بدلاً من العقاب... تعرف على التهذيب الإيجابي ومميزاته

23 يناير 2017
العقاب السلبي يفقد الثقة بالنفس وتأثيره قصير المدى (Getty)
+ الخط -

 

العقاب هو الأسلوب التربوي الذي يميل إليه الكثير من الآباء والأمهات والمربين، إذ يرون أنه أقصر الطرق للتهذيب. وعلى عكس هذا المنهج، ظهر أسلوب مقابل وهو: "التهذيب الإيجابي" ليطرح آليات تربوية لا ترتكز على العقاب، إذ اعتبر أصحاب اتجاه "التهذيب الإيجابي" أن الاعتماد على العقاب هو في الحقيقة "تهذيب سلبي"، أضراره أكثر من منافعه، أو على أحسن تقدير هو يؤدي لأقل قدر من المنافع. 

ويرتكز "التهذيب الإيجابي" بدلاً من العقاب على سبعة أركان، وهي:

  1. يجمع بين الحزم والتعاطف في وقت واحد.
  2. يراعي ويميز الأهداف الخفية وراء تصرفات الطفل غير المرغوب فيها.
  3. يفتح للطفل أبواب رحلة طويلة المدى للتعلّم وتطوير الأفكار والمشاعر حول نفسه وحول الكون.
  4. يركز على الحلول (بدلاً من لفت نظر الطفل إلى الخطأ الذي ارتكبه، أظهر له كيف تكون الأمور صحيحة).
  5. يعتمد على مشاركة الطفل للتوصل إلى حل مقبول.
  6. يدع الطفل يواجه العواقب (العواقب الطبيعية أو العواقب المنطقية).
  7. يعطي مساحة كبيرة للتشجيع (وليس الإطراء والمدح) ويوضح للطفل كم هو كفء وقادر.

وسنحاول لاحقاً أن نتحدث بشيء من التفصيل عن هذه الأسس السبعة، ولكن قبل ذلك نوضح: لماذا نعتبر أن الاعتماد على العقاب هو شكل من أشكال التهذيب السلبي، وأنه قليل المنفعة؟ هناك ثلاثة أسباب:

أولا: أكدت الأبحاث العلمية أن الاعتماد على العقاب كأسلوب تربوي يؤدي لمشكلات عديدة (خاصة إذا كان العقاب يشتمل على كلمات أو تصرفات مهينة للكرامة أو يشمل إيذاء جسدياً).
أهم هذه المشكلات: الألم النفسي والحزن الذي تستمر ذكرياته مدى الحياة، فقدان الثقة بالنفس، الغضب والسلوك العدواني، الرغبة في الانتقام، اضطرابات النوم، التبول اللاإرادي، اضطراب العلاقة مع السلطة، القلق، الميل للجوء للتدخين أو تعاطي المخدرات أو الأنواع المختلفة من

الإدمانات، الاضطرابات الجنسية، والسلوك المعادي للمجتمع.

ثانياً: لأن الفائدة الوحيدة من العقاب هي: الطاعة المباشرة الفورية، ولكن، في مقابل ذلك، فإن تأثيره يكون - عادة – قصير المدى أو مرتبطاً بوجود مصدر العقاب، وهو ما يسميه التربويون "وحدة التحكم الخارجي" (External Locus of Control)، ويختفي الأثر بمجرد زوال مصدر العقاب، على عكس التهذيب الإيجابي الذي يعتمد على تقوية "وحدة التحكم الداخلي" (Internal Locus of Control)، فيظل التأثير مستمراً حتى رغم غياب مصدر العقاب.

ثالثاً: الاعتماد على العقاب يؤدي إلى فقر تربوي شديد بالتدريج، فالتوبيخ المستمر يجعل الأطفال يفقدون تركيزهم مع المربيين ثم، بالتدريج، يتجاهلونهم، لذلك يشكو المربون من أن كلامهم لم يعد مسموعا رغم أنهم يكررونه عشرات المرات! كما أن الأطفال  يرون أنهم يمتثلون لقواعد غير منطقية  من وجهة نظرهم (لمجرد أن الأب أو الأم قالا ذلك وهم لا يفهمون الداعي لذلك!)، بالإضافة إلى أنهم يعاقبون عن سوء التصرف بدلاً من تعليمهم معارف ومهارات تساعدهم في كيفية تحسين التصرف.


