معلّمو الأردن... الإضراب مستمرّ وسط تخوّف على مستقبل التلاميذ

23 سبتمبر 2019
مشهد لم يُسجَّل بعد هذا العام (توماس إيمو/ Getty)
+ الخط -

يستمر الإضراب المفتوح عن العمل الذي ينفذه المعلمون الأردنيون في المدارس الحكومية، للأسبوع الثالث على التوالي، وسط تأكيد نقابة المعلمين أن لا تراجع عن الإضراب حتى تحقيق جميع المطالب

مع دخول إضراب معلّمي الأردن المفتوح أسبوعه الثالث، ما زال أكثر من مليون ونصف مليون تلميذ في المدارس الحكومية الأردنية ينتظرون انفراج الأزمة القائمة ما بين نقابة المعلّمين الأردنيين وحكومة البلاد، وبالتالي الإعلان عن الانطلاق في العام الدراسي الجديد، علماً أنّ تلاميذ المدارس الخاصة وكذلك مدارس وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التحقوا بصفوفهم في الأوّل من سبتمبر/ أيلول الجاري، فيما امتنع أولياء الأمور في المدارس الحكومية عن تلبية دعوة مديري التربية بإرسال أبنائهم، أمس الأحد، إلى المدارس، ولم يحضر أكثر من عشرات التلاميذ.

تطالب نقابة المعلّمين برفع علاوة المهنة 50 في المائة على رواتب المعلّمين الأساسية، باعتبارها حقاً مستحقاً لهم منذ عام 2014، فيما ترفض الحكومة الأردنية تلك النسبة وتقترح بديلاً وهو الرجوع إلى المسار المهني وتحديد علاوة على الأداء، إلى جانب مقترحات أخرى غير واضحة. وتقدّر الحكومة تكلفة علاوة المهنة على الخزينة بنحو 112 مليون دينار أردني (نحو 160 مليون دولار أميركي)، فيما تؤكّد نقابة المعلّمين أنّ المبلغ أقل من ذلك بكثير. وجاء إضراب المعلّمين عن العمل بعدما منعتهم السلطات الأردنية من الاعتصام أمام مقرّ رئاسة الوزراء يوم الخميس في الخامس من سبتمبر/ أيلول الجاري وتعرّض عدد منهم للغاز المسيل للدموع وللضرب والاعتقال ولما وصفوه بالإهانة. ومنذ ذلك الوقت، زادت وتيرة الاحتقان والتصلّب في المواقف بين الجانبَين المعنيَّين، فيما يُدار حوار شكليّ ما بين الحكومة والنقابة تهرّباً من اللوم الذي قد يوجّهه المجتمع إلى الطرفين. يُذكر أنّ مبادرات وساطة برلمانية عدّة فشلت حتى الآن في التوصّل إلى مخرج ما.




ومعلّمو الأردن بمعظمهم يُصنَّفون من أبناء الطبقة الفقيرة، لا سيّما أنّ الأسرة المؤلّف من خمسة أفراد في الأردن تقف على خط الفقر إذا كان دخلها 700 دولار، وهذا هو معدّل رواتب المعلّمين في المدارس الحكومية. وقد تسبّب تراجع دخل المعلّم بالمقارنة مع مهن أخرى بتراجع مكانته الاجتماعية، ويظهر ذلك من خلال المركبات التي يمتلكها البعض والبيوت والملابس أحياناً.

أحمد العبادي مواطن أردني له ثلاثة أبناء يتابعون تعليمهم في مدرسة حكومية، يخبر "العربي الجديد" أنّه يراقب بقلق استمرار الإضراب ويتخوّف على مستقبل التلاميذ، لكنّه يحمّل المسؤولية "بالدرجة الأولى إلى الحكومة. فتحسين أوضاع المعلّمين لا بدّ من أن يحظى بالأولية، إذ إنّ رواتبهم لا تكفي لسداد بدلات إيجار بيوتهم وتلبية مطالبهم المعيشية". ويشير العبادي إلى أنّ "أبناء المسؤولين في الحكومة يتابعون بمعظمهم تعليمهم في المدارس الخاصة، وهم لا يهتمون لأبناء عامة الشعب. بالتالي لا تسعى الحكومة جدياً إلى إنهاء الإضراب عبر معالجة أسبابه".

