أطفال غزة يبيعون السجائر

27 يناير 2015
هؤلاء الأطفال هم ضحية التفكك الأسري والفقر (محمد الحجار)
+ الخط -
يوماً بعد يوم، تتفاقم ظاهرة عمالة الأطفال في قطاع غزة، وخصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي الأخير. عاديٌّ أن يتوزع الأطفال على نقاط أساسية في الطرقات الرئيسية والفرعية أو الأسواق الشعبية في ظل انتشار الفقر والبطالة وعدم الاكتراث لحقوق الطفل داخل المجتمع الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال. يزداد الأمر سوءاً حين يختار الأطفال العمل في مهن تعدّ خطرة كبيع السجائر.

في شوارع غزة، يحمل بعض الأطفال صناديق صغيرة تحتوي على علب سجائر. ينادون على المارة "سجائر.. سجائر".

يراقبون الشباب المارين ويدعونهم لشرائها. أحد هؤلاء يدعى محمود (12 عاماً). ترك المدرسة قبل بدء المرحلة الإعدادية، بعدما دفعه والده لبيع السجائر كونها مهنة مربحة. يقول لـ "العربي الجديد": "عمل والدي بمختلف أنواع التجارة. بعد خساراته الكثيرة، صار يبيع السجائر. أجلس هنا، فيما يذهب هو إلى سوق الزاوية لتأمين متطلبات المنزل اليومية".

يجلس محمود نحو عشر ساعات يومياً أمام بسطته في شارع عمر المختار. بعدها، يأتي والده لأخذ المال منه، ويشتري مزيدا من صناديق السجائر، لبيعها في اليوم التالي. عادة ما يشفق الناس في هذا الشارع عليه، ويشترون منه السجائر لأنه طفل. لذلك، يختار الوالد العمل في السوق الشعبي. أما أسعد محرم (11 عاماً)، فيقف في الساحة الرئيسية، وينتظر أن يوقف شرطي المرور السيارات ليتوجه إلى أصحابها ويبدأ بعرض السجائر عليهم أو من معهم بالسيارة. يعود بعدها إلى مكانه، وينتظر أن يوقف الشرطي السيارات مرة أخرى.

يقول لـ "العربي الجديد": "أبيع السجائر منذ نحو عامين، وأتعامل مع تجار كثيرين. لا أستطيع أن أعود إلى البيت إلا بعد الحصول على 30 شيكلا (نحو 8 دولارات) لتوفير الطعام لعائلتي". استشهد والد أسعد في العدوان الثاني على غزة عام 2012. بعدها، اضطر وشقيقه مصطفى للعمل. يبيع مصطفى (14 عاماً) الخضار في سوق البلد، فيما لم يجد أسعد غير بيع السجائر في ظل عدم تقبل أصحاب العمل له لصغر سنه.

يلفت أسعد إلى أن عائلته لا تتلقى أية مساعدات من الجمعيات الخيرية. طرقت والدته أبواباً كثيره للحصول على مساعدات من دون نتيجة. يضيف "قبل أن يموت والدي، كنت أرسم في رأسي عالماً جميلاً، ولم أتوقع أن أبيع السجائر في أحد الأيام. لكنني لم أجد غيرها، وأدرك تماماً مخاطرها".

في السياق، ترى الأخصائية الاجتماعية نهال الفرا أن بيع الأطفال للسجائر هو بداية انحراف سلوكي وأخلاقي، كما أن عدم وجود رادع قوي لهذه الظاهرة يزيد من تقبل الأطفال لبيعها". توضح لـ "العربي الجديد" أن "هؤلاء الأطفال هم ضحية التفكك الأسري والفقر، أو أنهم أيتام.
عملهم في بيع السجائر يعني انخراطهم مع المنحرفين ممن هم أكبر سناً". تشير إلى أن الخطورة تكمن في "تقبلهم جميع الأفكار التي تطرح عليهم كونهم مجرد أطفال. كما أن تجارتهم للسجائر في هذا العمر تجعلهم يتقبلون أية تجارة غير شرعية، ومن الممكن استغلالهم في ترويج المخدرات، أو جنسياً".

تُحمّل الفرا وزارة العمل مسؤولية انخراط الأطفال في أعمال خطيرة. فالوزارة مسؤولة عن تنظيم جميع الأعمال الحكومية والخاصة داخل المجتمع الفلسطيني"، لافتة إلى أن "عمالة الأطفال ستزداد في ظل غياب الرقابة". من جهته، يرى جمال رضوان من دائرة التوعية المجتمعية في وزارة الشؤون الاجتماعية أنه "لا يمكن السيطرة على مثل هذه الأعمال بالشكل الكامل. كما أن البيئة التي يعيش فيها الطفل تشجعه أو تدفعه إلى العمل في مهن مماثلة"، محملاً العائلة المسؤولية الأكبر.

يوضح رضوان لـ "العربي الجديد" أن "الفقر في غزة يعد المشكلة الأكبر، وغالباً ما يكون الأطفال ضحايا".

خطة لحماية الأطفال
وضعت وزارة الشؤون الاجتماعية خطة استراتيجية بالتعاون مع مؤسسات عالمية تعني بالطفل، لإطلاق مشاريع تهتم بأطفال الشوارع بشكل أساسي، من خلال برنامج توعوي وتثقيفي يستهدف على وجه الخصوص أولئك الذين تركوا المدرسة، بحسب جمال رضوان من دائرة التوعية المجتمعية في الوزارة. يلفت إلى أن الوزارة تعمل على زيادة نسبة الأسر المستفيدة من المبالغ المالية التي تقدمها.
المساهمون