على الرغم من الزيادة الكبيرة في صادرات العراق النفطية، إلا أن السلطات العراقية في أحدث إحصاء لها، أعلنت أنّ تسعة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر، فيما يستفيد نحو ثلاثة ملايين عراقي فقط من المعونات المادية التي تقدّمها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
ونقلت قناة "العراقية" الرسمية عن المديرة العامة لدائرة الرعاية الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ذكرى عبد الرحيم أنّ "المستفيدين من رواتب شبكة الرعاية الاجتماعية يبلغ عددهم 1.4 مليون أسرة، فيما يبلغ عدد الأسر المستحقة لرواتب الرعاية ثلاثة ملايين أسرة"، وأضافت أنّ "200 ألف شاب قادر على العمل يستفيدون من رواتب الرعاية الاجتماعية"، لافتة إلى أنّ "الوزارة تسعى إلى تحقيق العدالة بفتح التقديم على الرعاية الاجتماعية وشروط التقديم ليست جديدة".
ويوفّر العراق رواتب مالية ومعونات شهرية للعاطلين من العمل والأرامل والأيتام، علماً أنّ الراتب الواحد لا يزيد عن 180 ألف دينار عراقي (نحو 125 دولاراً أميركياً). ويشير مراقبون وناشطون إلى أنّ هذا المبلغ لا يغطّي معيشة أيّ عراقي لمدّة أسبوع، الأمر الذي يعني أنّ المساعدات الحكومية لا تكفي.
وقال أحد المسؤولين في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لـ"العربي الجديد"، مفضّلاً عدم الكشف عن هويّته، إنّ "الوزارة أحصت أعداد المستفيدين من المنح الشهرية والمساعدات المالية للمستحقين، وتبيّن أنّهم يقتربون من نحو ثلاثة ملايين، لكنّ ثمّة أكثر من تسعة ملايين عراقي يستحقون المساعدة، لكنّ الوزارة لا تملك الميزانيات المالية الكافية لتغطية هذه الأعداد".
وأضاف أنّ "نسبة الفقر في تزايد مستمر، وثمّة معلومات من وزارة التخطيط تفيد بأرقام أكثر من ذلك"، لافتاً إلى أنّ "هذا التقاطع في الأرقام والنسب يؤدّي في النهاية إلى نتيجة واحدة وهي أنّ الفقر في العراق في أعلى مستوياته".
وكانت وزارة التخطيط العراقية قد توقّعت ارتفاع نسبة الفقر في البلاد إلى 25 في المائة، فيما رأت أنّ إقرار قانون الأمن الغذائي والتنمية سوف يعالج هذه المشكلة من خلال التخصيصات المالية. لكنّ الفقراء في العراق لم يحصلوا في الواقع على أيّ امتيازات من القانون الطارئ الخاص بالأمن الغذائي الذي أقرّه البرلمان أخيراً.
وفي هذا الإطار، صرّح المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي في وقت سابق بأنّ "الوزارة سوف تبدأ قريباً بمسح جديد للفقر بالعراق، والوقوف على مؤشّراته في ظلّ الظروف الحالية، سواء أكانت متعلقة بأزمة كورونا أم ناتجة عن ظروف الغذاء العالمية".
وأضاف أنّ الإحصائية الأخيرة لنسب الفقر في العراق في عام 2019 قبل الأزمة الوبائية، "سجّلت تقريباً 22.5 في المائة"، مبيناً أنّه ما بعد هذه الأزمة "وبسبب الظروف الاقتصادية والصحية، ارتفعت النسبة. وتوقعاتنا الآن أنّها قد تصل إلى 25 في المائة"، مؤكداً أنّ "الحكومة اتّخذت إجراءات لمعالجة مشكلة نقص بعض المواد الأساسية عالمياً".
من جهتها، أشارت الناشطة الحقوقية عبير العزاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الموارد المالية الكبيرة التي حصلت عليها الحكومة العراقية من جرّاء بيع النفط بأسعار هي أكثر مّما نصت عليه موازنة عام 2021، لكنّ العراقيين لم يستفيدوا من الأمر على الرغم من ذلك، ولا أحد يعرف أين ذهبت هذه الأموال"، ولفتت إلى أنّ "الأرقام التي تعلن عنها السلطات والوزارات العراقية هي أقلّ بكثير من العدد الفعلي للفقراء في البلاد"، موضحة أنّ "الفقر سوف يتصاعد أكثر في العراق، لا سيّما أنّ العقلية الحاكمة لا تريد تفعيل المصانع والمعامل الحكومية ولا تشجّع على الاستثمار وتعتمد بشكل أساس على الاستيراد من الخارج، وهو الأمر الذي من شأنه أن يفاقم نسب الخريجين العاطلين من العمل ويؤدّي إلى زيادة مفرطة في أعداد الفقراء والمحرومين في مقابل طبقة تزداد ثراءً وتخمة".
وكان تقرير سابق لوزارة التخطيط العراقية قد أوضح أنّ تداعيات أزمة كورونا الوبائية تسبّبت في إضافة 1.5 مليون عراقي جديد إلى إجمالي عدد الفقراء البالغ 11 مليوناً و400 ألف فرد، بعدما كان يُقدَّر قبل الأزمة بنحو 10 ملايين، أضاف أنّ نسبة الفقر ارتفعت إلى 31.7 في المائة، بعدما كانت 20 في المائة في عام 2018.
وقد دعا رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، في وقت سابق، إلى السيطرة على نسب الفقر التي ارتفعت بفعل انتشار فيروس كورونا الجديد وانخفاض أسعار النفط وتوقّف معظم المشاريع في كلّ القطاعات الاقتصادية، الأمر الذي أدّى إلى خسارة شريحة واسعة من العاملين بالأجر اليومي مصادرَ دخلهم. لكنّ الحال لم تتحسّن بسبب قرار الحكومة خفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي لتوفير سيولة مالية محلية تعوّض الخسارة وتساهم في حلّ مشكلات صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين.