زلزال سورية... أموال الاستجابة لم تؤوِ المتضررين

07 فبراير 2024
بعض متضرري الزلزال لا يزالون في خيام (رامي السيد/ Getty)
+ الخط -

مرّ عام على الزلزال الذي ضرب الشمال السوري في السادس من فبراير/ شباط من العام الماضي، ولا يزال الكثير من الناس ينتظرون تحقق الوعود التي باتوا يصفونها بالوهمية، وقد أنهكتهم الخيام وغير ذلك من المآسي.

تمرّ الذكرى الأولى لكارثة زلزال السادس من فبراير/ شباط عام 2023، ولا يزال المسن السوري عبدو أحمد قطيش مشرداً، حاله حال كثيرين لا يزالون بعيدين عن منازلهم أو أماكن إقامتهم التي تضررت أو تهدمت، وخرجوا منها عقب الكارثة.
في مخيم للإيواء على أطراف مدينة جنديرس في ريف عفرين شمالي حلب (شمال غرب سورية)، لا يزال العم عبدو مع عائلته برفقة حوالي 350 آخرين في المخيم، من دون حلول جذرية تنشلهم من واقعهم وقد فاقم الشتاء معاناتهم، وهو أحد الذين تداعت منازلهم في مدينة جنديرس التي كانت أكثر المناطق المتضررة في سورية. أصيب هو وزوجته ودمر المنزل الذي استأجره عقب نزوحه من بلدته بريف إدلب الجنوبي، ولم يعد باستطاعته استئجار منزل جديد ليقيم في مخيم الإيواء بانتظار الحلول.
تأخرت الاستجابة الأممية والدولية لكارثة الزلزال في سورية، لا سيما أن المساعدات كانت تحتاج إلى عبور الحدود التركية للوصول إلى شمال غرب سورية. وحال الروتين دون الاستجابة بالشكل الأمثل والسريع. وتطاول الانتقادات المنظمات المحلية العاملة ويتهمها المتضررون بسوء التصرف وعدم استخدام الموارد والأموال بالشكل المطلوب.
ضرب الزلزال محافظات حلب وإدلب واللاذقية وحماة بشكل رئيسي، وتعد الأجزاء الأكثر تضرراً في كل من إدلب وحلب خاضعة لسيطرة المعارضة السورية في شمال غربي البلاد، فيما تخضع اللاذقية (غرب) وحماة (وسط) لسيطرة النظام.
وفي شمال غربي البلاد، أقيمت مخيمات إيواء لمتضرري الزلزال في ريف حلب، فيما أزيلت المخيمات في إدلب التي كانت أكثر تنظيماً. لكن المتضررين في المنطقتين لا يزالون بلا تعويض حقيقي يعيدهم إلى منازلهم، أو يستطيعون من خلاله تأمين بديل عن المنازل المهدمة والمتداعية التي خرجوا منها.
وبالعودة إلى مركز الإيواء الذي زارته "العربي الجديد" في جنديرس، يشير العم عبدو إلى أن المساعدات العينية وصلت إليهم لمدة ستة أشهر بعد الكارثة، لكنها فقدت بشكل نهائي ما بعد ذلك. ويقول إن "أوضاع الناس كارثية في ظل نقص الخدمات. يحتاج الناس إلى منازل وأسقف قبل الطعام والشراب". أما أحمد حمو وهو من أهالي مدينة جنديرس، فلا يزال يحتفظ بخيمة أمام منزله المتداعي بفعل الزلزال لسببين: الأول هو عدم قدرته على النوم في منزله المتداعي، والثاني هو الخوف جراء ما عاشه وعائلته في ذلك اليوم.
وتقدر الأموال التي قدمتها الأمم المتحدة للاستجابة لكارثة الزلزال بحوالي 400 مليون دولار، فضلاً عن المساعدات التي قدمتها الدول والمنظمات الدولية الأخرى. لكن المتضررين يشيرون إلى أن تلك الأموال لم تصرف من قبل المنظمات في مكانها الصحيح، لا سيما في ما يخص إعادة إعمار المنازل المهدمة والمتضررة أو تعويض المتضررين بطرق أخرى.
وحول ذلك، يشير سارية عقاد وهو منسق "تحالف المنظمات السورية غير الحكومية" (تحالف يضم 25 منظمة تعمل شمال غرب سورية)، إلى أنه "لا يوجد أي بند لإعادة الإعمار ضمن المساعدات المقدمة للاستجابة لكارثة الزلزال"، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن "كل ما تم تقديمه يأتي في إطار الاستجابة للآثار المباشرة للزلزال، بالإضافة إلى دعم البنى التحتية التي كانت متضررة أساساً قبل الكارثة، كالمستشفيات التي كانت متوقفة عن العمل أو بحاجة إلى دعم، والمخيمات ومناطق المخيمات التي كانت تعاني نقصاً في الخدمات". ويشير إلى أن "الوضع كان كارثياً بالنسبة للمنظمات قبل فبراير 2023، وكانت تعاني من مشاكل في التمويل، بالتالي تم الاستفادة منها في دعم مشاريع كانت ضرورية". وبحسب عقاد، فإن دخول مساعدات الأمم المتحدة تأخر 15 يوماً بعد الزلزال. وعندما دخلت، كانت تتضمن المواد العينية كتجهيزات مراكز الاستقبال والفرش والبطانيات والألبسة بالإضافة إلى السلال الغذائية. ولم يكن من بينها ما هو مخصص لمشاريع استراتيجية أو إعادة تأهيل أو ترميم أو إعادة إعمار، مشيراً إلى أن الكارثة كان لها ردة فعل إيجابية بإعادة تمويل المنظمات التي استفادت من مبالغ كبيرة تلقتها، لكن تلك المبالغ استخدمت لدعم مشاريع كانت قائمة وبحاجة إلى دعم بالإضافة إلى تقديم المواد العينية والاحتياجات الطارئة.