المعلّمون في الشارع ولا يخشون المواجهات (ليث الجنيدي/ الأناضول)












بدورها، تطالب المواطنة منال موسى بإنهاء الإضراب، داعية الحكومة إلى إقرار علاوة المعيشة للمعلمين. لكنّها في الوقت نفسه تطالب المعلّمين بقبول "علاوة بنسبة أقلّ، على سبيل المثال 25 في المائة بدلاً من 50 في المائة". تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "توفير التعليم هو مسؤولية الحكومة، غير أنّه يتوجّب على المعلّمين تقديم تنازلات، فالتلاميذ هم أبناؤهم كذلك". وتستدرك: "للأسف فإنّ الموظفين الحكوميين بمعظمهم يعانون من الرواتب المتدنية، مع استثناء بعض المؤسسات والوزارات التي يحصل موظّفوها على امتيازات خاصة".

مطالب مهنيّة
من جهته، يقول المعلّم محمد الفناطسة لـ"العربي الجديد": "نحن مع النقابة ولا خروج عن قرارها. وهذا ليس رأيي الشخصي بل رأي المعلّمين في الميدان، فمجلس النقابة هو نتاج انتخابات ديمقراطية شارك فيها المعلّمون". ويؤكّد: "نحن مع استمرار الإضراب حتى تحقيق المطالب، وأبرزها علاوة المهنة والاعتذار"، موضحاً أنّ "المعلّمين لم يحصلوا منذ سنوات على أيّ علاوة، الأمر الذي جعلهم بسبب رواتبهم في أدنى السلم الوظيفي".

في السياق، يرى الباحث في مجال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ومدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "إضراب المعلّمين لا يخالف القانون. فهم يمارسون حقاً من حقوقهم، ولا يجوز أن تقوم الحكومة بتقييد ممارستهم هذا الحقّ، ولا يجوز لها كذلك اتّخاذ أيّ إجراءات عقابية لأيّ من قادة النقابة أو المعلّمين والمعلّمات بسبب مشاركتهم في تلك الاحتجاجات".

ويضع إضراب المعلّمين حكومة عمر الرزاز في أزمة، فثمّة مخاوف من تكرار مشهد رحيل الحكومة السابقة في عام 2018 والتي شغل فيها الرزاز منصب وزير التربية والتعليم. يُذكر أنّ النقابة أعلنت على لسان القائم بأعمال النقيب ناصر النواصرة عدم وجود أيّ أهداف سياسية خلف مطالب المعلّمين وحراكهم، وأنّ المطالب مهنية ولا ترتبط بأيّ طرف سياسي. على الرغم من ذلك فإنّ المخاوف لا تغيب عن السلطات الأردنية ممثلة بالسلطة التنفيذية، الحكومة وأجهزتها، التي تخشى توظيف الإضرابات المطلبية لأغراض سياسية وخلق مناخات تفرض تغييرات تحت ضغط الشارع.

تجدر الإشارة إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن نفت في الأسبوع الماضي وقوفها وراء إضراب المعلّمين، مشدّدة على أنّ حراكهم "حراك نقابي مطلبي"، وأنّ "المعلّمين هم صانعوه ومنظموه والقائمون عليه. وأمّا المحاولات المتكررة من قبل بعض الأطراف لتسييس الحدث المتعلق بالمعلّمين وإقحام جماعة الإخوان المسلمين فيه دونما وجه حقّ، فهي تتناقض مع الواقع وحقيقته".




