أكره حزام الأمان

15 ديسمبر 2018
ليس من حقّها أبداً (Getty)
+ الخط -
عمرها لا يتجاوز العشر سنوات، وتعبّر عن كرهها لحزام الأمان رافضة ربطه. معذورة هي لأنّها لم تكوّن الخبرة والمعرفة الكافيتَين عن دور هذا الحزام في حمايتها وردّ الضرر عنها، في حال وقوع أيّ حادث سير تكون هي من ضحاياه.

العتب واللوم يقعان على الوالدَين اللذَين يقبلان موقفها ويؤيّدانه. هي صدفة جمعتني بهم في السيارة، فجلستُ مع الطفلة في المقعد الخلفي. ربطتُ حزام الأمان بحكم العادة، والتفتُّ نحو الطفلة ووجدتُ أنّها لم تبادر إلى ربط حزامها. حاولت مساعدتها في ذلك. لم تبدِ اعتراضاً، بل ظلت صامتة، خجلاً ربّما. لكنّ الغريب أنّ والدتها انتفضت وبصوت حازم قالت لي: "لا تضعي لها الحزام. يضايقها ولا تحبّه".

أُصبتُ بالحيرة. أوقفتني الأمّ عند حدّي، فتراجعتُ على الفور. في قرارة نفسي، علمتُ بأنّني أرتكب بذلك خطأ كبيراً. هي ثوانٍ عليك أن تقرّر خلالها إمّا الدخول في جدال معها وإمّا إقناع الطفلة بإعادة النظر بأهميّة حزام الأمان وكيف أنّه يقيها الخطر. لكن لا الزمان ولا المكان كانا مناسبَين لذلك، بحكم طبيعة اللقاء السريع مع الأسرة بعد غياب سنوات.

شغلني الموضوع وما زال، وجعلني أطرح على نفسي جملة أسئلة كان حزام الأمان في السيارة أحدها، على الرغم من أنّ هذا الموقف يراه بعض الناس عابراً وغير مؤثّر، ولا بأس في الأمر بما أنّ الفتاة كانت في المقعد الخلفي وليس الأمامي. لكنّ مؤشّرات ذلك متشعّبة، تبدأ من حقّ الطفلة على والدَيها بالتوجيه والتربية بما يحمي مصلحتها، وحقّها عليهما أيضاً بالتوعية حول أنّ الوقاية مسألة جوهريّة للحماية من الحوادث، وحقّها بأن تعرف على ماذا يجوز الاعتراض وماذا ترفض أو تقبل.

بكل الأحوال، فإنّ الغرابة تكمن في موقف الأهل. من منّا لم يصادف طفلاً أخرج رأسه من شبّاك السيارة على مرأى من أهله وبموافقتهم، بحجّة أنّه يشعر بالسعادة حين يلفح الهواء وجهه؟ لا بأس... دع طفلك يعيش تلك المتعة بعيداً عن الشوارع المزدحمة والطرقات السريعة، واختر مكاناً آمناً لذلك. قد ترى سائقاً يضع طفله في حضنه وراء المقود، وحين تبدي ملاحظتك حول الأمر يدافع ويقول: "خلّيه (دعه) يجرّب ويتعلم". ولا شيء يستفزّ مثل وقوف طفل في السيارة بين المقعدَين الأماميَّين أو على المقعد الأمامي إلى جانب السائق، معتمداً على قوة ساقَيه لحفظ توازنه. تعبر السيارة بالقرب منك، فتبدأ بالدعاء والتمنّي ألا يضطر الأب أو الأم إلى الضغط بغتة على مكابح السيارة فيخسر الطفل أسنانه إن لم يكن أكثر.

للأسف، كثيرون لا تنفع معهم حملات الإعلان والتوعية حول ضرورة ربط حزام الأمان، على الرغم من أنّ عدد حوادث السير والقتلى على الطرقات إلى تصاعد، والإحصاءات الدورية والسنوية متاحة للجميع.




تبقى الإشارة إلى أنّ اختراع مهندس السلامة في شركة "فولفو"، السويدي نيلس بوهلين، حزام الأمان بثلاث نقاط، حصل في عام 1959 أي قبل 59 عاماً، وعُدّ من أهم تسعة اختراعات في القرن العشرين. لكنّ كثيرين يجدون فيه قطعة زائدة لا داعي لاستعمالها.

للطفل حقوق من واجبنا احترامها وتلبيتها، ولعلّ تأمين الحماية له أحدها. أمّا قول "أنا أكره حزام الأمان"، فهو ليس من حقّه أبداً.
المساهمون