بيوت جاهزة لمتضرري الزلزال في حلب (رامي السيد/ Getty)
بيوت جاهزة لمتضرري الزلزال في حلب (رامي السيد/ Getty)

ويتفق قاسم يازجي، وهو مدير وحدة المعلومات في وحدة تنسيق الدعم "A.C.U"، وهي إحدى الجهات التي تنسق عمليات توزيع المساعدات في شمال غرب سورية مع عقاد، قائلاً إن "المساعدات والأموال التي دخلت جاءت للاستجابة الفورية وتقديم المواد العينية بشكل أساسي، وتضمنت المياه والفرش والأغطية والألبسة والمواد الغذائية". يضيف أن "هناك الكثير من التقييمات التي جرت وتجري حتى الآن، لا سيما في ما يخص البنى التحتية من مستشفيات ومدارس ومرافق عامة، بالإضافة إلى المنازل. لكن معظمها لم تنته من مرحلة تقييم الأضرار، أو لا تزال في مرحلة الانتظار للبت في التمويل". ويشير إلى أن مشاريع إعادة الإعمار أو إعادة التأهيل والترميم تستغرق وقتاً طويلاً، وهذا إن وجدت الجهة التي تتبنى المشروع. ويعطي يازجي مثالاً، قائلاً إن الوحدة أجرت تقييماً للمدارس المتضررة في شمال غرب سورية. وعمدت منظمة "جي آي زد" إلى تقييم أضرار الأفران، ومنظمة "رحمة بلا حدود" إلى تقييم المباني السكنية المتضررة، لكن الأمر لم يتجاوز مراحل التقييم بالنسبة لكل هذه الجوانب.
وحول التقييم الذي أجرته وحدة تنسيق الدعم عن المدارس المتضررة في شمال غرب سورية، يقول يازجي إنه تم تقييم 2081 مدرسة تحتوي 2626 بلوكا مدرسيا. ومن البلوكات المدرسية، هناك 23 تحتاج إلى هدم وإعادة بناء، و144 منها لتعزيز هيكلي، و2459 لإصلاحات بسيطة، ولا يزال هذا المشروع متوقفا عند التقييم. ولا يختلف الأمر في الكثير في مناطق سيطرة النظام، رغم أن الأضرار هناك كانت أقل من مناطق سيطرة المعارضة في الشمال الغربي، سواء على مستوى الضحايا أو البنية التحتية أو المنازل.