وكان مدير إدارة النشاطات التربوية في وزارة التربية والتعليم زيد أبو زيد قد أفاد في تصريحات متلفزة بأنّ "الوزارة واعية وناضجة ولديها خطة استراتيجية وأجندات زمنية لتنفيذها"، مؤكداً أنّها "مستاءة جداً من تعثّر الخطط مع مطلع العام الجديد، خصوصاً أنّ التلاميذ لا يحصلون جميعهم على حقوق متساوية في هذا الوطن لجهة بداية العام وحقّهم في التعليم". أضاف أنّ "العقد بين الوزارة والمعلّم مرتبط بنظام الخدمة المدنية وفيه محدّدات لدوام المعلّم وانضباط عمله ونتاجه التعليمي، وحينما طرحنا صيغاً أخرى لخصوصية مهنة التعليم وجدنا أنّ الصيغة الجديدة تلبّيها فلا داعي لتحفّظ المعلّمين عليها".

في سياق متصل، نظرت محكمة غرب عمّان يوم الخميس الماضي بدعوى قضائية رُفعت ضدّ نقابة المعلّمين من قبل أحد أولياء الأمور، لكنّ الجلسة تأجّلت لنحو أسبوع فيما طلب محامي النقابة بسام فريحات ردّ الدعوى التي تطالب بحلّ مجلس النقابة لعدم صحّة الخصومة وبطلان الإجراءات. كذلك طلب فريحات من المحكمة نزع صفة الاستعجال عن القضية، علماً أنّ عشرات المحامين تطوّعوا للدفاع عن أعضاء مجلس النقابة والمعلّمين في أيّ قضية تُرفع في حقّهم.

وكانت شائعات قد سرت على مواقع التواصل الاجتماعي حول وساطة قطرية لحلّ أزمة المعلّمين الأردنيين، وهو ما نفاه مصدر مسؤول في السفارة القطرية في عمّان لـ"العربي الجديد" مؤكداً أنّ "إضراب المعلّمين شأن داخلي ولا يحقّ لأيّ شخص أو جهة غير أردنية التدخل فيه".

إضرار بالعملية التعليمية
في ما يتعلّق بتأثير الإضراب على التلاميذ، يقول الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات لـ"العربي الجديد" إنّ "ذلك واضح ولا أحد يهتمّ بهم في الدرجة الأولى، لا الحكومة ولا غيرها"، مضيفاً أنّ "الحل مرتبط باعتراف الحكومة بسوء أوضاع المعلّمين المعيشية". ويؤكّد أنّ "تحسين أوضاعهم هو الحلّ الوحيد لإنهاء الإضراب، وعلى الحكومة عدم إطالة مدة التفاوض، فالكل خاسر". ويشير عبيدات إلى أنّ "المعلّمين يظنّون أنّ مطالبهم هي حقوق معيشية وأنّ المسار المهني الذي طرحته الحكومة هو لتعقيد الحلّ"، موضحاً أنّ "المسار المهني في ظاهره أمر ممتاز وهو يحفّز المعلّمين على العمل، لكنّه غير فاعل في تحسين معيشة المعلّمين. أمّا المعلمون المبدعون فهم بالمئات فقط، كما هي الحال بالنسبة إلى العاملين في أيّ مجال آخر".

مستمرّون في تحرّكاتهم إلى حين استرداد حقوقهم (ليث الجنيدي/ الأناضول)












