"الموت في البحر" يخيّم على عين العرب السورية

02 يناير 2024
تدفع الظروف القاسية شبان عين العرب إلى "الهجرة الانتحارية" (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

خلال العام الماضي، خيّم الموت على مدينة عين العرب (كوباني) شمال غربي سورية، ولم تنفضّ بيوت العزاء فيها مع تتالي ورود أخبار عن غرق ووفاة كثير من الشبان والشابات والأطفال، خلال محاولتهم الهجرة لبدء حياة جديدة في أوروبا.
في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فقد أحمد الأحمد ابنة شقيقته وابنتيها وصهره الذين غرقوا في البحر المتوسط، بعدما كانوا انطلقوا من الجزائر لمحاولة الوصول إلى الشواطئ الأوروبية. وهو تلقى نبأ العثور على جثامين شقيقته وابنتيها التي أعيدت لدفنها في عين العرب، أما الأب فلا تزال جثته في البحر. 
ويناشد أحمد أهالي عين العرب عدم سلوك أي طريق خطر للهجرة، والبحث عن طرق آمنة حتى إذا احتاج ذلك إلى وقت أكبر ومال أكثر، أو البقاء في المدينة، ويقول لـ"العربي الجديد": "نعلم أن الظروف الأمنية والاجتماعية والاقتصادية متدهورة في منطقتنا وبلدنا، وأن لا استقرار في ظل الفرص المحدودة للعيش وانتشار الجوع، وكل هذه العوامل تدفع العائلات والشباب الى سلوك درب الهجرة السرّية التي أرى أنها هجرة انتحارية، بسبب ارتفاع نسبة المخاطر وتسببها في سقوط عدد كبير من الضحايا، الذين يسلمون أنفسهم إلى تجار وسماسرة البشر الذين لا يهمهم إلا جني المال، علماً أن معظم المهربين ينتمون إلى عين العرب نفسها، وهم من أبناء جلدتهم".
يضيف مخاطباً أبناء عين العرب: "ليست حياتكم ملكاً لكم، والموت لا يؤلم الموتى بل الأشخاص الذين تتركونهم خلفكم، الذين يتخبطون في مرارة الحياة طوال العمر". 
وينطلق معظم أهالي عين العرب ذات الغالبية الكردية، الذين يرغبون في الهجرة إلى أوروبا، من الجزائر أو ليبيا بنسبة أقل،. وهم يختارون الجزائر تحديداً لأن نسبة كبيرة منهم عملوا في حفر الآبار فيها. وتوضح مصادر لـ"العربي الجديد" أن بعض أهالي عين العرب الذين يوجدون في الجزائر باتوا يمتهنون التهريب أو يعملون سماسرة لدى مهربين، وبات أبناء منطقتهم يقصدونهم لتأمين طريق لهم إلى أوروبا". 
وأفرزت الحرب السورية موجة من الهجرة السرّية واللجوء إلى دول الجوار وأوروبا هرباً من الموت، وواجه آلاف من أبناء البلاد مصير الغرق والعودة في توابيت أو الدفن في قبور جماعية قرب الشواطئ بعدما تعذر التعرف على هوياتهم.
ويتحدث شريف إبراهيم، وهو من أهالي قرى عين العرب، لـ"العربي الجديد"، عن أنه فقد أصدقاء ومعارف كثيرين في البحر فتوقف عن التفكير في الالتحاق بالهجرة السرّية بأي طريقة سواء في البحر أو البر. ويروي أن ابنة جيرانه تخرجت من كلية الهندسة، ثم سلكت طريق الهجرة من دون أن يعلم أهلها، فتوفيت عند حدود بولندا التي وصلت إليها من بيلاروسيا، ثم عادت محملة على الأكتاف بعدما أنهت ظروف الطقس القاسي حياتها. 
ولا يوجد إحصاء دقيق لعدد أبناء عين العرب وريفها الذين توفوا غرقاً أو المفقودين في رحلات الهجرة السرّية عبر البحر أو البر، لكن الناشط الحقوقي إبراهيم شيخو وثق بنفسه غرق 84 من أبناء المدينة في البحر المتوسط حتى نهاية النصف الأول من عام 2023.

يقع أبناء عين العرب ضحايا مهربين من المدينة ذاتها (دليل سليمان/ فرانس برس)
يقع أبناء عين العرب ضحايا مهربين من المدينة ذاتها (دليل سليمان/فرانس برس)

ويخبر شيخو "العربي الجديد" أن "تجار البشر في الجزائر باتوا يعتمدون على بعض أبناء عين العرب كسماسرة للترويج لرحلات الهجرة السرّية، وجلب الراغبين بتنفيذها عبر إقناعهم بأن الطريق الآمنة والخالية من المخاطر إلى أوروبا تكلّف نحو 15 ألف دولار للشخص الواحد، لكن الحال اختلفت خلال الرحلات حيث قضى عشرات غرقاً، وتعرّض آخرون لخداع بعدما حصل المهربون على أموالهم، أو جرى اعتقالهم في الجزائر بتهمة دخول البلاد بطريقة سرّية".
ويطالب شيخو بمحاسبة السماسرة والمهربين، ويؤكد أن بعضهم يضطرون أحياناً إلى التخلص من مهاجرين تعذّر تهريبيهم عبر قتلهم أو تركهم لمواجهة مصيرهم بنفسهم في البر أو البحر بعد أن يأخذوا أموالهم. 
ويقول الصحافي محمد حسن من أهالي عين العرب، الذي فقد أحد أقاربه الذي لم يتجاوز 18 عاماً خلال رحلة في البحر من الجزائر إلى إسبانيا، لـ"العربي الجديد": "يحاول أبناء عين العرب أيضاً العبور إلى أوروبا انطلاقاً من ليبيا، والسماسرة والمهربون لا يهمهم سوى الأموال، والموت مصير معظم من يركبون القوارب حيث يتلقون معاملة سيئة من المهربين، ويتعرضون لعمليات ابتزاز وضغط وسلب أموال وغيرها من التصرفات السيئة". 

ويرى أن "أهالي عين العرب ومناطق أخرى في سورية يجب أن يضغطوا على أبنائهم لمنعهم من المخاطرة بأنفسهم قبل أن يفقدوهم أو يبقى مصيرهم مجهولاً إلى الأبد بالنسبة إليهم". 
وكشف آخر إحصاء أجراه مشروع المهاجرين المفقودين، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، وفاة أو اختفاء 28,320 شخصاً في البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2014، منهم نحو 2571 شخصاً ماتوا أو اختفوا العام الماضي. وهذا أعلى مستوى جرى تسجيله منذ عام 2017 للأشخاص الذين كانوا يعبرون البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى أوروبا.

المساهمون