لأنهم يرغبون في الإنجاب، وقعوا ضحيّة المتاجرة الطبيّة. هذه حال كثيرين من الأزواج في لبنان الذين دفعوا وما زالوا يدفعون مبالغ طائلة، فقط لتبصر أعينهم طفلاً من لحمهم ودمهم.
في لبنان، نحو 20 مختبراً للتلقيح الاصطناعي، منها ما هو جيّد ومنها ما يصحّ فيه وصف "دكاكين". ونسأل: لماذا لا تتوفّر رقابة صارمة على التلقيح الاصطناعي؟ وما هو سرّ التأخر في إصدار قانون يضبط الفلتان الحاصل في بعض هذه المختبرات؟
مسلخ
"من طبيب إلى طبيب.. من دون جدوى. أصبت بالإفلاس النفسي والمادي. أعصابي أرهقت. عشر سنوات ونحن نحاول الإنجاب، عبثاً". وتتابع إيلين خليل قائلة: "الشيء الوحيد الذي جعلني لا أفقد الأمل، هو دعم زوجي لي".
وكانت خليل قد أنفقت وزوجها الكثير، قبل أن يُرزقا بابنهما ماجد عبر عمليّة تلقيح اصطناعي. تضيف "لكنني لا أستطيع أن أشرح حجم المعاناة النفسيّة والماديّة. فإذا لم يتأمّن المال الوفير، فأنت لن تتمكّن من الحصول على علاج". وبشيء من الاشمئزاز تتابع: "تشعر بأنك في مسلخ".
يقول المتخصّص في الطب النسائي الدكتور فريد بدران إن "القانون الذي ينصّ على أخلاقيات إجراء عمليات التلقيح الاصطناعي لم يبصر النور بعد، لأنه يتعلق بالمسألة الدينيّة. ثمّة طوائف لا تسمح بذلك". يضيف: "لو صدر لكان نظم المختبرات التي تُعنى بهذا الشأن. فنحن نفتقر إلى رقابة فعليّة من قبل الدولة. لذا تبقى المسألة مرتبطة بأخلاقيات المهنة ورهناً بضمير الطبيب. وتماماً كأي مهنة أخرى في العالم، ثمّة أشخاص يعملون بحسب ضميرهم المهني وآخرون يتاجرون بمهنتهم. بالتالي، فإن الأهم من إصدار قانون بالنسبة إلي، هو ضمير الطبيب الحيّ عند ممارسته لمهنته".
"على عينك يا تاجر"
يشير بدران إلى أن "الناس يلتاعون للحصول على ولد، والمتخصصون ينهبون أموالهم. لا يجوز أن يُستغلّ هؤلاء بهذه الطريقة". ويخبر أن "الدكتور عدنان مروة حاول عندما كان وزيراً للصحة (1982 - 1984)، أن يضع قانوناً تنظيمياً لذلك، فاجتمع مع بعض الأطباء المتخصصين وكنت أنا من بينهم. لكن بعد ذلك، هبط علينا قانون لم يأخذ برأينا مستوحى من القانون التونسي. واليوم هو ينام في أدراج المجلس النيابي، نظراً لاختلاف وجهات النظر دينياً حول وهب البويضات وطفل الأنبوب".
ويشدّد بدران على "ضرورة الرقابة وتطبيق القانون الأخلاقي للآداب الطبية اليوم، مع هذا الفلتان في بيع البويضات والسائل المنوي وشرائها. من الواضح أنهم أهانوا المهنة والطب". ويقول إنه "في المبدأ ليس ضدّ عمليّة وهب البويضات أو السائل المنوي شريطة أن تكون من ضمن الأطر الأخلاقيّة للمهنة، أي في إطار الآداب الطبيّة من دون الانسياق إلى التجارة بالشريكَين ومع الحصول على موافقتهما خطياً والتشديد على منع وهب البويضة أو السائل المنوي من دون علمهما. فهذه مسألة خطرة جداً وقد تخلّف أضراراً معنويّة واجتماعيّة".
لا تنظيم.. لا قانون
من جهته، يشرح المتخصّص في الطب النسائي الدكتور عماد أبو جوده أنه "من غير الممكن فرض قانون متعلق بالطوائف. لذا ما من رقابة فعليّة على التلقيح الاصطناعي، والأمر محصور بضمير الطبيب وعلاقته بمريضه". يضيف: "ثمّة صعوبة في إصدار قانون يحدّد ضوابط أخلاقيّة لذلك شبيه بالقانون الذي يحكم الإجهاض والاستنساخ، لأن كل شيء متعلق بالأديان يبقى في حدود المسموح به لدى كل طائفة على حدة. بالتالي من غير الممكن إيجاد حلّ جذري لهذه المسألة الطبيّة الحساسة".
ويتحدّث عن "قانون رادع لا يسمح باتخاذ القرار من قبل شريك واحد كما هو حاصل اليوم، في ما يتعلق بموافقة الشريكَين مسبقاً على تجميد البويضات أو التلقيح الاصطناعي. فما يحدث اليوم لا يجوز".
أما المتخصّص في الطب النسائي الدكتور إيلي مسعود، فيوضح أن "غياب الرقابة ليس مرتبطاً بلبنان فقط، بل هو أمر عالمي. لذا تبقى المسألة مرهونة بضمير الطبيب وأخلاقياته".
"لا سلطة لنا"
ويوضح نقيب الأطباء البروفسور أنطوان البستاني أن "لا سلطة قانونيّة لنقابة الأطباء على مختبرات التلقيح الاصطناعي. نحن فقط ننظر إلى الأمر من ناحية التداعيات الطبيّة، في حال رفعت شكوى طبيّة".
أما مستشار وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، الدكتور بهيج عربيد، فيشير إلى أن "الوزارة وبحسب علمي تؤدي واجبها من ناحية الرقابة الصحيّة على قطاع مهن المختبرات الطبيّة".