بالنسبة إلى عبيدات فإنّ "الإضراب مضرّ بالعملية التعليمية، لكنّ ثمّة أضرارا قائمة في الأساس ودائمة مرتبطة بالبيئة التعليمية"، منها أعداد التلاميذ الكبيرة في غرف الصفوف الضيقة والمناهج التي لا تحمل قيمة عملية حقيقية والمعلمون المحبطون. وهو الأمر الذي يعني أنّ الأضرار الناتجة عن التعلّم الخاطئ أكثر من تلك الناتجة عن غياب التعلّم، وكان الأولى بمعارضي الإضراب الاحتجاج على البيئة التعليمية". ويرى عبيدات أنّه "في حال فشل إضراب المعلّمين فسوف يكون المعلّم محبطاً بدرجة عالية وسوف يكون مجبراً على الذهاب إلى صفوفه بلا روح"، متسائلاً: "كيف للمعلّم الذي لم تُلبّ مطالبه وتعرّض إلى الإهانة أن يقف أمام التلاميذ؟". ويشدّد على أنّ "الفشل الحقيقي والأكبر هو فشل إضراب المعلّمين. أمّا نجاح الإضراب فهو سوف يقدّم درساً للتلاميذ حول كيفية المطالبة بحقوقهم وبناء المجتمع على أسس المواطنة والممارسة الديمقراطية".

والمشكلة بحسب عبيدات هي أنّ "الطرفَين المعلّم والحكومة يلعبان في ملعب بلا حكم، كأنّما الأمر يشتمل على عنف وشغب جمهور وتعاطٍ للمنشّطات. وفي غياب الحكم سوف تزداد الأضرار". يضيف أنّ "ثمّة حكاماً مفترضين كالمجتمع الواجب عليه إعطاء رأيه: هل هو مع الحكومة أو مع المعلّمين؟ وتفيد المؤشّرات هنا بأنّ المجتمع هو مع المعلّمين لكنّه لم يرفع صوته، خصوصاً النقابات المهنية". وينتقد عبيدات "عدم تأدية مجلس النواب دوره، فيما تُسجَّل مبادرات فرعية يأتي بها نوّاب يهدفون إلى تحقيق انتصار شخصي"، مؤكداً أنّه "ليس من واجب مجلس النواب أن يؤدّي دور الوسيط بل يجب أن يكون صاحب قرار وموقف حاسم ممّا يجري". أمّا الحكومة في نظر عبيدات، فقد "اتّخذت إجراءات في ما يتعلّق بإضراب المعلّمين، منها تسليط المنافقين ضدّهم، وحشد المخاتير والحكام الإداريين، والتواصل مع بعض المعلّمين من أجل إفشال الإضراب، واستخدام التهديد لوقف الإضراب". ويكمل أنّ "الحكومة اختبرت وحدة المعلّمين فكانوا متّحدين ولم تستطع اختراقهم والسيطرة عليهم وفكّ إضرابهم لا بالحيلة ولا بالقوة".




تجدر الإشارة إلى أنّ نقابة المعلّمين الأردنيين الأولى تأسّست في بداية خمسينيات القرن الماضي، برئاسة عبد خلف داوودية، لكنّ قراراً بالحلّ طاولها في عام 1956 شأنها شأن بقيّة النقابات المهنية، بالتزامن مع حلّ الأحزاب السياسية وحظر أنشطتها. وعلى الرغم من أنّ عامَي 1956 و1957 شهدا انفتاحاً سياسياً في مجال الحريات تحديداً، فإنّ القرار كان حاسماً تجاه منع تأسيس نقابة للمعلّمين وبقوّة القانون والسياسة معاً. وفي 15 سبتمبر/ أيلول من عام 2011، أي قبل ثمانية أعوام تقريباً، عادت نقابة المعلّمين من جديد ليصدر قانون نقابة المعلّمين الأردنيين لعام 2011 ويُنشَر في الجريدة الرسمية بتاريخ 29 مارس/ آذار 2012. أمّا انتخابات النقابة الأولى فجرت بعد عامَين من الجهد المتواصل، تخلّلها طرح فكرة "لا دستورية" إنشاء نقابة بالنسبة إلى موظفي الدولة، ثمّ طرح فكرة قيام "اتحاد معلّمين بنظام" في مقابل فكرة "نقابة بقانون". ثمّ نوقشت تفاصيل الأدوار والمسؤوليات إلى أن حقّق المعلّمون مطلبهم الذي ترافق مع "الربيع العربي".