مبادرات لدعم القطاع الصحي في السويداء السورية

21 نوفمبر 2023
دفعت الظروف الصعبة للقطاع الصحي بسورية إلى موجة هجرة أطباء وأطر (سمير الدومي/ فرانس برس)
+ الخط -

تُعاني معظم الطواقم التمريضية في المراكز الصحية والمشافي الحكومية في سورية من ظروف العمل الصعبة والحقوق المهدورة وعدم مساواتها مع اختصاصات أخرى، ما جعل أغلب أفرادها يستقيلون، مُفضّلين الهجرة على العمل براتب بخس بالكاد يكفي أجر المواصلات.

وخلال الأعوام العشرة الأخيرة، وجد الممرضون في محافظة السويداء في الاستقالة ثم الهجرة الباب الأفضل لتحسين ظروفهم المعيشية، فيما اتجه قسم آخر منهم للعمل في المشافي والمراكز الخاصة، بعد أن سُدت في وجههم أبواب الهجرة أو تعسر عليهم تأمين تكاليف السفر.

مطالب كثيرة رفعها الممرضون لمنحهم بدلاً نقدياً عن طبيعة العمل والدوام خلال العطل الرسمية، كما طالبوا بتأمين وسائط النقل، ووجبة غذائية ولباس، وإصدار نظام حوافز يتناسب مع طبيعة عملهم، إضافة إلى تفعيل البطاقة الصحية للمتقاعدين.

عمران حرب أحد أعضاء فريق طبي في إحدى قرى السويداء قال في حديث لـ"العربي الجديد": "عندما بدأ عملنا لم نكن نفكر أبداً بأي مردود مادي، كان همّنا تقديم الخدمات لأهلنا، وخاصة في الحالات الإسعافية الحرجة والأمراض التي تتطلب متابعة دائمة مع القصور الواضح في القطاع الصحي العام. لكن جهود المغتربين في دعمنا أثمرت نجاحاً شجعنا على الاستمرار في عملنا وتوسيعه، وإيقاف التفكير في الهجرة بعد تسجيل نقص كبير في الكوادر الصحية".

وتابع حرب "رغم أنني أجد صعوبة ووقتاً مليئاً بالعمل والجهد، إلا أنني أستشرف في القريب أن تحل هذه المشكلة، إذ نفكر في تطوير معدات الفرق بشكل تراكمي مع الزمن لنستكمل كل ما هو ضروري، لأنه لا يمكن التعويل على الحكومة مُطلقاً بتحسين الوضع الصحي كغيره من باقي القطاعات".

ولفت إلى أنه مع بدايات العام الحالي وبدعم من أطباء مغتربين في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وبالشراكة مع جمعيات خيرية أسسها مغتربون من السويداء في المهجر، بدأ التفكير يتجه لإنشاء وإدارة فرق طبية في القرى والبلدات وأحياء المدن الكبيرة لتعويض النقص الواضح في القطاع الصحي، معتمدين على مبدأ اللامركزية الإدارية في تحديد احتياجات المناطق صحياً، من خلال تشكيل فريق في كل منطقة يتكون من ممرضين وطبيب أو اثنان على الأكثر لكل 5000 نسمة بتعويضات معقولة للفريق مع حقائب إسعافية وناشط إداري متطوع مع الفريق.

وأشار حرب إلى أن الفرق أثبتت نجاحها في العديد من المناطق نتيجة الشفافية المتبعة في عملية إدارة الفريق والتعامل مع الحالات وخاصة الإسعافية الحرجة التي قد تحتاج لمستشفى ولكنها غير قادرة على الوصول في الوقت المناسب نتيجة ظروف النقل وتردي وضع المنظومة الإسعافية التقني في المحافظة. ما يمكن أن يبث الأمل ببداية حل، ولو كان بسيطاً، مبدئياً لمشكلة الوضع الخدمي الصحي.

وتابع "في الوضع الحالي هناك ضغوطات كبيرة على العاملين في القطاع الصحي والجهات المختصة في حكومة النظام لم تقدم منح أو تعويضات للكوادر أبدا"، مردفاً أنّ "هناك جهات تحاول بشكل ما عرقلة عمل المنظومة الصحية المنبثقة عن المجتمع المدني دون معرفة الغاية من ذلك".