سورية (عارف وتد/ فرانس برس)
أحد الناجين من الزلزال (عارف وتد/ فرانس برس)

وأجرت "رحمة بلا حدود" تقييماً شاملاً للمباني المتضررة في مناطق أعزاز وعفرين، وتم تقييم 50.715 مبنى (46.835 مبنى لشقق سكنية، 339 مدرسة، 3335 مستشفى ومبان أخرى). وتم تقييم المنازل بالتعاون مع نقابة المهندسين بمشاركة 100 مهندس/ة. وخلصت إلى وجود 17.930 مبنى غير متضرر، 20.569 مبنى متضررا بشكل جزئي، 10.330 مبنى متضررا بشكل متوسط، 1146 مبنى متضررا بشكل حاد، 740 مبنى مدمرا.
ولا يزال المتضررون يشكون الوعود الوهمية لحكومة النظام السوري لناحية تعويضهم أو مساعدتهم لتجاوز آثار الكارثة، لا سيما في محافظة اللاذقية التي نالت نصيباً من الضرر والدمار نتيجة الزلزال. وفقد الكثير من الناس مساكنهم، لا سيما في مناطق العشوائيات. ولا يزال الكثير من المتضررين يدفعون بدلات إيجار باهظة لمساكنهم البديلة رغم انخفاض الدخل والرواتب مقارنة مع بدلات إيجار المنازل المرتفعة بشكل كبير. 
وكان النظام السوري قد أنشأ الصندوق الوطني لدعم المتضررين من الزلزال. وبحسب محددات هذا الصندوق، فإن أولوية التركيز خلال الفترة الحالية هي على المتضرر بالمأوى لمالك سكن مهدم بتاريخ 6 أو 20 فبراير في منطقة منظمة أو منطقة غير منظمة وفق شريحتين، وهما الشريحة (أ) وهي مالكو مساكن مهدمة مرخصة في منطقة منظمة، والشريحة (ب) وهي مالكو مساكن مهدمة في منطقة غير منظمة ومالكو مساكن مهدمة مخالفة في منطقة منظمة، لكن كل ذلك لا يزال في إطار الوعود. 
من جهته، يشير ماهر، وهو موظف حكومي من متضرري الزلزال في مدينة جبلة، أخفى اسم عائلته لأسباب أمنية، والذي انتقل حاله من مالك منزل إلى مستأجر بمبلغ يعادل ضعفي راتبه الشهري، إلى أن "السكن البديل الذي أعلنت عنه الحكومة لا يزال حبراً على ورق، ولم يبدأ العمل به حتى الآن، وربما يطول الأمر لسنوات". ويسأل خلال حديثه لـ "العربي الجديد": "لماذا لم تعوّض الحكومة المتضررين بدفع بدل إيجار، وهي تعلم أن راتب الموظ لديها لا يمكنه من استئجار غرفة واحدة؟

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلن مدير فرع المؤسسة العامة للإسكان في اللاذقية كنان سعيد، أن "العمل متواصل لتنفيذ مشاريع السكن البديل (الأبراج) للمتضررين من زلزال فبراير الماضي"، مشيراً إلى أن الأعمال تسير وفق المسار الزمني المحدد لكل مشروع، وبنسب إنجاز عالية وصلت وسطياً إلى 50 في المائة".
لكن الناشط الإعلامي في مدينة جبلة أبو يوسف جبلاوي، يشكك في حديثه لـ "العربي الجديد" بتلك الرواية، قائلاً إن "حكومة النظام لا تزال حتى الآن تستقبل طلبات الاستكتاب على المنازل، بينما اقتصرت المعالجة على تبرعات إماراتية لإقامة غرف صغيرة مسبقة الصنع في بعض المناطق". يضيف أن "المشكلة هي زيادة الطلب كثيراً على بدلات الإيجار بعد الزلزال ما أدى إلى رفع قيمتها كثيراً، ووصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من مليون ليرة، بينما لا يتعدى راتب الموظف 250 ألف ليرة، ومعظم أهالي الساحل يعملون موظفين، ما يجعل هذا الوضع كارثياً أمامهم ولا يقل عن كارثة الزلزال نفسها".