ورغم تلك العواقب يميل كثير من الآباء والمربين نحو العقاب، ويستسلمون لمجموعة من الأفكار التي تحركهم وتدفعهم نحو الارتكاز على العقاب. ونحن هنا فقط ندعوهم لفحص تلك الأفكار لعلهم يكتشفون مع الوقت كم هي واهية وغير جديرة بالاتباع:

الفكرة (1): "هذا حدث معي ولم يسبب لي أي أذى".

افحص الفكرة: تأمل قليلا، هل حقا هو لم يسبب لك أذى؟ أم أنه سبب لك أذى ولكنك اعتدت على وجوده؟.   

الفكرة (2): "لا شيء آخر ينفع"..

افحص الفكرة: هل فعلاً لا شيء آخر ينفع؟ أم أنك أنت الذي لا تتقن مهارة أو أسلوباً آخر؟ وبالتالي فأنت تمارس ما تعرفه.

الفكرة (3): "العقاب الجسدي يعطي أفضل نتيجة".

افحص الفكرة: العقاب يعطي "أسرع" نتيجة، ولكنه لا يخلق أفضل إنسان.

الفكرة (4): "هم يستحقون العقاب".

افحص الفكرة: لا يوجد طفل سيئ، ولا يوجد طفل "يستحق" العقاب، ولكن يوجد سلوك سيئ، وهذا هو ما تحاربه أنت والطفل معاً.

الفكرة (5): "لم يكن أمامي خيار آخر".

افحص الفكرة: هل لم يكن أمامك خيار آخر؟ أم لم يكن لديك الوقت أو الجهد أو الصبر للبحث عن خيار آخر، وذلك بسبب الضغوط الرهيبة فوق كتفك؟.

الفكرة (6): "هذه عاداتنا وثقافتنا العريقة".

افحص الفكرة: وهل ترى أن هذه العادات العريقة أدت إلى أمة متقدمة؟ أم أدت إلى أمة تسودها الخلافات والحروب والعجز عن التواصل؟.

وهنا نريد أن نلفت النظر إلى أن الأصل اللاتيني لكلمة "التهذيب" (discipline) هو disciplina وهو يعني "التعليم" ولا يعني "العقاب" كما ينصرف لأذهان الكثير من المربين (حيث يعتقد بعضهم خطأ أن كلمة التأديب أو التهذيب هي مرادف للعقاب كما ذكرنا)، أي أن المعنى الحقيقي للتهذيب هو في الحقيقة رحلة التعلم! وهذا ما سنتحدث عن أركانه السبعة في المقالات الآتية.

ونختم بهذه الجملة:

"أطفال اليوم قد اكتسبوا عادات سيئة، وهم يحبون الترف، ويحتقرون السلطة، ولا يحترمون من يكبرهم سنّاً، ويحبون الثرثرة. أطفال اليوم لم يعودوا يقفون عند دخول الأكبر منهم إلى الغرفة. وهم يعارضون الوالدين ويثرثرون ويشبكون أرجلهم، ويأكلون الأطعمة الطيبة بنهم".

هل تعرف من قائل هذه العبارة؟ ومتى قالها؟ إنه الفيلسوف "سقراط"، قبل الميلاد بنحو أربعة قرون! فالكبار يشكون من الأطفال في كل عصر، ويتصورون دائماً أنهم أصبحوا أسوأ وأصعب، ولكن الحقيقة هي أن الأطفال هم الأطفال، صحيح هناك تغيرات في كل عصر تفرض علينا المزيد من الإبداع في الوسائل، ولكن هناك مشترك إنساني في كل طفل لا يتغير عبر العصور، فرفقاً بأطفالنا... فهم ليسوا الأسوأ.. 

المساهمون