من جهته، أكد مدير دائرة صنع القرار في السراي الحكومي المهندس فراس البعيني لـ"العربي الجديد"، غياب إحصائيات جديدة دقيقة بخصوص وضع القطاع الطبي في السويداء، أو حتى أرقام رسمية عن هجرة الأطر الطبية، مشيراً إلى أنه في عام 2011، بلغ عدد الأطباء في المراكز الصحية 178 طبيباً، فيما تراجع كثيراً في عام 2018 ليصل إلى 132 طبيباً. وفي المشافي العامة بلغ عدد الأطباء العاملين حتى نهاية عام 2011، لمشفيي (السويداء – صلخد) 212 طبيباً، منهم 78 طبيباً جراحاً. وعدد الأطباء المقيمين 83، أما في نهاية عام 2018 فقد بلغ عدد الأطباء العاملين لثلاث مشافي عامة (السويداء – صلخد – سالة) 266 طبياً عاملاً، منهم 46 جراحاً فقط، وعدد المقيمين 108 أطباء. وكانت الفجوة واضحة بعد ثماني سنوات في العدد والنوعية.

وأوضح البعيني أن الترتيب التالي يحمل بعضاً من الواقع الفعلي للأطباء، علماً أن عدد سكان السويداء الحقيقي 450 ألف نسمة حسب إحصاء المرصد الحضري. لافتاً إلى أن عدد الأطباء المسجلين في نقابة الأطباء هو 1121 طبيباً لنهاية عام 2018، وعدد الأطباء العاملين 814، وعدد الأطباء المفصولين 125، وعدد الأطباء المنقولين 94، وعدد الأطباء المتوفين 46، حيث تشير الإحصاءات إلى أن لكل 776 نسمة طبيباً واحداً خلال عام 2011.

وتابع "أما في نهاية عام 2018، فقد كان لكل 553 نسمة طبيب واحد، وهو رقم يدل على أن هناك تحسناً كبيراً صحياً، لكن مؤشرات الهجرة تنفي ذلك تماماً، خاصة بعد تناقص النمو السكاني بشكل كبير، حيث أشارت السجلات الرسمية إلى نسبة عالمية وصلت إلى 0.12 بالألف، وأن كل 100 ألف نسمة يهاجر منهم عشرون ألفاً". 

وكان رئيس فرع نقابة التمريض والمهن الطبية في السويداء، فؤاد مشرف رضوان، قد طالب بتفعيل فرع نقابة العاملين في القطاع الصحي، مُحمّلاً النقابة المركزية مسؤولية عدم تفعيل عملها بذريعة عدم مصادقتها على النظام الداخلي والمالي للنقابة، الذي تم إقراره منذ أكثر من عامين، مشيراً إلى أن الانتساب لفرع النقابة يقتصر على من يرغبون بالسفر خارج سورية، لضرورة حصولهم على ترخيص مزاولة المهنة بناء على انتسابهم لتنظيم نقابي. وفق تقرير لصحيفة الوطن الموالية للنظام صدر أمس الاثنين.

وبالرغم من إصدار الوزارة قرارا بتشكيل لجنة لزيادة تعويضات الممرضين عام 2022، إلا أن اللجنة لم تخرج حتى اليوم بأي قرار بهذا الخصوص، وفق ما ذكرت الصحيفة. 

يشار إلى أنه في السنتين الأخيرتين ازدادت أعداد هجرة الطواقم الصحية، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على المرضى الذين وجدوا أن خياراتهم باتت محصورة في الذهاب إلى مشافي دمشق، أو انتظار الدور في المشافي العامة دون معرفة الطبيب الجراح ومدى براعته، أو اللجوء إلى المشافي الخاصة التي تعتمد على أطباء محددين، حيث تشهد منصات التواصل الاجتماعي في كل أسبوع قضية مريض تعرض لخطأ طبي أثناء العمليات الجراحية.

المساهمون