يُعَدّ القطار في مصر من وسائل النقل المفضّلة لدى كثيرين، بسبب تكلفته المنخفضة ولأنّ التنقّل لمسافات طويلة بين المحافظات يستوجب وسيلة مماثلة. لكنّ ثمّة مشكلات وحوادث كثيرة تُسجّل على سكك الحديد، ويُحكى عن تهالك الجرّارات لا بل المنظومة ككلّ.
ارتباك شديد تشهده حركة القطارات المصرية التي تربط القاهرة بالوجهَين البحري والقبلي في الفترة الأخيرة، ويُسجّل تأخّر في الوصول يتخطّى ساعة واحدة أو ساعتَين في محافظات الوجه البحري فيما يتراوح ما بين ثلاث ساعات وأربع في محافظات الوجه القبلي. وقد دفع الأمر الهيئة القومية لسكك حديد مصر إلى إصدار بيانات اعتذار يومية، من دون توضيح أسباب التأخير الحقيقية، زاعمة أنّه يتراوح فقط ما بين نصف ساعة و45 دقيقة.
ويتسبب تأخّر رحلات القطارات في ازدحام الركاب على أرصفة محطات سكك الحديد، وسط حالة من الاستياء والغضب الشديدَين، لا سيّما وسط البرد الشديد نتيجة انخفاض درجة الحرارة، خصوصاً في محافظات الصعيد. وفي حين يصرّ مصريون كثر على السفر في القطار، فإنّ تأخير الرحلات يدفع آخرين إلى اختيار وسائل نقل بديلة مثل الأتوبيسات (الحافلات) وغيرها، على الرغم من ارتفاع تكلفتها بالمقارنة مع القطارات رغبة منهم في توفير الوقت والجهد. يُذكر أنّ مواقف مركبات النقل في القاهرة ومحافظات الوجه البحري راحت تشهد أخيراً زحمة بسبب إقبال مواطنين كثيرين عليها بعد عزوفهم عن ركوب القطارات.
وتكشف مصادر مسؤولة في الهيئة القومية لسكك حديد مصر لـ"العربي الجديد" أنّ ثمّة أسباباً عدّة أدّت إلى عدم انتظام حركة القطارات، الذي ازداد حدّة في خلال الأشهر الماضية بطريقة لم يُشهد مثلها، من بينها "وجود جرّارات متهالكة انتهى عمرها المفترض وصارت غير صالحة للاستخدام، الأمر الذي يؤثّر سلباً على أدائها"، لافتة إلى أنّ "الحرائق تشتعل أحياناً في بعض الجرّارات في أثناء سيرها، ما يثير خوف الركاب". تضيف المصادر أنّه "من أسباب عدم انتظام حركة القطارات كذلك، ضعف الصيانة في ورش سكك الحديد، والنقص في قطع الغيار، وتهالك إشارات خطوط سكك الحديد وتعطلها، علماً أنّ سائق القطار يسير على أساسها، ما أدّى إلى حوادث بالجملة. ويأتي كذلك تهالُك عربات القطارات والسرعة الزائدة التي قد تؤدّي إلى انقلابها أو خروج تلك العربات عن خطوط سيرها، مثلما حدث لعشرات العربات. يُضاف إلى ذلك أنّ المزلقانات (حواجز تقاطع سكة الحديد) بدائية وتشهد حوادث متكررة". وتشير المصادر نفسها إلى أنّ "هيئة سكك الحديد تشدّد مع وزير النقل كامل الوزير على ضرورة رفع أسعار تذاكر القطارات لتطوير المنظومة، فيما الهدف ليس تطوير المرفق المهم والحيوي بقدر ما هو زيادة الفساد المستشري في داخل الهيئة".
في السياق، يشدد يحيى، وهو سائق قطار، لـ"العربي الجديد"، على أنّ "سائق القطار ليس المذنب في تأخّر رحلات القطارات، فهو يتحرك وفق تعليمات ويتوقّف وفق أخرى"، مضيفاً أنّ "البنى التحتية من قضبان سكة الحديد إلى جانب الجرّارات وعربات القطارات، كلها تعاني أزمات وتحديات تؤدّي إلى اضطرابات في جدول التشغيل". ويقول: "نحن كسائقين نكون في حالة رعب منذ بداية الرحلة وحتى العودة، خوفاً من أيّ أزمة، خصوصاً الحوادث الكبرى"، مؤكداً أنّ "سائق القطار هو أوّل المصابين وأوّل المتوفين، وفي حالة نجاته هو معرّض للسجن". ويتابع أنّ "منظومة سكك الحديد في مصر كلها تعاني التدهور، سواء في مواعيد الانطلاق والوصول أو في مستوى الخدمة أو في الشؤون الفنية".
في جولة في محطة "رمسيس" بالقاهرة، تُلاحظ علامات الغضب على وجوه جميع الموجودين في المكان، ويعبّر هؤلاء عن استيائهم الشديد من منظومة سكك الحديد، بسبب تأخّر وصول الرحلات، واصفين إيّاها بـ"الفاشلة" ومشدّدين على أنّهم يضيّعون وقتهم. ناصر السيد واحد من هؤلاء، وهو موظف في القطاع الخاص، يخبر "العربي الجديد": "حصلت على إذن لعدم الالتحاق بالعمل اليوم، فأنا مضطر إلى انتظار أحد أقاربي الآتي من محافظة الأقصر في صعيد مصر الذي يقصد القاهرة لاستشارة عند طبيب عيون". يضيف أنّ "ميعاد وصول القطار كان محدداً عند الساعة السادسة صباحاً، لكنّه لم يبلغ المحطة إلا عند الساعة العاشرة والنصف، أي بتأخير أربع ساعات ونصف الساعة"، متسائلاً: "لمصلحة من هذا التأخير؟ فالقطارات وسيلة نقل مهمة لأهالي الصعيد خصوصاً، بسبب بُعد المسافات".
من جهته، يقول يوسف عبد العظيم، وهو موظف في إحدى المصالح الحكومية بالقاهرة ويقيم في مدينة طنطا، إنّ "تأخّر القطارات يُعَدّ أزمة للموظفين المرتبطين بأعمال ومواعيد محددة"، لافتاً إلى أنّ "ثمّة من يفضّل القطار على الأتوبيس والسيارات الخاصة نظراً إلى تكلفته الرخيصة". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّه "بسبب تأخّر القطارات، استقللت واحداً ينطلق في ساعة مبكرة حتى أتمكّن من الوصول إلى عملي في الوقت المحدّد، بعدما كنت معرّضاً للفصل بسبب التأخّر عن العمل على خلفية تأخّر القطارات". أمّا الطالبة فرح محمد، فتشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّها تملك اشتراكاً لركوب القطار من القاهرة إلى جامعة بني سويف، "لكنّ تأخّر القطارات عن مواعيدها يتسبّب لي بمشكلات في دراستي. لذا ألجأ اليوم إلى المواصلات الخاصة التي تكلفّني الكثير، خصوصاً في أيام الامتحانات". تضيف أنّ "هيئة سكك الحديد لا تهتم مطلقاً بالقطارات المميزة (العادية) التي يستقلها عامة الشعب".