في مبادرة مجتمعية لتوفير حق الأطفال في اللعب في مكان آمن، شهد مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين الواقع في شمالي لبنان، إنشاء ساحة مخصصة للأطفال بجهود جمعيات أهلية لخلق بيئة ترفيهية.
يتحدّر إياد مقدادي من بلدة شفا عمرو الفلسطينية، ويقيم في مخيم البداوي، وهو أحد القائمين على المبادرة، ويقول: "المبادرة وراءها مؤسسة جفرا، وبالتعاون مع بعض الجمعيات المحلية في مخيم نهر البارد، كالدفاع المدني الفلسطيني وجمعية الجليل، والهدف كان توفير بيئة آمنة للأطفال خصوصاً، وسكان المخيم من اللاجئين الفلسطينيين بشكل عام، كي يستطيعوا إيجاد مكان للعب الأطفال، وقد اخترنا منطقة عند النهر كانت مكباً للنفايات، ولم تكن مناسبة لأي نشاط، إذ كانت منطقة موحلة وغير نظيفة، وقبل العمل على المشروع، طلبنا الإذن من الأهالي الذين يقطنون في المنطقة حتى نقوم بتنظيفها، ونحولها إلى حديقة للأطفال، وبالفعل أبدى الأهالي استعدادهم للتعاون معنا، وفضّلوا تحويل المنطقة إلى حديقة آمنة بدلاً من أن تكون مكباً للنفايات".
يتابع مقدادي: "بعد أخذ موافقة السكان، بدأنا العمل بدعم من مؤسسة جفرا، فقمنا بتنظيف المكان من النفايات، وقمنا بزراعة بعض الأشجار، ووفرنا عدداً من ألعاب الأطفال، ثم وضعنا مجموعة من المقاعد لتتحول قطعة الأرض إلى متنزه ومكان يلهو فيه الأولاد، كما وفرنا الإضاءة للمكان وللشارع المقابل من خلال استخدام الطاقة الشمسية، وصار السكان يصطحبون الأطفال إلى الحديقة في وقت العصر وعند المساء، حتى يلعب الأولاد في الحديقة بالأراجيح التي وضعناها. صار المكان نظيفاً، مضاءً، وبات الأطفال سعداء بالذهاب إليه".
يضيف: "اخترنا أن ننفذ هذه المبادرة لأننا نريد بيئة آمنة للأطفال في مخيم نهر البارد، إذ لم تكن هناك مساحات مخصصة للأطفال في المخيم، وحين يريدون اللعب كانوا يضطرون إلى مغادرة المخيم للعب في الأماكن المخصصة لذلك، أو يضطرون إلى اللعب في شوارع المخيم، أو أمام منازلهم، ما يعرّض الكثير منهم للمخاطر. وفّرت هذه المنطقة الآمنة مساحة مناسبة للعب الأطفال، كما وفرت التكلفة المادية التي كان يضطر الأهل إلى دفعها حين يريدون الترفيه عن أولادهم".
يتابع: "الساحة وفرت أجرة السيارات إلى أماكن الترفيه أو مدينة الملاهي في مدينة طرابلس، والتي كانت تكلف الأهالي في الحدود الدنيا 30 دولاراً في الشهر الواحد، بينما هذه المنطقة مخصصة للعب الأطفال بالمجان، وفيها ألعاب مختلفة، وزرعنا غالبية المساحة، وسوّينا أرضها، وفيها عشرة مقاعد، وليس مسموحا بدخول السيارات إليها. الأهالي سعداء بوجودها، لأنها فسحت المجال أمام أولادهم أن يأخذوا حقهم في اللعب، وساهمت في عزوف الأولاد عن ألعاب الهاتف النقال لممارسة الألعاب الحقيقية، كما أن الأهل صار بإمكانهم التنزه في المكان".
وتقول السيدة هلا، وهي أم لطفلين من سكان مخيم نهر البارد: "وجود هذه الحديقة مهم جدا لنا ولأطفالنا، علما أنها كانت موجودة من قبل، لكن لم يكن غالبية الناس يستغلون وجودها، رغم أنها مكان للترويح عن النفس في ظل الضغوط النفسية التي يعيش فيها سكان المخيم، والمشكلات التي تطاردهم من هنا ومن هناك. كان الأطفال، حتى من هم في سن المراهقة، يضطرون إلى الخروج من المخيم للبحث عن أماكن للترويح عن أنفسهم، ووجود مثل هذا المكان ساهم في خلق جو إيجابي بالمخيم، مما جعلنا نقبل على ارتياده مع أولادنا، هم يلعبون بحرية، ونحن نروّح عن أنفسنا، كما أن وجوده خفف عنا تكاليف مادية كثيرة، إذ كنا نضطر إلى شراء الألعاب لأطفالنا، أو أخذهم إلى أماكن تتوفر فيها الألعاب، علمًا أنه لم يعد بإمكاننا فعل أي من ذلك كثيراً، حتى في أيام الأعياد، إذ لا نستطيع تأمين المال اللازم للترفيه عنهم".
وتضيف: "الحديقة وفرت لنا كأهل راحة البال، إذ لم نعد نخشى من تعرّض أولادنا للحوادث أو المخاطر خلال اللعب في الشارع. في السابق كنت أخشى أن تصدمهم سيارة أو دراجة نارية، وفي الوقت الحالي، صارت الشوارع تعج بالدراجات النارية، كما أننا صرنا نأتي إلى الحديقة ليلاً بعد أن توفرت فيها الإضاءة عبر الطاقة الشمسية، وأحياناً نأتي إليها ليلاً حين تنقطع إضاءة المنازل لعدم استطاعتنا الاشتراك في مولد الكهرباء بسبب ارتفاع تكلفته، فنقضي بعض الوقت في مكان مضاء بدلاً من منازلنا المظلمة".
ويقع المخيم بالقرب من ميناء مدينة طرابلس، عند مصب نهر البارد في البحر المتوسط، ويضم نحو 30 ألف لاجئ فلسطيني، وأنشئ في الأساس لتوفير مكان إقامة للفلسطينيين المهجرين من بحيرة الحلوة.