ظهور أطفال المدارس.
في هذا السياق، أصدرت إدارة مدارس Heritage School ، في مدينة كالكوتا ذات الكثافة الطلابية المرتفعة، تعليماتها بضرورة توفير خزائن صغيرة للأطفال داخل مدارسها للمساعدة في تقليل وزن الحقيبة المدرسية.
كما طرحت مجموعة مدارس La Martiniere مؤخرا مبادرة لتوفير مطبوعات يتم توزيعها على الأطفال داخل الفصول.
ومن المقرر أن تتكون هذه المطبوعات من عدد محدود من الأوراق يحتوي على ملخص للموضوع الدراسي، وبعض النقاط الأساسية التي يمكن للطلاب الرجوع إليها أثناء تقديم المعلم للدرس. ويقتصر استخدام هذه الملخصات على طلاب الصف الأول حتى الصف الثامن، بينما توفر المدرسة خزائن صغيرة للطلاب بدءا من الصف التاسع. وقد جاءت هذه المبادرة استجابة لشكاوى متكررة من أولياء الأمور بشأن الحقائب المدرسية الثقيلة.
لا شك في أن مؤسسات التعليم – ولا سيما الحكومية – في العالم العربي بحاجة ماسة إلى جهود مكثفة على كافة المستويات لتحقيق مبدأ "التعلم الممتع"، ولا سيما في مراحل التعليم المبكرة، ولن يتأتى ذلك إلا بالاستفادة القصوى من النماذج والتجارب المختلفة.