بعد 10 سنوات من حراك المؤسسات النسوية الفلسطينية من أجل الضغط لرفع سنّ الزواج في المجتمع الفلسطيني للذكر، والأنثى خصوصاً، قررت الحكومة الفلسطينية التنسيب للرئيس الفلسطيني برفع السن القانونية للزواج إلى 18 عاماً، وبمنح الأم حق فتح حساب بنكي لأبنائها القُصَّر والتصرف به، وذلك خلال الجلسة الأسبوعية للحكومة أول من أمس الاثنين.
ويقضي قرار الحكومة الفلسطينية الأول بالتنسيب إلى الرئيس محمود عباس بتعديل المادة الخامسة من قانون الأحوال الشخصية لعام 1976، القاضي بتحديد سنّ الزواج ليصبح 18 عاماً لكلا الجنسين، مع استثناءات يقررها قاضي القضاة.
وأثارت جملة "مع استثناءات يقررها قاضي القضاة" غضب الناشطات النسويات والمؤسسات العاملة في مجال حقوق المرأة والأُم، فالاستثناء برأيهن يجب أن يكون وفق مقتضى قانوني، وليس وفق استثناءات يُقررها أشخاص لهم وجهات نظر تختلف باختلاف المعايير، والأصول التي يؤمنون بها.
وتقول الناشطة النسوية ومديرة مركز تنمية وإعلام المرأة "تام" سهير فراج، لـ"العربي الجديد": "إن إعطاء الاستثناءات في مسألة رفع سنّ الزواج إلى 18 عاماً يفتح الباب أمام كل الاحتمالات، التي قد يستغلها كُثر لتمرير زيجات القاصرات خاصة، وقد يُعطي قاضي القضاة الاستثناء بكل بساطة للحالات التي ترفع له شكواها"، مشيرة إلى أن "المؤسسات النسوية اجتهدت لعقد كامل من أجل إقرار قانون حقيقي لرفع سنّ الزواج، وعندما أُقرَّ القانون أُلحق بشروط".
وتُقلل الناشطة سهير فراج، من ثقتها بتحمل قاضي القضاة محمود الهباش، مسؤولية حماية زواج القاصرات، بما أنه الشخص الذي يحق له السماح بزواج مَن هنَّ دون 18 عاماً وفق ما وصفه قرار الحكومة بالاستثناء. وتسأل: كيف لنا أن نثق بقاضي القضاة لحماية الإناث من الزواج المبكر، وهو الذي صرّح عبر وسائل الإعلام بتأييده ضرب النساء وتعنيفهن؟
ولم يحدد القرار طبيعة الاستثناءات التي ينظر فيها قاضي القضاة، ما يضطر المؤسسات النسوية إلى بدء نضال جديد مع الحكومة والجهات المختصة لإلغاء هذه الاستثناءات.
وإعطاء قاضي القضاة لصلاحيات تقديرية (استثناءات)، ترى فيه الناشطة النسوية، ومديرة مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي رندة سنيورة تطبيقاً لمقولة: "وكأنك يا زيد ما غزيت". وتقول سنيورة لـ"العربي الجديد": "نحن بالفعل ندور في حلقة مُفرغة، وكأن الأمر لتأكيد وجود إرادة سياسية معنية بالتغيير الإيجابي لمصلحة المرأة، وإشعار المؤسسات النسوية والمرأة بفضل الحكومة عليها".
لم تطالب المؤسسات النسوية برفع سنّ الزواج بشروط، بل بتغيير قانون الأحوال الشخصية أيضاً، والتصديق على قانون لحماية المرأة ضد العنف، لكن الناشطة رندة سنيورة تستنكر إقصاء المؤسسات النسوية خارج دائرة صنع القرارات والقوانين الخاصة بحقوق المرأة. وتقول سنيورة: "لماذا لا يجري إشراكنا نحن المؤسسات النسوية من قبل الحكومة الفلسطينية عند إصدار القرارات والقوانين الخاصة بالمرأة، التي نعمل معها نحن في الميدان ولدينا الخبرة في قضاياها وهمومها".
فتح الأم لحسابات مصرفية
أما قرار التنسيب للرئيس الفلسطيني محمود عباس بتعديل البند القانوني الخاص بحق الأم بفتح حسابات مصرفية لأبنائها القصَّر، فقد لاقى ترحيباً وتساؤلات من قبل الناشطات النسوية. وتقول الناشطة سهير فراج، لـ"العربي الجديد": "إن منح الأم الحق في إنشاء حساب مصرفي لأبنائها، يعني منحها حق الوصاية والولاية على ما يملكون من المال، بعدما كانت حكراً على الأب فقط، ومن بعده رجال عائلته، بدءاً بالأخ أو عمّ الطفل أو جده".
وترى فراج أن التعديل جاء لمصلحة المرأة، ولا سيما في حال طلاقها، أو وفاة أو استشهاد أبنائها، وتحويل الأموال كجزء من الميراث لحساب أبنائها، على سبيل المثال لا الحصر.
بينما تتساءل الناشطة رندة سنيورة عن جدوى إصدار هذا القانون مرة أخرى بعدما أصدره رئيس الوزراء السابق رامي الحمدالله في مارس/ آذار العام الماضي، وتقول: "لقد أُصدر القرار قبل عام، لماذا أصدرته الحكومة اليوم مرة أُخرى؟ فعلاً لا أعرف!".
وتؤكد الناشطة سهير فراج أن القرار الخاص بالسماح للأم بفتح حساب بنكي لأطفالها دون سنّ 18 عاماً، رغم صدوره العام الفائت لكنه لم يعمَّم على البنوك بصورة كاملة، لذلك قد يكون إصدار الحكومة له مرة أُخرى، من باب تفعيله وإلزام البنوك به.