سورية (بلال الحمود/ فرانس برس)
حياة قاسية في الخيام (بلال الحمود/ فرانس برس)

يتابع: "جميعنا يعرف أن مشاريع الحكومة قد تطول لعشرين عاماً. للأسف، فإن متضرري الزلزال يدفعون ثمن الكارثة وحدهم". ويشير أحد سكان حي قنينص بمدينة اللاذقية إلى أن منزله ذا الطابق الواحد تصدع بعد الزلزال، وأدرجت لجان المراقبة منزله ضمن المنازل الواجب هدمها".
ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد": "راجعت مجلس المحافظة مرات عدة لهدم منزلي وحتى اليوم لم يأت أي أحد. في كل مرة، يقولون لي هذا الأسبوع أو بعد يومين والنتيجة واحدة. وحتى الآن لم يتم هدم المنزل. فكيف بإعادة البناء؟". يضيف: "بدلاً من مساعدتنا بعد الزلزال، تحولنا إلى غنائم يصطادنا التجار والمتحكمون بالعقارات. بدلات الإيجار ارتفعت نحو 200 في المائة خلال أشهر معدودة ولا محاسبة أو تدخل من الحكومة لضبط الأسواق". يتابع: "استأجرت منزلاً على أطراف اللاذقية بعد الزلزال بمبلغ 150 ألف ليرة شهرياً. قبل شهر، جاء صاحب المنزل وطلب 600 ألف والبديل هو ترك المنزل".

وفي تمام الساعة 4:17 من فجر السادس من فبراير 2023، ضرب زلزال مدمر بلغت قوته 7.8 درجات مناطق شمالي سورية وجنوبي تركيا، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات، وعشرات الهزات الارتدادية. ولم يقتصر أثر الكارثة على الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات فحسب بل شكلت أيضاً تحديات طويلة الأجل أمام التعافي والصمود في ظل البنية التحتية الهشة وتشريد آلاف العائلات وضعف الاستجابة ومشاريع التعافي واستمرار الهجمات العسكرية والاستنفاد الكبير للقطاع الطبي وتحديات انتشار الأمراض والأوبئة.
وقال الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) الذي أعلن حالة الطوارئ القصوى حينها لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض، إن فرقه عملت في 182 موقعاً ضمن 60 مجمعاً، فيه أكثر من 580 مبنى مهدما كلياً وأكثر من 1578 مبنى تهدم بشكل جزئي، وهذا في شمال غرب سورية، أي المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية في حلب وإدلب. وأشار إلى أن متطوعي الدفاع المدني استطاعوا إنقاذ 2950 شخصاً من تحت الأنقاض، بينما انتشلوا 2172 ضحية للزلزال، منوها إلى أن هذه الأرقام تمثل استجابة الدفاع المدني للكارثة، ولا تعبر عن جميع الضحايا والمصابين بسبب الكارثة.
في حين أن الأعداد الحقيقية في كافة الجغرافية السورية، أي بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة تقدر بحوالي 4500 قتيل وحوالي 10 آلاف مصاب، عدا عن آلاف المتضررين.
وبحسب فريق منسقو استجابة سورية، تجاوز عدد الأسر المتضررة المسجلة 334 ألف عائلة، وبلغ عدد النازحين نتيجة الزلزال ما يزيد عن 311 ألف شخص، يشكل النساء والأطفال 67 في المائة منهم، وتم توثيق مقتل 4256 مدنيا وإصابة 11.774 آخرين. وتجاوز عدد الضحايا من العاملين في المنظمات الإنسانية والمؤسسات 255 شخصا.
وبالنسبة للمنشآت والبنى التحتية، تضررت 433 مدرسة كليّاً أوجزئياً بالإضافة إلى 73 منشأة صحية، و136 وحدة سكنية في المخيمات، و83 من المساجد والكنائس، و13 خزان مياه رئيسيا. أما عن المباني الخاصة، فقد دمر 2171 مبنى بشكل فوري، فيما يوجد 5344 مبنى غير قابل للتدعيم، و14844 مبنى بحاجة للتدعيم ليكون قابلاً للسكن من جديد. كما يعد 23738 مبنى آمناً لكنه يحتاج إلى صيانة. 

المساهمون